خبر : ليس أمر فساد فقط \ بقلم: يارون لندن \ يديعوت

الإثنين 31 مارس 2014 02:30 م / بتوقيت القدس +2GMT



          كم من المال أخذت شولا زاكين لجيبها وكم منه نفخ جيب اهود اولمرت الخاص وكم وجه منه للنفقة على نشاطه السياسي؟ هذه اسئلة سيحدد الجواب عنها مصير المشاركين في الامر، لكن يوجد شيء أهم من ذلك: فهي تعبر عن ازمة وقعت الديمقراطية فيها. إن ساسة كثيرين – وأبرزهم اهود باراك واريئيل شارون وعيزر وايزمن – لوثتهم اموال اعطاهم إياها ارباب مال. وهي حالات اكثر من ان نستطيع ان ننسبها الى فساد طباعهم، فينبغي اذا أن نبحث عن جذر الفساد في اماكن اخرى.

          أقترح قاعدة عامة وهي أن تزيد كلفة الحملات الانتخابية كلما قلت الفروق الايديولوجية بين المتنافسين وكلما تقاربت احتمالات انتخابهم. لو تحددت رئاسة الوزراء بمنافسة بين التجمع الديمقراطية برئاسة الدكتور جمال زحالقة وبين البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينيت لحكم على المستشارين وخبراء الاستراتيجية وخبراء استطلاعات الرأي ومقاولي الاصوات بالبطالة، فالفروق الايديولوجية بين الحزبين القوميين كبيرة جدا حتى إنه لا حاجة لبذل جهود لبيانها.

          لكن الحال ليست كذلك لأن كتلة المصوتين الكبيرة لا تفرق بين يمينها ويسارها. وإن موت الايديولوجيات القاطعة يوجب ربطا بين الروايات وابرازا للفروق الصغيرة وفرزا دقيقا لجمهور المصوتين وبناء اجهزة انتخاب ضخمة وايجاد شعارات جوفاء وتوزيع رشوة مباشرة وغير مباشرة. ويتطلب كل ذلك مالا كثيرا يأتي الجزء الاكبر منه من اغنياء يخصصون اموالهم لمن قد يجازيهم بعد ذلك مباشرة أو غير مباشرة.

          تحدثنا الاسطورة الديمقراطية عن ان السياسي يعرض علنا سلعته الايديولوجية وصفاته الشخصية، ويختار المتبرعون من يناسبهم من بين المعروضين في السوق السياسية. لكن هذه حقيقة جزئية تبتعد عن الواقع كلما اصبحت تكاليف الحملات الانتخابية باهظة. فالكلفة العظيمة للمنافسة تجعل ناسا ذوي بواعث سياسية تستقر آراؤهم على المنافسة بعد أن يفحصوا عن احتمالات تجنيدهم للمال فقط. واذا لم تكن عندهم ايديولوجية متشددة واذا كانوا متوسطين في شخصياتهم واذا كانوا مرنين من جهة اخلاقية فانهم يلائمون بشارتهم السياسية مع مذاق الممولين المحتملين.

          وسأبتعد بشهادتي حتى الولايات المتحدة التي تُنعت بأنها "قلعة الديمقراطية". فهناك يتابعون مسار جمع الاموال يوما بعد يوم. ويدل مقدار المال في خزائن المرشحين على كبر احتمالات فوزهم. فكلما جمعوا مالا اكثر كثر ما يحصلون عليه من المال لان المتبرعين يفضلون ان يؤيدوا المرشح الذي تزيد احتمالات فوزه. وأي سياسي لا يغريه ان يلائم رسائله مع ارادة المتبرع المحتمل؟ وما هي المسافة بين رؤية المتبرع لمصلحة المجموع وبين الاستثمار في مصلحته الشخصية أو – في احسن الحالات – في مصلحة الطبقة الاجتماعية التي هو معدود فيها؟.

          يتعلق جانب واحد من الجوانب الكثيرة التي تشتمل عليها هذه القضية بصوغ السياسة الاجتماعية. لانه اذا كان للثروة الكبيرة تاثير كبير في صورة السلطة المنتخبة فانه تنشأ دائرة مسحورة تزيد بالتدريج افضلية اصحاب الاموال. وهم يساعدون على انتخاب زعماء ساسة تزيد سياستهم الفروق الاقتصادية التي تضائل قدرة الطبقة الوسطى على التاثير في انتخاب السلطة.

          وأعود هنا الى الدعوى التي بدأت بها: إن قضية اولمرت ليست فقط أمر فساد أفراد بل هي بمنزلة انذار من ثقل وزن المال في المسار الديمقراطي. وهي تدل على أن كفة الميزان السياسي ترجح بالمال الاكثر. إن قضية سبل الانفاق على الصراعات السياسية وهي روح الديمقراطية تحتاج الى علاج عاجل.