انتهت قمة عباس أوباما دون اصدار أي بيانات أو تصريحات صحفية؛ الأمر الذي يعكس حجم التباين والخلافات بين الرجلين في كل ما يتصل بقضايا التسوية المطروحة، وهو ما ترجمه عملياً التصريح الصحفي التلفزيوني المشترك للرجلين الذي جاء في بداية اللقاء، وبعد لقاءات التمهيد الاخيرة التي جرت مع الرئيس من قبل كيري وطاقم مستشارية، وان اعتمدنا على ما جاء على لسان عباس وأوباما في بداية لقائهما فمن الواضح أن أوباما لم يتنزع شيء جدي من نتنياهو ليقدمه لعباس، وكل ما قاله هو عبارة عن مجرد عبارات عامه داعمة لما يسميه عملية سلام، علاوة على الثناء على شجاعة أبو مازن وتمسكه بالنهج السلمي، وفي محاولته للتغطية على الفشل الذي وصلت الية مفاوضات كيري؛ أشار الى أن ثمة الكثير من التفاصيل المعقدة بحاجه لجهد أكبر، ونعتقد أن أوباما يقصد بالتفاصيل القدس والحدود والأغوار واللاجئين.
بدورة كان الرئيس عباس واضحاً وصريحاً في تناول وتحديد موقفه من القضيتين الأبرز على أجندة اللقاء، يهودية الدولة وتجديد المفاوضات، ففي يهودية الدولة عبر عن تمسكه برفض الاعتراف بها عبر التذكير باعتراف المنظمة بإسرائيل عامي 88 و93، وفي ذلك رسالة أن إصرار نتنياهو على الاعتراف بيهودية الدولة أمر تعجيزي يهدف لإفشال المفاوضات والتملص من استحقاقاتها، أما فيما يتعلق بتجديد المفاوضات فقد كان واضحاً في ربطها باستكمال الإفراج عن الدفعة الرابعة، وبشرط عام، وهو إظهار جدية اسرائيلية برغبتها في التوصل للسلام.
نستطيع القول ان أوباما داخل الغرفة البيضاوية لم يكن أكثر صرامة وضغطاً على الرئيس مقارنة بما يقوله في مؤتمراته الصحفية، وذلك يعود بقدر كبير إلى فشلة في انتزاع أي تقدم حقيقي يعرضه على الرئيس، ليستطيع بالمقابل أن يطالبه بتقدم مماثل، وربما استقر رأي أوباما وطاقمه على ممارسة ضغط باتجاه تحقيق هدف واحد ووحيد، ألا وهو انتزاع موقف ايجابي من الرئيس تجاه تمديد المفاوضات مقابل وعود أمريكية بتبني المطلب الفلسطيني الخاص بدفعة الأسرى الرابعة وتجميد ما لعمليات البناء في المستوطنات.
أهداف تميد المفاوضات
بات معروفاً أن أمريكا تسعى عبر تمديد المفاوضات لتحقيق مجموعة من الأهداف؛ في مقدمتها التغطية على فشل جهود كيري وإدارة أوباما، والمحافظة على الاحتكار الأمريكي للمفاوضات، وبقاء حضورها القوي في ملف الشرق الأوسط الأكثر أهمية، وكذا منع الفلسطينيين من الذهاب باتجاه خططهم البديلة، الذهاب الى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وحث مسيرة محاكمة اسرائيل ومقاطعتها ونزع شرعيتها وتدويل رعاية المفاوضات، والتصالح الداخلي وإعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية، باعتبار كل ذلك بدائل فلسطينية باتت مشروعة ومستحقة في ظل فشل المفاوضات في حماية الأرض أو وقف التهويد أو حماية الشعب من الاعتداءات الإسرائيلية، وفي ظل القناعة التي تزداد رسوخاً لدى الكل الفلسطيني من أن المفاوضات برعايتها الحالية وصيغتها المعروفة شكلت غطاءً للاحتلال وممارساته، ومنحته شرعية وإعاقة بناء وتطوير رد فلسطيني قادر على محاصرة المشروع الاحتلالي.
لكل ذلك؛ فإن أوباما وفريقه ربما مارسوا الكثير من الثناء ومحاولات الاحتواء والتضليل والوعود السياسية العامة ومادية واضحة ومحددة، والضغوط المصحوبة بتحذير أكثر منه تهديد بهدف تمديد مهمة كيري وإحالة المطالب الفلسطينية لطاقم كيري لدراستها والتفاوض مع الاسرائيليين بشأنها، وربما وعد بالدفع باتجاه تحقيقها في حال في سياق تجديد المفاوضات ولكن ليس كشرط ابتدائي.
من جهته؛ نعتقد أن الرئيس كان أكثر ارتياحاً في عرض الموقف الفلسطيني الرافض لإطار كيري، والرافض لتجديد المفاوضات بصيغتها السابقة، مستنداً في ذلك على التجربة الفاشلة، وعلى التعنت الإسرائيلي، وعلى بيان مكتب الاحصاء الرسمي الاسرائيلي الذي أعلن ان البناء في المستوطنات زاد في الستة الاخيرة بنسبة 123%.
وفي مواجهته لضغوط أوباما؛ نعتقد أن الرئيس تسلح بضعفه داخلياً، وعدم قدرته على تمرير موافقته بتجديدها في ظل موقف شعبي وفصائلي قوي في رفضه تجديد المفاوضات، وأنه شخصياً لا يملك القدرة ولا الصلاحية ولا النفوذ الذي يخوله ذلك.
وعليه لم يملك أوباما الكثير ليفعله أمام مشروعية المطالب الفلسطينية، وأمام رئيس فلسطيني حمائمي ضعيف، لكنه راسخ في تمسكه بنهج السلام وفي سعيه انهاء الاحتلال.
ومن المعقول أن نقدر أنهما اتفقا على استمرار الحوارات مع كيري، وتأجيل قرار التمديد من عدمه الى وقت آخر، وإعطاء فرصة ايجابية لجولات كيري القادمة، أي باختصار إبقاء الباب مفتوحاً دونما حسم، والتمسك بأجواء التفاؤل وبإيجابية التعاطي.
لقد باتت مهمة كيري أكثر صعوبة وأشد تعقيداً، وأعادته الى المربع الأول، وهو ما أطلق علية التغلب على الفجوة الكبيرة من عدم الثقة بين الأطراف التي لم يرى لها مثيلاً، ومن نافل القول ان ما عجز عن تحقيقه طوال الأشهر الثمانية السابقة لن ينجح في تحقيقه في الأسابيع المتبقية لجولاته التي ستكون ماراثونية بين تل أبيب ورام الله وعمان والرياض.
وسيكون اختبار كيري الأصعب في مواجهته إسرائيل التي ستحاول المناورة على معادلة الأسرى أو الاستيطان، وبتقديرنا أن إسرائيل ستختار الأسرى، حيث أن نتنياهو ملتزم سياسياً وتجاه شركاءه في الائتلاف بعدم تجميد الاستيطان، كما أن مدى الرغبة الاسرائيلية في تجديد المفاوضات ستؤثر على مدى استجابتهم لمطلب الرئيس، طالما بقيت المفاوضات التي ستجدد على صيغتها السابقة.
عجز أوباما عن ممارسة أي ضغط حقيقي على نتنياهو يكشف أكثر من أي ملف آخر (القرم، سوريا، النووي الايراني) ضعف إدارته ومحدودية قدراته، حيث انه بخلاف بوش الابن جاء للبيت الابيض برغبة كبيرة في إحداث تغيير كبير على السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن بينها ملف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، وهو الرئيس الأمريكي الأول الذي تبني وشجع مطلب تجميد الاستيطان كشرط للمفاوضات، لكنه يظهر اليوم عجزاً حقيقياً واضحاً ومفضوحاً وغير قابل للتبرير في تحقيق ما يؤمن به حقاً وما وعد به، لا سيما وهو في ولايته الثانية وقد تحرر من أي ضغوط انتخابية، وليس ثمة أية مؤشرات على أنه سيمارس أي ضغوط باتجاه إجبار نتنياهو على تغيير مواقفه أو تليينها بما يسمح للرئاسة الفلسطينية ويسهل عليها قرار العودة للمفاوضات.
بالإجمال فإن اللقاء لم يسجل أي تقدم يذكر، وأجل الحسم لأسابيع مقبلة، سيأتي خلالها كيري ومحاولاً اغتصاب موقف ما بتمديد المفاوضات ضمن شروط محسنة نسبياً أو تمديدها لاستكمال الحوار على إطار مرجعية المفاوضات، ومن المؤكد أن تحرير الدفعة الرابعة من الأسرى ستشكل أحد أوراق الابتزاز، على الرغم من أن تحريرهم هو حق مستحق على إسرائيل لأن الفلسطينيين أوفوا بالتزاماتهم، ألا وهي الاستمرار بالتفاوض تسعة أشهر، وتجميد أي خطوات باتجاه الذهاب للمنظمات الدولية، وكان مقابل ذلك التزام اسرائيلي وحيد، وهو إطلاق سراح مائة وأربعة وعشرون أسيراً من أسرى ما قبل أوسلو بما فيهم أسرى الـ 48، أي لا يجب أن تتنصل اسرائيل من دفع التزام قبضت ثمنه.