ليست الحرب الأهلية في سورية مصدر حشد لشيعة المنطقة كما هي للجهاديين السنّة الأجانب. غالباً مايُصوَّر تورّط الأفرقاء الشيعة في المنطقة، أي إيران وحزب الله اللبناني والمجموعات العراقية، من منظار ديني. لكنّ الدوافع التي تحرّك المقاتلين الشيعة في سورية (أو على الأقل الدول أو الجماعات التي ترسلهم إلى هناك) تكتسب أبعاداً متشعّبة، وتنطلق من عوامل عدّة مثل الاعتبارات الجيوسياسية والرغبة في الدفاع عن النفس وصونها، أكثر ممّا تنطلق من الانقسام المذهبي الواضح.
وإذ يتحدّث حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، عن الخطر التكفيري الذي يهدّد الشيعة مثلاً، يتطرّق أيضاً إلى حاجة الدفاع عن سورية من مخاطر الهجمات الدولية والإقليمية. وقد ربط المرشد الأعلى الإيراني، في كلمة ألقاها في أيلول/سبتمبر الماضي، المشاكل في سورية بالمصالح الخاصة التي تبذل كل من الولايات المتحدة والصهاينة جهوداً حثيثة لتحقيقها، كما ربطَها، في إشارة غير معهودة إلى حد ما، بمصالح الرأسماليين، مع التقليل من شأن الطبيعة المذهبية للنزاع. ولاشكّ في أن الخطاب ينطلق من المصالح الذاتية، لكنه يُظهر أيضاً أنّ الأفرقاء الشيعة يدركون، بما أنهم أقلية، أنّ عليهم التقليل من شأن العامل المذهبي في أي نزاع واسع النطاق بين المسلمين.
على الصعيد السياسي، ينطلق دعم إيران وحلفائها لنظام الأسد من رغبتهم في الدفاع عن هذا النظام الموالي لإيران، وذلك لأسباب جيواستراتيجية أكثر منه بدافع التضامن الديني. ومن شأن خروج سورية من دائرة النفوذ الإيراني أن يؤدّي إلى تراجع نفوذ طهران في العالم العربي، وإلى تعطيل قدرتها على تقديم الدعم اللوجستي لحزب الله. ليس هناك شعور حقيقي بالأخوّة الدينية بين الشيعة الاثني عشرية في إيران ولبنان والعراق من جهة، والعلويين الذين يسيطرون على نظام الأسد من جهة أخرى. فعلى الرغم من أنّ السيد موسى الصدر وآية الله حسن الشيرازي أعلنا في السبعينيات، كلٌّ على حدة، أنّ العلويين هم مسلمون شيعة، إلا أن الهدف كان دعم نظام الأسد عبر منحه ومنح المقرّبين منه شرعية دينية، ولم يكن تعبيراً عن تضامن روحي أو إيديولوجي.
لا يعني ذلك أنّ ما من أهمية دينية لسورية بالنسبة إلى الشيعة. لكن على النقيض من بعض المجموعات الأكثر مجاهرةً بانتمائها إلى التيار الإسلامي السنّي في صفوف المعارضة، والتي تعتبر أن النزاع في سورية يتيح لها فرصة إنشاء دولة إسلامية كجزء من خلافة إقليمية أوسع، يبدو أن الشيعة الذين يحاربون في هذا النزاع لا يقاربونه باعتباره جزءاً من مشروع شيعي أوسع. فإذا كان من سبب ديني يدفع الشيعة إلى المشاركة في القتال في سورية، فهو يرتدي أساساً طابعاً ثانوياً ودفاعياً. يرتدي مقام السيدة زينب أهمية بالغة بالنسبة إلى المتديّنين، وقد أصبح منذ الثمانينيات، موقعاً مهماً للحج ومركزاً للبحوث الدينية. نتيجةً لذلك، يرى بعض الشيعة في الدفاع عن المقام في وجه القوات الإسلامية السنية سبباً مشروعاً لحمل السلاح. يكتسب استهداف المقامات الشيعية بعداً تاريخياً مهماً جداً بالنسبة إلى الشيعة؛ فهم يتذكّرون جيداً كيف نهب الوهّابيون كربلاء في العام 1801، وكيف لحقت أضرار كبيرة بضريح العسكري في العام 2006، عندما حاول المتمرّدون السنّة العراقيون التسبّب بنزاع مذهبي عبر استهداف المقامات الدينية المهمة. وهكذا عندما ظهرت تقارير عن تدنيس السلفيين لمقام شيعي صغير في سوريا، بدأت الاتهامات بأن السلفيين يستهدفون مقام السيدة زينب تتردّد في أوساط شرائح واسعة من الشيعة.
إضافةً إلى ذلك، لا ينظر جميع الشيعة من المنظار نفسه إلى الوضع في سورية، أو إلى حاجتهم إلى التدخّل فيها. فتركيز الطائفة الشيعية في المنطقة على النزاع في سورية يتوقّف إلى حد بعيد على ظروف الشيعة الخاصة ونظرتهم إلى التأثير الذي تمارسه الأحداث السوريّة عليهم. ففي لبنان مثلاً، يسود شعور بأنّ صعود السلفيين في سورية يمثّل تهديداً وجودياً للشيعة. وتعتبر هذه النظرية أنه إذا لم يتم ردع السلفيين في سورية، فسوف يكون لبنان هدفهم المقبل لـ"نشر المذهب السنّي".
لكنّ فئتَي الشيعة في لبنان (الشيعة الموالون لحزب الله والشيعة غير المنتمين إلى حزب الله) اعتمدتا أساليب مختلفة في التعامل مع المسألة السورية، ما يعكس ظروفهما الخاصة. فالأعمال الهجومية التي يشنّها حزب الله دعماً للجيش السوري في أماكن مثل القصير يُنظَر إليها بشكلٍ إيجابي على نطاق واسع في أوساط الشيعة؛ لكنّ الجهات غير المسلّحة في الطائفة الشيعية اللبنانية تكتفي (علناً على الأقل) بإرسال الأفراد للمساعدة على حفظ الأمن في مقام السيدة زينب في جنوب دمشق. وتُعتبَر حمايتهم للمقام عملاً دفاعياً أساساً، والهدف منها واضح ومفهوم. ففي غياب التعاطف الإيديولوجي الطبيعي مع العلويين في سورية، أو التعاطف الواضح مع الأهداف السياسية الإيرانية إلى حد ما، يواجه الشيعة اللبنانيون صعوبة في كسب دعم أوسع في داخل طائفتهم لتحرّك يذهب أبعد من هذا الرد الدفاعي.
يتوجّه بعض الشيعة العراقيين للقتال دعماً لنظام الأسد، ولكن من دون الحصول على الدعم من آية الله علي السيستاني الذي لا يرى سبباً لمؤازرة نظام الأسد، بيد أن بعض المجموعات الشيعية الموالية لإيران في العراق ترسل مقاتلين للمشاركة في النزاع في سورية وذلك للأسباب السياسية البراغماتية نفسها التي تحرّك إيران. وعلى الرغم من أن التصريحات العلنية قد تُغلَّف أحياناً بعبارات دينية، يبقى الدافع دفاعياً إلى حد كبير، إذ يهدف إلى ردع التحرّكات السعودية وسواها من التحرّكات السنّية ضد النظام العلوي في سورية. و"الدعوة إلى حمل السلاح" التي يطلقها الشيعة لا تشمل فعلياً الجماعات الشيعية الكبيرة الأخرى في دول مثل البحرين، أو في باكستان، إذ يواجه الشيعة في كلا البلدَين تحدّياتهم السياسية والأمنية الخاصة. لقد اختارت هذه الجماعات الشيعيّة تقديم دعم معنوي أساسًا، ربما إدراكاً منها أنّ المساهمة بطريقة فاعلة في القتال في سورية قد تفاقم مشاكلها الداخليّة.
على الرغم من الأبعاد الدينية أو المذهبية الكامنة في النزاع، فإن تصوير سورية على أنها محور للجهاد الشيعي الدولي ينطوي على سوء فهم للدوافع التي تحرّك الأفرقاء المتورّطين في النزاع. فإيران تنطلق أساسًا من حسابات سياسية - فقد استثمرت في سورية في إطار جهودها الإقليمية الهادفة إلى إرساء دائرة نفوذ واسعة قدر الإمكان. ويقدّم الشيعة المؤيّدون لنظرة إيران العالمية الدعم العسكري لنظام الأسد انطلاقاً من السبب عينه. ويخشى آخرون (ولاسيما في حالة لبنان) أنّ في حال حقّق السلفيون انتصاراً في سورية، قد يدفعهم ذلك إلى السعي إلى تنفيذ مشاريعهم في أماكن أخرى. بيد أن الدافع الديني للأفرقاء الشيعة الآخرين أكثر محدودية إلى حد كبير. فاهتمامهم الديني بالوضع في سورية مرتبط ارتباطاً شديداً بمصير مقام السيدة زينب، وبدرجة أقل بكثير بالنظام السوري الحالي. فهؤلاء الشيعة لا يرون في العلويين رفاقاً لهم في العقيدة، إلا أنهم يكنّون لهم الاحترام نظراً إلى المساعدة التي يقدّمونها للشيعة وإلى وقوفهم في وجه السعودية ومصالح أخرى يعتبر الشيعة أنها تتعارض مع مصالحهم انطلاقاً من هويتهم الدينية. ولا يخلو هذا الدعم لنظام الأسد من الشروط، وسيبقى عرضة للتغيير بحسب المصالح القومية للبلدان المعنية مثل إيران، إلا أنه كافٍ في الظروف الحالية للمساعدة على بقاء النظام السوري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رودجر شاناهان باحث غير مقيم في معهد لوي للسياسات الدولية وباحث زائر في كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية.