خبر : القذائف من غزة: أكثر من مجرد تنفيس غضب \ بقلم: اليكس فيشمان \ يديعوت

السبت 15 مارس 2014 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT



إن عملية كسر الصمت التي أعلنها الجهاد الإسلامي يوم الأربعاء، هي في الحقيقة دعوة الى الاستيقاظ، وليس التحدي الذي تقيمه عسكريا بالضرورة وهو قبل كل شيء تحد سياسي للقيادة الإسرائيلية التي تعيش في شعور بأن الوضع في قطاع غزة كما هو اليوم يمكن أن يستمر الى الأبد.
في تقديرات الوضع التي قام بها وزير الدفاع وقادة الجيش في ساعات إطلاق الصواريخ الأولى على البلدات في الجنوب، تحدثوا عن عملية ليست أكثر من تنفيس غضب. وأوضحوا أنه لا توجد هنا في الحقيقة محاولة لجر إسرائيل الى مواجهة عسكرية شاملة في القطاع. ويشير "الشاباك" على الدوام الى ضرورة الامتناع عن كل إجراء قد يجر "حماس" الى مواجهة عسكرية. وهو يرى أنه لا يجوز الانجرار بصورة آلية بافلوفية وراء رشقة الصواريخ الكبيرة بصورة مميزة من الجهاد الإسلامي.
يزعم مختصون أن الحديث عن عملية مخطط لها حصلت على موافقة قادة المنظمة والدليل على ذلك أن إطلاق الصواريخ تم بصورة منسقة على عدد من الجبهات. لكنهم يشيرون في الوقت نفسه الى حقيقة أن الجهاد الإسلامي اختار أن يستعمل سلاحا قصير المدى وغير دقيق، على الخصوص – وهي قذائف صاروخية قطرها 4 إنشات. وكانوا يستطيعون أن يختاروا من ترسانتهم صواريخ لمدى متوسط أو طويل كانت ستقع في مراكز سكنية في جنوب البلاد ومركزها لكنهم لم يفعلوا ذلك. فقد أرادوا في الحاصل العام أن يرسلوا رسالة تحذير لـ"كسر الصمت" مع إسرائيل ومع "حماس" ومع المصريين. والأصوات في الجيش الإسرائيلي أكثر تنوعا فقيادة الجنوب تحث على عملية، بصورة طبيعية، لكن قائد المنطقة سامي ترجمان قال في الماضي إن لنظام "حماس" في غزة دورا في الحفاظ على الاستقرار أيضا.
ونقول بإيجاز إن القرار الذي اتخذ هذا الأسبوع في إسرائيل كان عدم التحمس للرد العسكري وعدم الانجرار الى مواجهة عسكرية غير مضبوطة. وعاد المصريون الذين لهم دور مركزي في حفظ التوازنات بين إسرائيل والقطاع، يُحذرون ويقولون إن غزة حبة بطاطا ساخنة يمكن أن تدحرج في كل لحظة لا نحو إسرائيل فقط بل نحوهم أيضا. ولهذا عادوا يطلبون من إسرائيل ألا تضر بالمصالح المصرية بعمليات عسكرية تقلب الطاولة.
كانت الردود الكلامية عندنا حماسية لأن اكثر من 70 قذيفة صاروخية هي تحد سياسي قبل كل شيء، ورئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يعلون يعلنان عن سياسة اليد الشديدة في القطاع ويحذران من أن كل إطلاق نار سيُرد عليه بعنف. وهنا جاء الجهاد فقال: أطلقت 90 قذيفة صاروخية فماذا ستصنعون بي؟ هل تتجهون للحرب؟ وفي هذه الحال لا يستطيع رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يبيحا لنفسيهما الحديث عن الحاجة الى ضبط النفس واحتواء الحادثة. وحينها يتحدثان في اندفاع لأن الكلمات لا تكلف مالا.
كان الرد العسكري في مقابل ذلك موزونا جدا، فقد هوجم في الحقيقة 29 هدفا لكن اكثرها "أهداف عقارية" فارغة. وقيل للجمهور الإسرائيلي إن ذلك كان أكبر هجوم تم تنفيذه على أهداف في القطاع منذ كانت عملية "عمود السحاب"، لكنهم في غزة فهموا ما أرادوا.
يعلمون في جهاز الأمن منذ زمن أن تنفيس الغضب في القطاع مسألة وقت فقط، فقد حطم عدد القتلى الذي اجتمع في الجانب الثاني نتاج عمليات للجيش الإسرائيلي مختلفة، أرقاما قياسية. وكان أولئك الرهط الثلاثة من المنظمة الذين قتلوا يوم الثلاثاء، القشة التي قصمت ظهر البعير من وجهة نظر الجهاد الإسلامي. وليست سلطة "حماس" مهتمة بكف جماح الجهاد، فالسلطة من جهة غير قادرة على منح السكان الأمن الاقتصادي، وهي من جهة أخرى لا تشارك في مقاومة الصهاينة. وهذه السياسة تُحدث عند اتباعها – ولا سيما في الذراع العسكرية – مشاعر قاسية من خيبة الأمل من القيادة المدنية لإسماعيل هنية ومحمود الزهار. ولا تستطيع قيادة "حماس" أن تصد تنفيس الغضب لأن الغضب سيتجه عليها آنذاك.
إن الجهاد الإسلامي في الحقيقة تلزمه تفاهمات مع "حماس" تتعلق بعمليات منسقة على إسرائيل، لكن "حماس" يصعب عليها أن تكف جماحه أيضا. وأصبحت نقطة الانطلاق في إسرائيل الآن هي أن قادة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة ودمشق غير ناضجين الى الآن لمواجهة عامة مع إسرائيل ولهم مصلحة في احتواء المواجهة العسكرية. وهم مع ذلك محتاجون فينة بعد أخرى الى تقديم دليل للإيرانيين يُسوغ المساعدة المالية الكبيرة التي يتلقونها منهم وأن ينفذوا عمليات على إسرائيل.
إن الأهداف التي تهاجَم في غزة تجمعها "أمان" بصورة تدريجية متصلة. وحينما يدخل هدف الى البنك يظل هدفا الى لا نهاية. ويمكن أن تكون الأهداف قادة سياسيين وعسكريين أو مواقع كمخازن وسائل قتالية ومصانع إنتاج وآبار إطلاق وأنفاق وما أشبه. وتُقسم الأهداف الى درجات "نوعية" مختلفة. فليس حكم قائد عسكري في "حماس" كحكم موقع يشغله نشيط إرهابي مرة من آن لآن.
حينما يخرجون لعملية في حجم "الرصاص المصبوب" يُنفق بنك الأهداف الذي أنشئ في مدة سنوات دفعة واحدة. وتمر بضع سنوات أخرى لبناء بنك جديد يُمكّن من الأضرار الفعال بـ"حماس" في العملية التالية. وليس استقرار الرأي الآن على قصف أهداف نوعية في غزة أمرا لا شأن له حينما يكون القصد الى عقاب رمزي لأجل ردع، واحتواء الحادثة ولإنهائها في أسرع وقت ممكن. ومن المؤكد أصلا أن القادة العسكريين في غزة انتقلوا الى العمل السري بعد إطلاق الصواريخ فورا. فيجب أن يتم التقرير الآن هل تتجه إسرائيل الى "إحراق" أهداف نوعية جُمعت بجهد كبير أو يحسن التحول الى الأهداف العقارية.
في حالة جو عاصف يوجد احتمال أكبر لأن يصيب هجوم على هدف نوعي يقع بالقرب من سكان غير مشاركين في القتال، أن يصيب أشخاصا لا صلة لهم بإطلاق الصواريخ ويجر المنطقة الى جولة قتال أخرى لا حاجة إليها. ولا يجوز الاستخفاف أيضا بتقدير تعطيل فرح عيد المساخر. فلإسرائيل طريقة لعقاب الجهاد الإسلامي وردعه في الأيام العادية أيضا. والتصفيات المركزة لأولئك الذين وقفوا وراء رشقة إطلاق الصواريخ هذا الأسبوع هي خيار دائما. فقد الشخص الذي كان مسؤولا عن إطلاق القذيفة الصاروخية الأخيرة على ايلات بعد ذلك بأسبوع رجليه في تصفية مركزة من الجو.
إن كل التقديرات العسكرية لا يمكن أن تحل محل إقرار سياسة نحو القطاع لأن الوضع هناك أخذ يتدهور. وسيكون في غزة انقطاع للكهرباء مخطط له مدة ثماني ساعات بسبب نقص الوقود الذي ارتفع سعره ضعفين ونصف الضعف ويبدأ ذلك من الأسبوع القادم. وارتفعت أسعار الغذاء عشرات الدرجات المئوية بسبب فروق الأسعار بين السلع الإسرائيلية والسلع المصرية. ولم تعد أجهزة تصريف الماء تعمل لأنه لا يوجد ما يكفي من الوقود للمضخات، ومواد البناء لا تدخل وارتفع سعر الإسمنت ثلاثة أضعاف وأصبح 70 ألف عامل بناء عاطلين. وارتفعت الجريمة الى مستويات لم تعهدها غزة من قبل. ويبتعد صيادو الأسماك ثلاثة أميال عن الساحل ويمسك بهم سلاح البحرية الإسرائيلي، وحينما يتجهون جنوبا يلاقون الأسطول المصري، فقد أصبح القطاع في غليان اقتصادي واجتماعي دائم.
بعد رشقة القذائف الصاروخية هذا الأسبوع أغلقت إسرائيل معبر السلع في "كيرم شالوم" وأوقفت زيارات عائلات السجناء، وهذه خطوة ستثير على "حماس" مجموعة ذات تأثير كبير في الشارع الفلسطيني. ولا يريد أحد أن يشغل نفسه بغزة: لا مصر ولا إسرائيل ولا العالم. وليس الأمر أمر الانهيار الاقتصادي فقط بل الأزمة السياسية التي دُفعت "حماس" إليها منذ كان سقوط الرئيس مرسي. إن غزة دُمل سينفجر في وجوهنا جميعا. وما زال من الممكن في جولة إطلاق النار الحالية الحديث عن تنفيس غضب، ويمكن النظر الى إطلاق القذائف الصاروخية على أسدود وعسقلان كأنه إطلاق من عدد من العُصاة يستغلون الفوضى في القطاع لضرب إسرائيل. لكن ذلك وهْم لأن الانفجار التالي لن يكون مجرد مسألة تنفيس غضب.

عن "يديعوت أحرونوت"