كثيرة هي مفارقات المشهد السياسي المصري قبيل الاستحقاق الرئاسي القادم، فبعد فترة من الجمود في المشهد السياسي برمته رغم المضي قدماً في خارطة الطريق باقرار التعديلات الدستورية الجديدة التي تم الاستفتاء عليها يومي 14 و 15 يناير بأغلبية ساحقة (98,1 بالمئة)، ورغم ما تشهد البلاد من عمليات وتفجيرات إرهابية شبة يومية نالت مناطق عدة وفي القلب منها العاصمة القاهرة، واستهدفت مديريات الأمن وافراد وعناصر الشرطة والجيش، وقطعت فيما يبدو أي طريق نحو تحقيق مصالحة وطنية مع جماعة الأخوان المسلمين التي نعتت بالإرهابية من قبل الحكومة وغالبية القوى السياسية والشعبية المكونة لما يسمى بـ "تحالف 30 يونيو"، بيد أنه فجأة تجاوز المشهد على صعيد هذا الاستحقاق المثقل بأعبائه وأعباء تركة ثقيلة خلفها النظام السابق والأسبق تلك المرحلة التي غلب عليها طابع التخمينات والتوقعات من ناحية، والتذبذب والتردد من ناحية أخرى في إعلان المواقف النهائية حول من سيتقدم إلى سباق المنافسة على أول مقعد رئاسي في أعقاب موجة 30 يونيو، وبدا المشهد الذي تحركت فيه بعض المياه الراكدة ودخل ما يشبه مرحلة الحسم لخريطة المرشحين للسباق تتضح ملامحه شيئاً فشيئاً، وتتسارع وتيرته نحو الاكتمال رغم عدم بدايته رسمياً حتى الآن.
بل لعلنا لا نبالغ في القول إن المشهد في مجمله كان مهدداً بأن يتحول إلى ما يشبه الاستفتاء على شخص وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي الذي بات ينظر إليه من قبل قطاع واسع من الجماهير والنخبة على السواء باعتباره "مخلص" أو "منقذ" بحثاً عن أمن واستقرار مفقود، وأمل في الهروب والخلاص من واقع يتزايد غموضاً وتعقيداً، ذلك أن حسم مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي موقفه النهائي تجاه خوض السباق بعد طول تردد وما تلاه من إعلان البعض لمواقفه قد منح الحياة السياسية طوق النجاة والسباق ذاته قدراً مطلوباً من التعدد والتنوع بدا واضحاً أنه تراجعت وتيرته بصورة متزايدة في الأونة الأخيرة الأمر الذي يضمن في السياق النهائي عدم تحول أول استحقاق رئاسي بعد 30 يونيو إلى مجرد استفتاء بارد يخلو من التشويق بحسب وصف البعض(1)، ويحسن كذلك من صورته التعددية وشرعية نتائجه أمام عالم خارجي باتت مصر محط أنظاره.
في طلب المخلص
لم يكن غريباً أن يعاني المشهد السياسي المصري – ولا يزال – حالة من الارتباك العام التي اضحت سمته الرئيسة ذلك أن الجميع في حالة من الترقب والانتظار للقرار الرسمي لوزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي من أجل إعلان موقفه النهائي تجاه خوض السباق، وإن كانت كافة المؤشرات والتقديرات تؤكد أن الرجل الذي لعب دور القائد العسكري وتدخل لحسم الموقف في 30 يونيو لصالح شعب احتشد متمرداً في كافة الشوارع والميادين ضد نظام محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين مطالباً بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة صار مطلوباً لدى قطاع عريض لاستكمال ما بدأه ولعب دور المخلص السياسي أملاً في الكفاءة ذاتها والنجاة من واقع مؤلم تتسارع وتيرته نحو السقوط والانهيار، وأنه قد حسم أمره وقرر خوض السباق، ولم يكن مستغرباً كذلك مع حالة عدم الاستقرار التي يصاحبها عمليات إرهابية هنا وهناك أن يتبارى المصريون في ابتكار وسائل للتعبير عن تلك الرغبة بالخلاص فبجانب الحملات الشعبية التي تشكلت في هذا الإطار مثل "كمل جميلك" و"السيسي رئسي"، وغيرها صمم البعض – وإن كان بغرض الربح أيضاً لكنه لا يخلو من دلالة مهمة – خلال الاحتفالات الأخيرة بذكرى ثورة 25 يناير 2011 في ميدان التحرير تماثيل صغيرة للرجل، فيما صمم آخرون نموذجاً لبطاقة الرقم القومي – البطاقة الشخصية – مصحوبة بصورة للسيسي بالزي العسكري وببيانات كتبت على التصميم كالتالي : النوع (ذكر)، المهنة (منقذ مصر)، التوقيع (تسلم الايادي).
واقع الحال أن مناداة الرجل بالترشح للرئاسة لم تتوقف خلاصاً من هم الإختيار وألم الانتظار، وهي الحالة التي يصفها الروائي علاء الأسواني بالبحث عن أب حيث يقول " إن المصريين الذين يرفعون صور السيسي في الشوارع لا يبحثون في الحقيقة عن رئيس جمهورية وإنما عن أب يحتضنهم ويوفر لهم الأمن بعد أن طالت معاناتهم.. المهم أن يحسوا أن لديهم أباً جديداً قوياً يحميهم ويسيطر عليهم ويوفر لهم الأمن "(2)، وهي الحالة التي تزايدت وتراكمت في السنوات الثلاث الماضية مع تزايد حدة الإنقسام السياسي وشعور قطاع واسع من المصريين بأن أزمات البلد مستعصية عن الحل وأن نخبته عاجزة عن حل مشاكله السياسية والاجتماعية وأن أي فشل أو تعثر في مساره السياسي والانتخابي يجعله يتمنى كما يقول الدكتور عمرو الشوبكي أن يستيقظ في الصباح على صوت مخلص يهبط عليه فجأة من السماء وينقذه مما هو فيه، فبعد أن سقط شعبياً نموذج المخلص أبن الجماعة الدينية - كما يقول الشوبكي - واتضح أمام قطاع واسع من الناس حجم الكذب والخداع اللذين روجهما قادة الجماعة عاد مرة أخرى حلم المخلص أو الزعيم الملهم أبن الدولة القادر على إخراج الشعب مما هو فيه وعادة ما كان الجيش في الضمير الجمعي لعموم المصريين هو المكان الذي يخرج هؤلاء الناس "(3).
ولم تكن مناداة الرجل لم تكن رغبة جماهيرية فحسب بل كانت أيضاً مطلباً نخبوياً حيث تبارت النخبة والتيارات السياسية في التعبير عن ذلك فعلى سبيل المثال تقول فريدة الشوباشي "الشعب يخاطبه بأسمه دون القاب، وهو ما يعني أنه لا وسطاء بين هذا الشعب وبين الرجل الذي ساقته الاقدار في هذه الحقبة الخطيرة من تاريخنا.. في اعتقادي وعلى ضوء تجربتي الحياتية الطويلة يستحيل أن يخطئ شعب باغلبيته الساحقة وتاريخنا الحديث مطرز بالايام المشهودة التي خرجت منها الملايين تعبر عن إرادة الجماهير وفي كل مرة كان الخروج يسقط مخططات الاعداء مخطط تلو الآخر ويتحطم على صخرة الوعي الذي يوقظ الجميع في لحظة ويمدهم بقوة يندهش لها العالم "(4)، ومن ثم فإن دور السيسي في انقاذ الدولة من إنهيار شبه محكم واحتراب أهلي لاحت نذره في الأفق السياسي أضفى عليه - كما يقول عبد الله السناوي - صورة البطل الشعبي(5) أو صورة الزعيم الذي يتمتع بكاريزما هائلة – وفقاً للدكتور محمد المهدي – لكنها الكاريزما التي قد تكون محركة للوعي الشعبي في اتجاه تحقيق أهداف قومية كبرى وقد تكون ساحرة لهذا الوعي فتخدره وتجعله يعيش في حلم لذيذ يفيق بعده على واقع مختلف وتلك هي معضلة الزعامة الكاريزمية " بحسب قوله(6).
بيد أنه وبعيداً عن أسطرة الزعامة فإن الرئيس المنتظر لن يكون رئيساً ما لم يقاوم بشدة تراث سابقيه أو لن يظل بطلاً شعبياً إذا كرر تجربة أي رئيس سابق - هكذا يقول الصحفي محمد صلاح- (7) ولن يكون ذلك ممكناً - وفقاً لعبد المنعم سعيد - "ما لم يقنع الشعب المصري بذلك وتلك هي القيادة والزعامة والرئاسة في المقام الأول، ولم تفلح ثلاث سنوات من الثورة والفورة سواء تلك التي أبهرت العالم أو تلك التي أصابته بحزن عميق في أن تغير من الدولة شيئاً ليس فقط بسبب الظروف الاستثنائية وإنما لأن فئات الشعب المختلفة أرادت المزيد من الانظمة السابقة"(8)، ولذلك فإن "مصر ليست بحاجة إلى رئيس كلاسيكي - على حد قول معتز بالله عبد الفتاح - وإنما هي بحاجة إلى مايسترو يقود مجموعة عمل تتضمن ممثلين مقنعين عن اطياف المجتمع ككل"(9)، وفي نفس الوقت لديه رصيد ورأسمال سياسي كبير يحميه - كما يقول جمال عبد الجواد - من القلق وضعف العزيمة إذا أنفق جزءاً من رأسماله السياسي في سبيل الإصلاح مراهناً على قدرته على تعويض خسارته المؤقتة عندما تبدأ ثمار الإصلاح في الظهور لا رئيس يسعى لبناء رصيده السياسي من قصر الرئاسة فيجد نفسه ضعيفاً أمام جماعات المصالح ويسهل ابتزازه وتقويض سلطاته بحملات الإعلام واحتجاجات الشوارع التي باتت القوى الإجتماعية والسياسية المصرية تمتلك فنونها الطيب منها والخبيث أيضاُ "، لذا فإن السيسي - وفقا لعبد الجواد - هو "المرشح الأنسب لرئاسة مصر في هذه المرحلة فالرجل قادم من الجيش والقوات المسلحة هي أكثر مؤسسات الدولة انضباطاً وتماسكاً وهي الخصائص التي تحتاجها باقي أجهزة الدولة في المرحلة الراهنة، فقد تدهور أداء أجهزة الدولة خلال العهود السابقة وإعادة الانضباط وترقية اداء جهاز الدولة هي أولوية ملحة فجهاز الدولة هي اداة الحاكم لتحقيق التنمية الاقتصادية وحل المشكلات الإجتماعية وبدون إصلاح الجهاز الحكومي لن يكون بإمكان أي حكومة تحقيق أي تنمية أو إصلاحات وهي مهمة ثقيلة لا يستطيعها سوى رئيس قوي بشعبيته وبالمؤسسة التي تسانده وهو ما يتوافر في السيسي أكثر من أي مرشح آخر"(10)، الذي هو مرشح "الضرورة" بتعبير الكاتب الاشهر محمد حسنين هيكل.
بل أن البعض ذهب أكثر من ذلك ليربط بين المخلص والدولة المصرية بصفة عامة فعلى سبيل المثال يقول مختار نوح القيادي السابق في جماعة الاخوان المسلمين " ليس لنا خياراً في تأييد السيسي أو عدم تأييده فهو مرشح الضرورة وعدم ترشح السيسي يعني ضياع مصر ولا يستطيع أحد من الشخصيات المطروحة الآن على الساحة السياسية مقاومة حالة الفوضى التي يحاول البعض فرضها علينا سوى السيسي.. أننا في معركة ضد الإرهاب وضد من يحاول جر البلاد إلى سوريا جديدة، وهي مرحلة تتطلب رجلاً قادراً على المواجهة ليس لها سوى السيسي"(11)، أما بقاءه في موقعه العسكري – كما يقول محمد صلاح - في ظل رئيس آخر سيبقى البلاد في حالة ارتباك إذ مهما سلم ذلك الرئيس الآخر بمكانة البطل في قلوب محبيه وشعبيته الجارفة وثقله وسط المؤسسة العسكرية التي هو قائدها فإن يده – أي الرئيس الآخر – ستظل مغلولة عن اتخاذ قرارات بعينها وسيخشى حتماً من ألا يتسجيب الناس له أحياناً أو أن ينسب كل انجاز يحققه في فترة ولايته إلى ذلك البطل البعيد من المقعد الرئاسي القريب من الناس "(12)، على حد وصفه.
وإزاء تلك المطالبات النخبوية والشعبوية في آن واحد للسيسي بلعب دور المخلص انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 27 يناير واصدر بيانا مما جاء فيه "لم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسي (تمت ترقيته إلى رتبة المشير في 1 فبراير) لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً، وقد قرر المجلس أن للفريق أول عبد الفتاح السيسي أن يتصرف وفق ضميره الوطني ويتحمل مسؤولية الواجب الذي نودي به خاصة وأن الحكم هو صوت جماهير الشعب في صناديق الإقتراع وأن المجلس في كل الأحوال يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هي الأمر المطاع والواجب النفاذ في كل الظروف"، وبعد ذلك بأيام وفي أعقاب قرار مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي خوض السباق خرج رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور عمرو موسى والمرشح الرئاسي السباق ليعلن بعد لقاء مع وزير الدفاع أن المشير عبد الفتاح السيسي قد حسم أمره وقرر الترشح وسيعلن ذلك بنفسه نهاية شهر فبراير، هذا بخلاف ما أثير من تصريح اثناء زيارة وزير الدفاع والخارجية نبيل فهمي إلى موسكو منسوب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيها مخاطباً السيسي "أعرف أنكم اتخذتم قرار الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر .. إنه قرار مسؤول جداً تولي مهمة من أجل الشعب المصري .. أتمنى لكم بأسمي وبأسم الشعب الروسي النجاح"، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية التي ردت عبر المتحدثة بأسم الخارجية ماري هارف "نحن لا ندعم مرشحاً واعتقد بكل صراحة أنه ليس من شأن الولايات المتحدة أو بوتين أن يقررا بشأن من سيحكم مصر .. القرار يعود للشعب المصري".
حمدين ينقذ السباق ويربك الجميع
من المؤكد أن حالة الجمود التي سيطرت على المشهد السياسي فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي والتي سببتها ظاهرة "البحث عن مخلص" لم تكسر إلا حين فاجأ المرشح الرئاسي السابق ومؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي أحد قادة جبهة الانقاذ الوطني الجميع بإعلان ترشحه للإنتخابات الرئاسية في 8 فبراير نزولاً على رغبة الشباب بعد حالة من التردد أوضحها قائلاً "لقد احترت كثيراً قبل أن أقرر خوض الإنتخابات الرئاسية المقبلة فكانت هناك حسابات تبعدني عن الترشح وأخرى تدفعني له وأعرف أن كثيرين سيرفضون قرار ترشحي ولكنني أنحزت إلى الشباب ورغبتهم الذين شاركوني ثوارتنا"، ثم أن قرار الرجل – الذي حل ثالثاً في الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية 2012 ( إجمالي 4 ملايين و820 الفا و273 صوتاً ) – تحول من قرار شخصي كما أعلن إلى قرار للتيار الشعبي حيث حصل على مباركة مجلس أمناء التيار الشعبي في آخر اجتماعاته بعد ذلك بأيام قليلة بأغلبية ساحقة بلغت 54 صوتاً مقابل رفض ثلاثة وامتناع اثنين طالبا بتأجيل التصويت، ومما جاء في بيان التيار الشعبي آنذاك أنه "إذ يعلن في 11 فبراير 2014 قراره النهائي والرسمي بترشيح حمدين صباحي لإنتخابات الرئاسة المقبلة في نفس اليوم الذي تحل فيه الذكرى الثالثة لتنحي مبارك الذي كان رأس النظام الذي ثار ضده الشعب في 25 يناير 2011 فإن التيار بذلك يواصل سعيه من أجل تحقيق أهداف الثورة ببناء نظام وطني ديمقراطي يقيم دولة الثورة التي تحقق أحلام المصريين في وطن العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني".
ولا شك أن قرار صباحي والتيار الشعبي بخوض السباق على المقعد الرئاسي قد أضفى ليس فقط مناخاً جديداً بل انقذ السباق والمشهد السياسي في مصر بعد 30 يونيو بصفة عامة ذلك أن حسم صباحي موقفه وإعلانه خوض السباق انقذ مصر من "مصيبة كبرى" على حد وصف رئيس الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي محمد أبو الغار الذي أكد أن القرار شجاعة كبيرة في ظل ما وصفه ايضا بـ "الغوغائية ونغمات التخوين" التي تعيش فيها مصر مشيراً إلى أن مصر كان من الممكن أن تقع في أزمة كبرى وخطورة شديدة في حالة عدم خوض مؤسس التيار الشعبي للمعترك الرئاسي حيث أن الأمر سوف يتحول إلى تزكية على المشير عبد الفتاح السيسي وهذا لا يضفي أي نوع من الديمقراطية على شرعية المرحلة الجديدة في مصر سواء في الداخل أو الخارج"، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قرار حمدين يفتح الباب لمنافسة مطلوبة بما يدعم الحياة السياسية التعددية ويحسن من شروط ومناخ المعركة الإنتخابية ويجدد كذلك حيوية المجال العام المنشغل بالأمن على حسابات السياسة بسبب الصدامات المتتالية مع جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من جماعات تفكيرية وإرهابية نشطت بشكل ملحوظ في أعقاب موجة 30 يونيو، فالرجل هو أحد الزعامات الناصرية في جيل أبناء جمال عبد الناصر وقد عبر عن ذلك منذ كان صبياً فترشح كناصري في انتخابات اتحاد الطلبة ثم مجلس الشعب من بعد ثم في الانتخابات الرئاسية 2012 (13)، ومعروف ما لعبد الناصر من زخم لا يزال واسعاً لدى قطاعات من الشعب المصري، ومن ثم قد يكون صباحي رقماً صعباً في المعادلة السياسية - كما يقول المتحدث بأسم التيار الشعبي أحمد عاطف – الذي يؤكد أن حمدين يمتلك شعبية جارفة باعتباره رمزا للنضال الثوري منذ السبعينات وحتى الآن".
ويمكن اعتبار أن صباحي - الذي أرجأ قراره بالترشح من قبل في محاولة منه لقراءة أكثر عمقاً لواقع شعبي بات ينتظر "مخلصا" له – بنى حساباته وقراءته لمعطيات هذا الواقع منطلقاً من قناعة مفادها أن دوره كسياسي وتاريخه الثوري والنضالي عليه أن يخوض منافسات سياسية لا أن يدير ظهره لها وذلك وسط مناخ شديد التعقيد والارتباك يجده صباحي منفذاً يدخل من خلاله إلى السباق معتمداً على شباب الثورة وشباب تياره الشعبي والتي تسببت فيها بعض أخطاء حكومة الدكتور حازم الببلاوي في إدارة المرحلة الإنتقالية، فضلاً عن أخطاء من قبل بعض القائمين في مؤسسات الحكم – بوعي أو دون وعي – باحداث شرخ بين ثورتي يناير ويونيو وحملات تشويه تسوقها بعض الأصوات والقنوات الإعلامية طالت ثورة 25 يناير وعدد من النشطاء والحركات الثورية إضافة إلى تصدر بعض رموز النظام الأسبق لحملات الترويج للمشير السيسي والتي تتواصل قبل إعلانه قراره الرسمي بخوض السباق والتي جعلت أيضاً قطاعات من الشباب تعزف عن المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية .. كل هذا شكل ما يمكن اعتباره تياراً ضاغطاً على صباحي يطالبه بالترشح.
وفي هذا الإطار يمكن فهم أن كافة أحاديث وكلمات صباحي في وسائل الإعلام المختلفة تصب في محاولة توظيف كل ما سبق لصالحه باعتباره "مرشح الثورة"، ورفض آخرون فكرة "مرشح ذي خلفية عسكرية"، فعلى الرغم من إدراكه لشعبية المشير السيسي إلا أنه يرى أن الحسابات المستقبلية قد تتغير اعتماداً كما يؤكد أن مصر تعيش حالة ثورية مستمرة من أجل تحقيق أهداف الثورة انطلاقاً من أن 25 يناير و 30 يونيو هما وجهان لعملة واحدة وبأنه كذلك ليس مستعداً للتفريط في برنامج الثورة كما أنه في الوقت ذاته ليس على استعداد لشق الصف الوطني لكن تلك الحالة الثورية تواجه - وفقاً لصباحي - عدوين أساسيين هما :-
الأول : الثروة والفساد الذي تفشى في عهد مبارك.
الثاني : جماعة الاخوان المسلمين التي استبدت وارادت أن تستأثر بمصر الثورة.
ومن ثم يرى صباحي أن بناء دولة مصرية ناجحة تحقق للمصرين أهدافهم لن يتم إلا من خلال ثلاثة محاور رئيسة هي :-
المحور الأول : تحقيق شراكة وطنية بين الشعب والقوات المسلحة وذلك انطلاقاً من أن القوات المسلحة كانت نصيرة للشعب في الموجتين الثوريتين 25 يناير و 30 يونيو ولذلك سارع صباحي بالتلويح إلى أنه سيعين منافسه المرشح المحتمل المشير عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع إذا فاز في الانتخابات الرئاسية مؤكداً أن الثورة لن تحقق أهدافها بدون الجيش كما أن الجيش لن يستطيع حكم البلاد بدون الثورة.
المحور الثاني : إنجاز برنامج الثورة سعياً لتحقيق أهدافها المتمثلة في العدالة الإجتماعية والديمقراطية وتحقيق الحريات والعدالة الإنتقالية والاستقلال الوطني، وهذا لن يتأتى كما يقول صباحي إلا برئيس مدني لا عسكري مشيراً إلى أن تجربة محمد مرسي أساءت لفكرة الرئيس المدني وشككت الشعب في هذا المعنى لكن أيضا انتخاب رئيس عسكري سيحرج الجيش في حال فشله في قيادة البلاد.
المحور الثالث : ضمان عدم عودة النظام السابق أو الأسبق بأن يتحمل شباب الثورة مسؤولية وعبء بناء الدولة الجديدة وذلك انطلاقاً من أنه وعلى مدى سنوات طويلة كان هناك فريق لا يستهان به من المصريين يرى أن مآساة مصر هي في أنها كانت محل للصراع الدائم بين الحزب الوطني ونظام مبارك من ناحية وجماعة الاخوان المسلمين من ناحية أخرى فقد ظل هؤلاء يتطلعون إلى البديل الثالث، ولهذا لم يكن غريباً أن يصوت للرجل الذي التفت حوله قطاعات عديدة من النخبة ذات ميول فكرية متباينة واعطته زخماً سياسياً كبيراً قبيل الاستحقاق السابق – كل الذين يرون أن مستقبل مصر يجب أن يكون بعيداً عن بقايا النظام السابق والأسبق لكنه لم يستطع حسم السباق والصمود في المنافسة إلى النهاية وكان هذا يعني أيضا أن الواقع لم ينضج بعد كي يفرض هذا البديل الثالث إرادته.
بيد أن ما يعنينا في هذا السياق هو أن قرار صباحي المفاجئ أربك حسابات العديد من القوى السياسية والثورية جعل البعض منها يعيد قراءة المشهد ويرجئ اتخاذ قراره النهائي فيما يتعلق بدعم أي من المرشحين كما القى بظلاله على مواقف بعض المرشحين المحتملين، ففي الوقت الذي أعلنت فيه حملة المرشح الرئاسي السابق الحقوقي خالد علي أنها كانت تخطط لبدء لقاءات مع القوى السياسية قبل إعلان خالد علي الترشح من أجل التوافق عليه إلا أن إعلان حمدين صباحي كما يقول طارق العوضي أحد أعضاء حملة خالد علي في 13 فبراير ترشحه لرئاسة الجمهورية أربك تحركات الحملة وأجل موضوع اللقاءات والمشاورات مع الأحزاب، وهو ما جعل الحملة تشير كذلك إلى "التزامها بقرارها السابق بأن يكون إعلان خالد علي لموقفه من الترشح في الاستحقاق الرئاسي القادم بعد اصدار القانون المنظم له وكذا قرار اللجنة العليا بتحديد الإجراءات وفتح باب الترشح مؤكدة أن مثل هذا القرار تحكمه العديد من الاعتبارات التي تستدعي عدم التعجل في إعلانه".
كما قالت الحملة ايضا في بيان لها إن "اجتماعاً كان مزمع عقده بين خالد علي وحمدين صباحي وهو من الاعتبارات الجوهرية التي كانت تتمسك بها الحملة في عملية اتخاذ القرار حتى يكون تعبيراً عن توافق حقيقي يدرك الواقع ويفتح الباب أمام تجربة جديدة قادرة على مجابهة التحديات التي تمر بها الثورة إلا أنها فوجئت بتأجيل الإجتماع دون تحديد موعد جديد ثم فوجئت بإعلان صباحي قرار ترشحه في الانتخابات في نفس اليوم الذي كان محددا للاجتماع"، على حد قولها، وهو ما ادى إلى حالة من التراشق بين الحملتين لم تتوقف إلا حين ادرك رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عبد الغفار شكر الأزمة وسارع بالاجتماع بشكل شخصي مع كل من حمدين صباحي وخالد علي في 20 فبراير ساعياً إلى محاولة احتوائها حتى لا تنقسم قوى الثورة على نفسها، وتم خلال الاجتماع الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين الحملتين للتنسيق وتداول الآراء والمعلومات حول الانتخابات الرئاسية ما يعني بقاء المرشح الرئاسي السابق مرشحاً محتملاً للرئاسة في ظل تأكيدات حملته أيضا أنها تجهز البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي حيث ستدخل عددا من التعديلات في مجالات التعليم والصحة والأمن في ضوء التطورات الأخيرة على البرنامج الانتخابي السابق وانها مستمرة في عقد اجتماعاتها في كافة المحافظات حتى تكون على استعداد تام في حال إعلان خالد علي الترشح والتحرك من أجل جمع التوكيلات المطلوبة.
ويعتمد خالد علي والذي حل سابعاً في الاستحقاق السابق ( باجمالي 134 الفا و56 صوتاً ) على كتل تصويتية تضم فئات من الطلاب والعمال كما أعلنت حركة 6 ابريل ايضا أنه في حال ترشح خالد علي فسيكون ممثلاً لثورة 25 يناير وموجتها 30 يونيو وليس حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي.
أما فيما يتعلق بمواقف القوى الثورية والسياسية فقد أحدث قرار صباحي انقساماً حاداً داخل حركة تمرد التي كانت شرارة الإطاحة بحكم جماعة الاخوان المسلمين حيث نشب خلاف حاد في الحركة بين اتجاهين: الأول ويقوده محمود بدر وايمان المهدي وهو الاتجاه الداعم للمشير عبد الفتاح السيسي، والثاني يقوده محمد عبد العزيز، وحسن شاهين، وخالد القاضي واعلن تأييده ومباركته صباحي وكان حاضراً لحظة إعلان الترشح، وفيما يخص جبهة الانقاذ الوطني - والتي قامت كرد فعل على قيام الرئيس السابق محمد مرسي باصدار الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2011 للدفاع عن مدنية الدولة والديمقراطية واتخاذ موقف موحد تجاه جماعة الاخوان وممارساتها في الحكم – فإنه على رغم من إعلان متحدثها الرسمي وحيد عبد المجيد في 11 فبراير أن الجبهة ستحدد موقفها عندما يعرض جميع المرشحين للرئاسة برامجهم الإنتخابية وستتخذ موقفها بناء على هذه البرامج وتحديد أي من البرامج يمكن أن يساعد البلاد بكل ما تواجهه من مشاكل وصعوبات"، إلا أن واقع الحال يؤكد استحالة أن تتخذ الجبهة موقفاً موحداً فيما يتعلق بمن ستدعم في السباق ذلك أن اعضاء في الجبهة أعلنوا صراحة أو ضمناً عبر تصريحات منفصلة تأييدهم للمشير عبد الفتاح السيسي فيما ينتظر البعض الآخر قراره بالترشح، بل أن أحزاب اليسار التي ينتمي إليها حمدين صباحي وتياره الشعبي وحزب الكرامة انقسمت فيما بينها حيث أعلن حزب التجمع في بيان يوم 16 فبراير موقفه النهائي بشأن دعم وتأييد السيسي وكذلك الحزب الناصري عبر تصريحات قياداته فيما أكد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي على لسان متحدثه الرسمي طلعت فهمي أن موقف الحزب الأولي هو ترحيب بترشيح حمدين مشيراً إلى أن هناك تيارا واسعاً داخل الحزب يؤيد ترشيح حمدين، في الوقت الذي يستحيل فيه على الأحزاب ذات الاتجاه الليبرالي مباركة حمدين جراء الاختلافات الايديولويجية في الرؤى والتصورات وهو الامر الذي ينسحب ايضا على الاحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
أبو الفتوح ينسحب وعنان يخوض وشفيق في الانتظار
وكما ألقى قرار صباحي المفاجئ بظلاله على مواقف القوى الثورية والسياسية وأحدث في الوقت نفسه ارباكاً في موقف المرشح المحتمل خالد علي فإنه كان حاضراً أيضاً فيما يبدو في قرار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ذي الاتجاه الإسلامي بعدم خوضه السباق وذلك في اليوم التالي لقرار صباحي ذلك أن أصوات المرشحين السابقين كانت متقاربة للغاية في استحقاق عام 2012 حيث كانت قطاعات واسعة من المصريين وخاصة القوى الثورية والحركات الشبابية ترى في كل منهما وجهاً جديداً وبديلاً ثالثاً بعيداً عن تلك الثنائية الصراعية التي ميزت الدولة المصرية في مرحلة ما قبل الربيع العربي الأمر الذي أحدث تفتيتاً في الأصوات بينهما أدى إلى عدم بلوغ أياً منهما نهاية السباق الرئاسي، وأرجع القيادي السابق في جماعة الاخوان المسلمين – والذي حل رابعاً في الاستحقاق الماضي ( باجمالي 4 ملايين و65 الفا و 239 صوتاً ) عدم ترشحه إلى ما أسماه عدم وجود مسار ديمقراطي في مصر ناعتاً ايها بـ "جمهورية الخوف"، وقال مبرراً موقفه في مؤتمر صحفي عقده في 9 فبراير "نحن لا نرضى لضمائرنا أن نشارك في عملية تدليس على الشعب أو خديعة له"، متسائلاً : هل يستطيع أي متابع أن يقول إن الانتخابات القادمة ليست محسومة لصالح المشير السيسي؟ ثم أشار أبو الفتوح في مقابلة مع رويترز في 12 فبراير إلى أن شعبية السيسي مصطنعة وأن المصريين تعرضوا لعملية غسيل مخ وسيفقدون صبرهم مرة أخرى إذا استمرت مصر على نهجها الحالي مطالباً في مقابلة أخرى مع جريدة السفير اللبنانية في 20 فبراير بإعادة تصحيح المسار والعودة إلى الطريق الديمقراطي بعد ما أسماه "انقلاب 3 يوليو" قائلاً: إما أن يصحح من في السلطة المسار أو تشهد مصر موجة ثورية جديدة".
وكان بيان أصدره حزب مصر القوية عقب إعلان أبو الفتوح رفضه خوض السباق، ومما جاء فيه "كان حزب مصر القوية – ولا يزال – مع المشاركة في أي عملية استدعاء منضبط للشعب المصري سواء كان ذلك في انتخابات أو استفتاءات وهو ما حدث في موقف الحزب من الاستفتاء على الدستور إلا أن السلطة القائمة أبت إلا أن تغلق كل الأبواب أمام كل مشاركة جادة وأبت إلا أن تسمع صدى صوتها وما يصاحبه من تصفيق وتضليل وتهليل للمؤيد واقصاء وتخوين وقمع المعارضين واشار الحزب كذلك في بيانه – على الرغم من أن آخر استطلاعات اجراها لقواعده بالمحافظات طالبت بخوض ابو الفتوح السباق بنسبة تجاوزت 60 بالمئة بين اعضائه – إلى أن الحزب سيستمر في تقييم المشهد السياسي وأجواء الحريات المصاحبة لعملية الإنتخابات والسعي مع القوى السياسية والشعبية للضغط عليها للالتزام بالمسار الديمقراطي".
ورغم مجمل التبريرات التي دفعت رئيس حزب مصر القوية إلى رفضه خوض السباق على المقعد الرئاسي هذه المرة إلا أن واقع الحال وحقيقة الأمر ربما تشير إلى غير ما ساقه وأعلنه ذلك أن الرجل ادرك أن فرص نجاحه ضئيلة للغاية بل أنه وبحسابات الواقع ومعطياته جراء مواقفه التي ربما عزلته عن باقي مكونات الحياة السياسية عقب موجة 30 يونيو تأكد أن اجمالي الأصوات التي حصل عيها في الاستحقاق الرئاسي الماضي وجعلت لديه ركيزة شعبية من الصعوبة بمكان الاحتفاظ بها وتحقيقها وربما أدرك أيضا أنه سيخسرها في النهاية خاصة بعد إعلان مؤسس التيار الشعبي بالترشح، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ثلاثة أسباب نرى أنها كانت وراء انسحاب ابو الفتوح من السباق وهي على النحو التالي:-
أولاً : أن الرجل – الذي خرج عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة والتي فاز بها مرشح جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي في مؤتمر صحفي ليعلن رفضه لها وعدم الاعتراف بها ومشككاً في نزاهتها وانه قد تم شراء الاصوات ومنع المندوبين من دخول اللجان الانتخابية اثناء عملية الفرز والقى بالمسؤولية في ذلك على المجلس العسكري – دائم التردد والتخبط مما يجعله في حالة من الارتباك العام التي تدفعه إلى رفض كل ما هو قائم والقاء المسؤولية على الآخر – اياً كان – وعدم نقد الذات وإلا لماذا تم تدارس الموقف بشأن المشاركة من عدمه ولماذا أجرى الحزب استطلاعات عديدة للرأي واجتماعات لتحديد موقف إذا كانت القضية محسومة منذ البداية بانها عبارة عن تدليس ومناخ قمعي لا يستقيم مع انتخابات ديمقراطية بحسب وصف أبو الفتوح.
ثانيا : أن الرجل الذي كان يقدم نفسه في الاستحقاق الرئاسي السابق على أنه مرشح توافقي مع كافة الأطياف السياسية والثورية والتي رغم ذلك لم يصل بها إلى سوى المرتبة الرابعة في السباق في حين كانت مؤشرات كثيرة تصب في مصلحته إلا أنه مع الوقت فقد هذه الصفة جراء ازدواجية المواقف وتناقضها في آن واحد بين الحين والآخر فالرجل الذي كان من أوائل الداعين إلى انتخابات رئاسية مبكرة خلال عام حكم الاخوان المسلمين ويعتبر أن 30 يونيو موجة ثورية لتصحيح مسار 25 يناير يرى أن 3 يوليو انقلاباً عسكرياً وأن تعجيل القوات المسلحة بعزل مرسي كانت نصيحة مسمومة قدمت للجيش وتتحمل وزرها جبهة الانقاذ الوطني، وذلك رغم حضوره أول الاجتماعات التي عقدت في اليوم التالي لعزل مرسي ثم أعلن انسحابه بعد ذلك ما ادى إلى انتهاء صفة التوافقية التي ترشح على اساسها على المقعد الرئاسي السابق وهو ما يعني خسارة قطاعات واسعة ممن كانوا اعطوه أصواتهم.
ثالثاً : إنه بالتوزاي مع التذبذب والتخبط في المواقف وانتفاء صفة التوافقية فإن قدرة ابو الفتوح على اجتذاب قواعد التيار الإسلامي باعتباره المرشح الاقرب في ظل غياب مرشح إسلامي باتت محل شك كبير ذلك أن الرجل تأكد من عدم دعم التيار السلفي هذه المرة وذلك بعد اشارات عديدة وواضحة خرجت صراحة من قبل رموز هذا التيار، ففي 26 يناير أكد ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية أنه "من الصعب للغاية أن ندعم أبو الفتوح هذه المرة" كما كشف ذلك ايضا المتحدث باسم الدعوة عبد المنعم الشحات في مقابلة اعلامية بقوله "تقدمنا بنصيحة لابو الفتوح والعوا بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة مؤكداً أن ابو الفتوح حالياً اصبح محسوباً على الاخوان وليس المرشح المناسب هذه المرة كما أنه ليس مدعوماً من حركة أو تيار قوي وأن موقفه من 30 يونيو كان متذبذباً، هذا بخلاف ما أكده ايضا حزب النور الذراع السياسية للدعوة برفضه خوض أبو الفتوح للسباق لأن المرحلة الحالية لا تتحمل مرشحاً إسلامياً.
ورغم تصريحات تخرج من رموز التيار السلفي وحزب النور تشير إلى أنه لم يتم حسم الموقف فيما يتعلق بدعم أي من المرشحين انتظارا حتى غلق باب الترشح فإن التصريحات ذاتها تحمل ترحيباً وربما دعماً ضمنياً للمشير عبد الفتاح السيسي فمثلاً يصف نائب رئيس الدعوة السلفية السيسي بأنه رجل يتمتع بالذكاء والكفاءة والقدرة على إدارة الدولة خلال الفترة المقبلة مؤكداً في الوقت ذاته أن الملايين من أبناء الشعب المصري تثق في قدرته على الخروج من الازمات التي تعاني منها الدولة طوال السنوات الماضية، كما يشير عضو مجلس شورى الدعوة سامح عبد الحميد في تصريحات له إلى ترحيب الدعوة بترشيح السيسي قائلاً : "ليس لدينا مانع من ترشح أي شخصية ذات خلفية عسكرية"، ولكن في ذات الوقت فإن هناك ايحاءات تخرج ايضا تشير إلى أن دعم التيار السلفي للسيسي مشروط ببعض الأمور منها توضيح موقفه من الاخوان بعد الفوز، والكشف عن حقيقة فض اعتصامي رابعة والنهضة، وكذلك الموقف من حملة من اسماهم عبد المنعم الشحات المنافقين التي تدعي تأييده لتحقيق مصالحها الخاصة، وهؤلاء هم الخطر الحقيقي على أسم السيسي كما يرى الكاتب القومي عبد الحليم قنديل "فهم يزيفون أسمه ورسمه ويريدون تحويل الرجل إلى مبارك معدل ويريدون تضليله لأنهم في حالة ثأرية مع الشعب وثورته ويلتفون كالأفاعي بحسب وصفه على رقبة الثورة ويلبسون لبوسها ويهتفون باسمها أحياناً على أمل العودة بالبلد إلى خطوط 24 يناير 2011"، على حد قوله.
أما فيما يتعلق بموقف الفريق سامي عنان رئيس هيئة الاركان السابق فقد أعلن في ديسمبر الماضي أثناء مشاركته في مؤتمر شعبي للقبائل العربية بمنطقة الساحل الشمالي عزمه الترشح للرئاسة معتمداً على دعم تلك القبائل، وفي 16 فبراير أصدر المكتب الاعلامي التابع له بياناً أكد فيه أن الفريق عنان قد حسم أمره وقرر أن يخوض السباق الرئاسي حتى لو ترشح وزير الدفاع المشير السيسي وذلك رغم ما ناله نائب رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة خلال الفترة الانتقالية التالية لثورة 25 يناير من هجوم عنيف وحملات تشويه وتجريح من قبل بعض الاصوات ومقدمي البرامج الإعلامية أقل ما توصف بالسخيفة، وذلك على خلفية تصريح منسوب لنائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي في 26 يناير عن أن جماعة الاخوان المسلمين ستدعم الفريق عنان في السباق الرئاسي ضد المشير السيسي، وكرره كذلك يوم 18 فبراير حينما قال إن الاخوان سيفضلون عنان لكن شعبية الاخوان اصبحت متدنية وغير مؤثرة بحسب قوله، وهو الأمر الذي كان قد وصفه الفريق عنان اثناء عزاء شقيقه في 16 فبراير بـ "الكلام الفارغ"، مؤكداً أنه سيمضي قدماً في طريق الترشح لرئاسة الجمهورية، وقد جاء النفي أيضا على لسان هشام كمال المتحدث باسم الجبهة السلفية أحد مكونات ما يسمى بـ "التحالف الوطني لدعم الشرعية" الداعم لجماعة الاخوان قائلاً " إن ما قيل عن دعم التحالف للفريق سامي عنان في انتخابات الرئاسة المقبلة هو مجرد شائعة ومحض كذب صريح الهدف منها محاولة الضغط على التحالف والإدعاء بأن التحالف متناقض يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر".
كما أن جل موقف جماعة الاخوان من السباق انصب على الهجوم العنيف على ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي حيث أصدرت الجماعة بيانا في اليوم التالي لاجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 28 يناير أكدت فيه أن قرار المجلس العسكري الذي قام بتفويض المشير السيسي بالترشح للرئاسة يؤكد أن ما حصل في 3 يوليو هو "انقلاب عسكري متكامل الأركان" وفقا لبيان الجماعة وقبل البيان بيوم صرح محمد السيسي احد قيادات حزب الحرية والعدالة أن قرار ترشيح وزير الدفاع للرئاسة بمثابة حرق له للمرة الثانية بعد عزل محمد مرسي مشيراً إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون بمثابة مراسم لتنصيب السيسي ولن تتضمن أي منافسة وأكد ايضا أن الجماعة لن تعترف به كرئيس وستبذل جهدها لاسقاطه وعزله بمجرد تنصيبه، بحسب قوله، ومن ثم إذا كانت النتيجة محسومة بالنسبة للسيسي في الاستحقاق المقبل وفقا لهذا المنظور الاخواني فلماذا تتجه الجماعة إلى دعم عنان خاصة وأن كافة المؤشرات تشير إلى ضعف فرصته في المنافسة.
فيما طالبت بعض القوى الإسلامية المتحالفة مع جماعة الاخوان المسلمين كالجماعة الإسلامية وذراعها السياسية حزب البناء والتنمية في 13 فبراير بتأجيل الإنتخابات الرئاسية وقال عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة في بيان نشرته جريدة المصري اليوم إن مصر حالياً لا تحتاج إلى إنتخابات رئاسية لكن تحتاج إلى مصالحة وطنية وحلاً سياسياً عادلاً يمنع تفاقم الأزمة التي وصفها بأنها تعصف بالوطن، في السياق ذاته يذهب تنظيم الجهاد وذراعه السياسية الحزب الإسلامي حيث يرى أن إجراء الانتخابات الرئاسية يزيد ما يسميه بالانقسامات مطالباً بإجراء استفتاء على خارطة الطريق التي وضعها المشير السيسي وترك الشعب يقرر مصيره لأن قرار الشعب هو أساس المصالحة على حد قول الأمين العام للحزب محمد أبو سمرة.
وعلى النقيض من ذلك أطلقت الجبهة الوسطية لمواجهة العنف والتطرف في 13 فبراير وهي الجبهة المكونة من قيادات جهادية سابقة كالشيخ ياسر سعد قائد الفنية العسكرية والشيخ أحمد راشد والشيخ خالد الزعفراني والشيخ صبرة القاسمي حملة "منقذ مصر" لدعم المشير السيسي رئيساً للجمهورية بطبع 4 ملايين بوستر تحمل صور السيسي بخلفية العلم المصري.
في هذا الإطار أيضا فإن الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق - والذي حل ثانياً في الاستحقاق الماضي ( بإجمالي 5 ملايين و 505 الفا و 327 صوتاً ) – فقد أعلن في غير مناسبة أنه سيترشح مجدداً للرئاسة إذا لم يترشح وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي وهو القرار الذي أرجعه كثيرون إلى إدراك آخر رئيس وزراء لمصر في عهد مبارك أن ما حققه في الاستحقاق السابق أصبح غير قابل للتكرار مع ترشح السيسي، لكنه في كل الأحوال يبقى مرشحاً محتملاً إضافة إلى كل من نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق الدكتور حامد طاهر الذي أعلن نيته الترشح للانتخابات، معتمدًا على كتيب انتخابي يحمل اسم "مصر من جديد"، وكذلك أحمد المختار وهو عسكري سابق أعلن ترشحه ببرنامج انتخابي يحمل شعار "إيدي بإيدك نتغير ونغير"، وأعلن ايضا الدكتور محمد محيي الدين، القيادي بحزب غد الثورة وعضو مجلس الشورى السابق أنه يعتزم الترشح لرئاسة الجمهورية.
"البحث عن مخلص" في مجتمع ما بعد الربيع العربي في مصر
على رغم أن المخيال أو المتخيل يتعالى على الواقع فإنه حاضر في الحياة بكل تفصيلاتها وفي كل لحظة من لحظات التواصل اليومي سواء مع الذات أو مع الآخر والعالم(14)، ذلك أن الإنسان دائماً وابدأ ما يفكر بالمخيال الإجتماعي الذي يعطي معنى ودلالة على تعدد صور وتجليات ذلك المعنى وتلك الدلالة فلا تكاد تخلو ممارسة إجتماعية أو سلوك اجتماعي من ذلك المخيال أو المتخيل، ورغم ذلك – لاسباب لا مجال للخوض فيها – فإن موضوع المخيال نفسه يبدو وكأنه مهمش ويقبع في دائرة اللا مفكر به(15)، بيد أن ما يعنينا في هذا الإطار هو أن ظاهرة "البحث عن مخلص" هي من الظواهر دائمة الحضور في مخيالنا أو متخيلنا المصري والعربي على السواء حتى ان البعض يصف الظاهرة قائلا "إننا كأمة مشغولة إلى حد يومنا هذا بالبحث عن القائد الملهم والمعلم والمنقذ من الضلال"(16)، ومن ثم يمكن القول إن ظاهرة "البحث عن مخلص" ليست وليدة مرحلة ما بعد الربيع العربي في مصر بقدر ما كانت تلك المرحلة بكل تطوراتها وتفصيلاتها كاشفة للظاهرة بكل أبعادها ذلك أن العقل الجمعي المصري ظل يبحث بحثاً دؤوباً عن "الأب الحام" أو "الزعيم الملهم"، أو "القائد القوي"، القادر على انتشاله من استبداد طال مداه، وفساد استشرى في كافة مؤسسات وهياكل الدولة والمجتمع فازدادت الطبقة الفقيرة فقراً، وتهمشت الطبقة الوسطى حتى كادت تتلاشى وتختفي دون أمل في الخلاص والنجاة من واقع مؤلم جثم عليه نظام مبارك لنحو ثلاثة عقود، ولعله صحيحاً أن هذه العقود الثلاثة شهدت استقراراً سياسياً لكنه ليس ذلك الاستقرار النابع من رسوخ التوازن في مسار السياسة العامة وفي صنع القرار الوطني بل الاستقرار المؤسس على تجميد السياسة نفسها كفعل خلاق وحركة مؤثرة ونشاط ايجابي واستبدالها بالإعمال المفرط للاجهزة الامنية والبيروقراطية العتيدة ما ادى إلى أن جل عناصر النخبة المصرية دخلت في فلك التبعية الآسر للنظام سواء من دخل منهم إلى أقنية السلطة بحثاً عن مكاسب شخصية حصلوا عليها فانشغلوا بها عما سواها أو رغبة في إصلاح لكن صوتهم الأكثر اخلاصاً ضاع وسط النفاق السلطوي والفساد السياسي أو حتى من بقي منهم في موقع المعارضة نفسها التي تم تجريفها وتنامت احباطتها بطول الوقت وتوالي القهر وتحول بعضهم إلى مجرد زبائن سياسيين للحزب الحاكم، ومن بقى منهم على حاله ظل أيضاً يبحث عن منقذ أو مخلص كعموم المصريين، ولذلك لم يكن غريباً أن تأتي ثورة 25 يناير 2011 من خارج إطار النظام السياسي بشقيه: الحكم والمعارضة عن طريق حركات شبابية بديلة عن نخب عاجزة ومتآكلة(17).
وإذا كانت الثورة في حقيقة الأمر تعني علاقة جديدة بمفهوم جديد، وتتأسس على لحظة فوران الوعي وتثويره من سباته وغفلته فإنها تعتمد على صعيدين متماسكين هما: صعيد النقد والتدمير، وصعيد البناء بأسم مبدأ جديد، هذا المبدأ يكون ثوريا عندما ينكر الوجود التقليدي القائم بما ينطوي عليه من نظم وقيم، ومن ثم فإن الثورة تبتدع لنفسها شعارات ومثل عليا جديدة تحاول تطبيقها في بيئة لا تزل تؤمن بغيرها، فنيشأ صراع القديم والجديد المراد تشييده وبناؤه، ونجاح ثورة ما أو فشلها هو بقدر ما تحتفظ بمحتواها أو تضييعه في الطريق، ولذا ينبغي عليها – أي الثورة – لتفادي الإبهام أن ترسم خطاً واضحاً حول موضوع التغيير حتى لا يبقى مجالاً للخلط أما إذا أسملت الأمور إلى الغموض والضباب فإن أي إنحراف سيكون متوقعاً وسوف تظل الثورة معرضة لأن تترك مكانها – دون أن تعلم – لشبه ثورة تستبدل الكيف بالكم وبالتغيير الجذري الضروري شبه التغيير، لذا فإنه عادة ما تشكل المراحل الإنتقالية في أعقاب الثورات فرصة تاريخية لمراجعة جذرية لكل ما هو قديم وكل ما هو قائم ومن ثم نقده وتدمير كل ما لم يعد صالحاً للإستمرار على كافة المستويات فكراً وعقلاً وممارسة وسياسات – وهكذا في كل منطعف تاريخ – وذلك من أجل بناء الجديد يما يلبي طموحات الثورة ويحقق لها نجاحاً واستمرارا في حركة التاريخ إلا أن ما أعقب الربيع العربي في مصر ربما لم يكشف سوى عن عمق الأزمة التي يعاني منها المجتمع المصري على كل الأصعدة حيث طغت على السطح بشكل لافت للانتباه كافة الأمراض والتناقضات التي تمزقنا وتكبلنا في آن واحد، ولم تستطع تيارات ما بعد الربيع العربي في مصر – وهي في مجملها إنتاج الماضي فكراً وممارسة – من التعاطي مع واقع يزداد بؤساً يبحث عن حلول لمشكلاته ومعضلاته الكبرى الأمرالذي أنتج أكثر من ظاهرة زادت من واقع الغموض لحاضر يعج بالفرقة والتناحر كان مكبوتاً ماضياً، ومستقبل مجهول أضحى لا يرى إلا مخلص منتظر أو منقذ للخلاص والفرار من الراهن التاريخي المعقد كما في المخيال أو المتخيل أو حنين إلى ماض بعيد أو قريب أملاً في استقرار مزعوم(18).
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إجمالاً إلى عدة ملاحظات كانت كلها تقود إلى النتيجة ذاتها وهي البحث عن مخلص منتظر.
وأول ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن هو أنه بعد أن بدت السياسة في مصر وكأنها في حال موت سريري في مرحلة ما قبل الربيع العربي فأنها فيما تلى ذلك لم ترق إلى مستوى انها مساومة وتأليف بين المتنافرات والمتضاربات ليس على صعيد المصالح فحسب بل أيضاً على صعيد المبادئ الفكرية والأخلاقية والقانونية، ذلك أن مفهوم السياسية رغم أنه خرج من ذلك الإطار الذي يقصر السياسة على أنها ما يقرره السياسيون إلا أنه توارى مرة اخرى خلف أمراض وتناقضات تيارات ما بعد الربيع العربي والتي لم تنجح في شئ سوى نقل أمراضها وتناقضاتها إلى الشارع والجماهير فزادتها انقساماً وتشرذماً حيث أدرات فيما بينها – بوعي أو دون وعي – معارك للسيطرة على "الوعي الجمعي" بتغييبه حيناً واستنزافه حيناً آخر أو تزييفه وتضليله في كل الأحول، ولذلك كانت ظاهرة الحشد والحشد المضاد هي السائدة واختفى مفهوم السياسة خلف مفهوم الثورة أيضاً وتوارى في أوقات ضاغطة وراء أشكال فوضوية عدة تلبست بمظاهر الحرية وادعت حق التعبير عنها فمورست السياسة في أغلب الأوقات من داخل الميادين تارة ومن داخل الغرف المغلقة تارة أخرى، ففي الميادين تعددت ائتلافات الثورة واتحادات الثوار تعدداً يستعصى على الحصر وجميعهم على صواب لأنهم مناضلون تم تعميدهم بنار الحرية المقدسة يذهب كل "ثائر" منهم إلى نهاية الشوط في طلب ما يريد ورفض ما يريده الآخرون لا يسمع أي من المختلفين سوى صوته فيما يصم الآذان عن صوت المحيطين، وهكذا صار الثوار يتصايحون ولا يتحاورون، يتجاورون داخل الميدان وخارجه لكنهم لا يتقاربون، وفي داخل الغرف المغلقة اندفعت النخبة وتياراتها إلى الرقص على هذا الإيقاع الذي يعلي من نزاعات الثأر والتهميش والإقصاء بدلاً من محاولة ترشيدها وقيادتها عبر حوار جاد ومسؤول(19)، حتى أنه يمكن القول إن مجتمع ما بعد الربيع العربي في مصر انطوى على ألوان من التناحر والتناقض التي تجمعت وتراكمت في هيئة فوضى أو كثوب ذي رقع شتى من احلام وافكار وايديولوجيات مختلفة لا تلتق وإن التقت فانها سرعان ما تنعقد وتنفك وتخلف ورائها سلسلة من التجارب المجهضة فتعود العناصر المتضاربة إلى حالتها الاولى أي يعود كل فريق يتشبث بمسلماته ويتترس بنظرياته مدعياً الحقيقة وحيازة المعرفة فتتكلس الرؤى وتتحجر المفاهيم والإفكار، ويذهب كل فريق فرحاً بما لديه يرفض الآخر ويروم نفيه أو اسكاته، ومن الطبيعي أن مجتمعاً كهذا يسوده هذا النوع من الفكر الأعمى يشكو صدع هائل لا يشق المجتمع نفسه فحسب بل