غزة حسن جبر
كانت الساعة تشير إلى حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من فجر الأربعاء الماضي حين سمع المواطنون في حي الزيتون شرق مدينة غزة دوي انفجار كبير داخل ساحة كنيسة اللاتين ومدرسة البطريركية اللاتينية.
بعد وقت قصير تبين ان الانفجار ناجم عن قنبلة محلية الصنع زرعها مجهولون أسفل الباص الخاص بالكنيسة وحاولوا اشعاله، وقبل ان يلوذ المعتدون بالفرار كتبوا شعارات عنصرية ضد المسيحيين تشير إلى ان العمل يأتي انتقاما للمذابح التي تجري في افريقيا الوسطى.
وبعد ساعات تداولت مصادر متعددة معلومات غير مؤكدة تقول ان من يقف خلف التفجير جماعة جديدة تطلق على نفسها اسم "داعش" من خلال بيان وزعته.
وما ان تم تداول اسم "داعش" التي تعني الدولة الاسلامية في العراق والشام وهي جماعة سلفية جهادية نشطت في العراق وسورية وتنسب لها افكار غريبة وعمليات قتل على الهوية، حتى ثارت الكثير من المخاوف وسط الناس والفصائل عن الخطر الذي تحمله هذه الجماعات.
فهل وصلت هذه الجماعة إلى غزة فعلا وبدأت نشاطاتها فيها وان الأيام القادمة ستحمل تأكيدات اخرى على وجود هذه الجماعة المتطرفة مما سيزيد من قتامة الصورة عن غزة ؟ ام ان القضية لا تعدو عن فبركات اعلامية لمجموعة هامشية لن يطول عمرها قبل ان يتم القضاء عليها واستيعابها من حركة حماس التي لا تقبل ان ينافسها احد في تزعم مشهد العمل السياسي الإسلامي؟
هذه الاستفسارات وغيرها حملتها الأيام وبدأت رحلة البحث عنها محاولة الوصول إلى اجوبة صحيحة عن وجود الجماعة وطبيعة دورها خاصة بعد ان بثت الجماعة شريطا مصورا اعلنت فيه عن نفسها وعن مبايعتها لتنظيم داعش الامر الذي سارعت "حماس" لنفيه والتقليل من شأنه.
ويظهر الشريط الذي بثته مواقع متعددة على الانترنت عشرة مقاتلين قالوا انهم من جماعة تحمل اسم “النصرة المقدسية للدولة الإسلامية”، معلنين ولاءهم لـ "داعش" ( الدولة الاسلامية في العراق والشام).
وحمل الملثمون اسلحة وقذائف صاروخية وظهروا في زي عسكري وهم يرفعون راية سوداء مكتوب عليها لا اله الا الله (راية التوحيد) التي عادة ما ترفعها الجماعات القريبة من القاعدة.
وخاطب المتحدث في الشريط الذي يتكلم اللغة العربية بفصاحة واضحة قادة دولة داعش قائلا ( إن لكم في أكناف بيت المقدس أسوداً وجيوشاً”) ورغم انه لم يتسن التأكد ان الشريط تم تصويره في غزة الا ان "حماس" سارعت إلى نفيه على لسان القيادي فيها الدكتور صلاح البردويل، الذي اكد خلو قطاع غزة من أية عناصر "متطرفة" ذات علاقة بتنظيم "القاعدة" أو ما يعرف بدولة العراق والشام الإسلامية المعروفة اختصارا بـ "داعش".
وقال البردويل في تصريحات صحافية: إن الحديث عن وجود مثل هذه الجماعات في غزة هدفه استعداء "حماس" والمقاومة وتشويهها مؤكدا أن "قطاع غزة منطقة صغيرة لا تتسع لنشأة جماعات متطرفة ذات علاقة بالقاعدة.
وقال: إن ما يتم تداوله بهذا الخصوص "قصص مفبركة هدفها إلصاق حماس والمقاومة بالقاعدة وبالتالي الإرهاب.
وبعد أيام من النفي الذي اصدرته حماس ظهرت في مجلس عزاء لاحد العائلات بمدينة غزة لافتة (نعي ومواساة ) باسم جماعة داعش وتم تداول صورة اللافتة على مواقع الانترنت.
" نعم ، جماعة داعش موجودة في قطاع غزة " بهذه العبارة اكد مصدر قريب من الجماعات السلفية وجود الجماعة التي تعمل بسرية كبيرة وتمتلك اسلحة متطورة.
واضاف: تشكلت الجماعة من اشخاص ينتمون إلى مجموعات وحالات عسكرية متعددة لكن اغلبها جاء من الجماعات السلفية الجهادية ولجان المقاومة الشعبية ومنهم من عاد إلى غزة بعد اشتراكه بالقتال في سورية التي يصلها مقاتلو غزة عن طريق تركيا مستغلين عدم معرفة الجهات الامنية المصرية أو التركية لهويتهم أو انتمائهم.
ويؤكد هذا المصدر ان المجموعة تفرض على عملها اجواء شديدة من السرية خوفا من ملاحقتها من حكومة حماس بغزة أو من قوات الاحتلال الاسرائيلي الامر الذي يفسر عدم وجود كثير من المعلومات حولها لذا باءت محاولات الوصول إلى احد افراد المجموعة في غزة بالفشل رغم ان البحث تركز في اوساط المجموعات السلفية.
ويستبعد الدكتور عدنان أبو عامر الخبير في شؤون الحركات الاسلامية وجود داعش في غزة لان البيئة الفلسطينية لا تستقبل مثل هذه الافكار.
وقال أبو عامر ان المجتمع الفلسطيني متدين بطبيعته وليس بحاجة إلى ان يتم فرض سلوكيات دينية معينه عليه وهو الذي ادركته "حماس" حين حاولت فرض بعض المسلكيات وتراجعت عنها تاركة للناس ممارسة حياتهم كما يريدون.
ورغم ان أبو عامر يسبعد وجود هذه المجموعات الا انه يشير إلى ان هذه التنظيمات الجهادية لا تمتلك تشكيلة هرمية عنقودية متعارف عليها مثل باقي الفصائل باعتبارها احدى تفريعات تنظيم القاعدة الذي ترتبط به بعلاقات فكرية وايديولوجية فقط بعيدا عن ارتباط تنظيمي مباشر مثلما جرى في بلاد متعددة.
وقال: اذا ثبت ظهور هذه المجموعات في غزة فان "حماس" ستتجه إلى ادارة حوار فكري ضدها بعيدا عن التعامل الامني لانها تعرف ان الحوار الفكري مع هذه التيارات اظهر نجاحا في السابق مع التيارات السلفية الجهادية.
بدوره، يعتقد الدكتور خالد صافي المختص بشؤون الحركات الاسلامية ان وجود "داعش" كجهات مرتبطة بفكر القاعدة ليس شيئا جديدا حيث سبق وان اعلنت جماعات اخرى عن ولائها للقاعدة رغم عدم وجود اطار تنظيمي موحد يجمعها.
ويتفق صافي مع أبو عامر بعدم وجود ارتباطات تنظيمية مع القاعدة لكنها ارتباطات فكرية من خلال "الانترنت".
ويؤكد صافي ان الفترة الأخيرة شهدت تراجعا في افكار فصائل منظمة التحرير مقابل صعود الفكر الإسلامي مما جعل غزة حاضنة دينية لاسلمة المجتمع.
وقال: هناك تنافس الان بين الجماعات التي تدعو إلى مزيد من الاسلمة ومحاولات فرض الافكار المتشددة لذلك نرى ان السلفية وداعش تحاول ان تنافس حماس في تطبيق الشريعة.
وتابع" ما نراه ان المجموعات السلفية غالبا ما تخرج من حماس باتجاه اكثر تطرفا في الدعوة إلى مزيد من الاسلمة وفرض مبادئ الشريعة كما تراها.


