دخل طبيب ذو حقوق ورجل عائلة يُقتدى به قبل عشرين سنة الى الحرم الابراهيمي وأطلق رشقات رصاص على المسلمين حينما كانوا في صلاتهم. وقتل في عمل الجنون ذاك 29 شخصا وجرح أكثر من 100. وأصابت الصدمة والحزن والعار الدولة في أحد الايام التي يفترض أن تكون أكثر ايام السنة فرحا، وهي أيام عيد المساخر.
ما زالت الصدمة تصاحبنا الى اليوم ويشهد على ذلك التناول العام للامر في الايام الاخيرة. إن بعضه في الحقيقة يجند مذبحة 1994 لتصفية حسابات سياسية في 2014 مع الاستيطان في يهودا والسامرة. ومع ذلك فان مشاعر الغضب والذنب صادقة. قال كثيرون في أنفسهم في ذلك الوقت إن باروخ غولدشتاين انتقم من سكان نفذ كثير من أبنائهم اعمال قتل أبغض وأفظع من هذه المذبحة، لكن هذا الفعل جد "غير يهودي". لأن "الأغيار" فقط قادرون على افعال من هذا القبيل. أفربما لا نكون مختلفين عن الأغيار في المبدأ؟ لم نكد نجتمع في بلدنا حتى برهنا على أن "بيت اسرائيل كسائر الأغيار".
كانت السنوات التي جاءت بعد المذبحة في الخليل فورا هي سنوات اوسلو. فقد فُجرت حافلات مع ركابها، وقُتل زوار المقاهي وزوار المراقص وذُبح الشيوخ وهم يقرأون صلوات عيد الفصح. وارتفعت الدعوات الى الانتقام من كل صوب. لكن فعل باروخ غولدشتاين لم يتكرر برغم أن الدم كان يغلي. ولم تسجل حتى في الحرب الرسمية، حرب الجيش الاسرائيلي للارهاب، افعال غير عادية. فبقي الجيش الاسرائيلي طاهرا فضلا عن اسرائيل المدنية.
إن الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة يدفع الى اليوم ثمن المذبحة وهو ثمن باهظ. فقد بدا من غد المذبحة الانفصال النفسي لاجزاء من الشعب عن مشروع الاستيطان. وكان الجمهور قلقا مدة سنوات من أن نفقد الاكثرية اليهودية في ارض اسرائيل بسبب الاستيطان. لكن أكثر اليهود أيدوا في المستوى الأساسي والغريزي والعقائدي معا، العودة الى ارض الآباء. لكن بعد المذبحة اقتنع جزء كبير من الجمهور بأن المجموعتين السكانيتين لا تستطيعان الاستمرار على العيش معا. ولما كان من غير الممكن طرد العرب لأن العالم لن يُمكن من ذلك فان السكان اليهود هم الذين يجب أن يدفعوا ثمن عدم القدرة هذا حتى لو كان الحديث عن اقتلاعهم من مناطق هي مهد الشعب.
يبدو أن هذه المشاعر الأساسية التي ترى أن اليهود والعرب غير قادرين على السكن معا، ما زالت قوية حية. ربما كانت تُنسى على مر الزمن لأنه لا يوجد لاستمرار نجاح الاستيطان برغم الكوارث التي اصابته (مذبحة غولدشتاين واحدة منها فقط) لا يوجد مثيل في التاريخ الحديث: فقد ضاعف الاستيطان نفسه منذ كانت المذبحة – وبرغمها – من 115 ألف نسمة في 1993 الى 365 ألف نسمة في 2013.
إن دودة الشك تقويها في السنوات الاخيرة ظاهرة "شارة الثمن" الخبيثة. فبرغم أن هذه الظاهرة يتم تضخيمها أكثر من كل تناسب فانها كافية لابعاد ارض اسرائيل عن قلب جزء كبير من الشعب (بل انها قادرة على جعلها بغيضة). فالكتابات الجدارية العنصرية والمثيرة للغضب، والاضرار بالعرب وبممتلكاتهم تكون قزما اذا قيست في الحقيقة بنار الجريمة المنظمة التي تشتعل في شوارع المدن، وباعمال العنف ومنها اعمال قتل وعدوان جنسي، التي ينفذها الشباب في الأحياء الفخمة – لكن شباب التلال فقط يجعلون حاييم غوري وأمثاله ييأسون من ارض اسرائيل. فهذا هو تأثير تراث باروخ غولدشتاين ومردوده.


