في بداية الخمسينيات قسمت غرفة الطعام في أحد الكيبوتسات الشهيرة في البلاد بين أعضاء حزبي "مبام" و "مباي". ودعي مسار الاطباق الذي قسم القارتين الايديولوجيتين في ذات الكيبوتس خط عرض 38. وهذا ليس مجرد رقم. هذا هو الخط الذي يفصل بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية. فاليسار الراديكالي الستاليني في ذاك الوقت أيد بل وتماثل بكل قلبه مع حرب الشيوعيين ومع مملكة الارهاب التي اقاموها في تلك السنين في كوريا الشمالية. وحظيت كوريا الشمالية في حينه بالاسناد من قوى الثورة الشيوعية الذين كانوا في زخم.
في البلاد وفي العالم اعتقد الناس بان هذه بداية حرب عالمية ثالثة. من الصعب التصديق ولكن الكيبوتسات تمزقت بسبب دولة سلالة الطغاة. أعرف، "لم نعرف" وما شابه. كما أن القرار السابقة الذي يذكر حتى اليوم في موضوع حرية الصحافة في اسرائيل يرتبط بالدفاع الايديولوجي عن مملكة الفظائع – آخر مخلفات الستالينية. وهذا هو قرار "صوت الشعب" الذي تجرأ على مهاجمة بن غوريون لانه انحاز لاحد طرفي الحرب: طرف الامبريالية الامريكية.
الاسبوع الماضي كان اسبوع الصدمة. فقد صدم الجميع من تقرير الامم المتحدة عن الفظائع في كوريا الشمالية. فـ 61 سنة يسود الشر في هذه الدولة، ولكن الان فقط الناس تستيقظ. ولكن النقطة التي يجدر الاشارة اليها ترتبط بما نسميه نحن "البكاء للاجيال". فقد أنقذت الامبريالية الامريكية المشهر بها في اعوام 1950 حتى 1953، التي هي سنوات الحرب، جزء من كوريا على الاقل. وهذا هو كوريا الجنوبية. وكي نفكر اليوم ماذا كان مصير ملايين مواطني الجنوب لو لم يقاتل الامريكيون باظافرهم على ذاك الخط العرضي الذي دافع عن سيئول. فبسبب القيادة الامريكية السيئة لم يكن مصير الكوريين الجنوبيين بعيدا عن مصير اخوانهم في الشمال. حالة كوريا الشمالية هي حالة واضحة للخير والشر وللوقفة السياسية الايديولوجية المعينة جدا الى جانب الشر. فضلا عن ذلك، فعلى مدى سنوات طويلة حظي الشر بحماية جماهيرية دولية. فعندما كان الاتحاد السوفييتي لا يزال يسيطر على اجزاء من القارات، عندما كانت الصين لا تزال متزمتة وكويا وباقي ثوار العالم الثالث كانوا على الموضة، كان اليسار الدولي مجند لدعم عالم الظلام هذا. دعم اليسار، بما في ذلك في اسرائيل، لعالم الثورة الشيوعية، يلقي بقسم من المسؤولية على ما كان يجري هنا عليه ايضا. والاسناد الذي ناله للطغاة الكوريون الشماليون عززهم عندما كانت في ذاك الوقت قوى وجهت جل جهودها الى المعركة ضد الولايات المتحدة، ضد الغرب الرأسمالي وبالطبع ضد الصهيونية ودولة اسرائيل.
واليوم يمكن ان نسأل: هل انقطعت السلسلة؟ الا توجد أي علاقة صغيرة، طفيفة، بين عالم النظريات الستالينية في الخمسينيات وبين القوى الايديولوجية التي تحشد النار ضد الصهيونية؟ هل يحتمل أن يكون خلفاء اولئك الذين سجدوا هنا لكيم ايل سونغ يحمون اليوم بشار الاسد، أبو مازن وآية الله خمينئي؟ لا أنهم يسجدون لهم. ولكنهم يساعدونهم من حيث أنهم يسمحون بتوجيه المقدرات السياسية والضميرية ضد اسرائيل. ثمة علاقة بين الفظائع التي تجري في العالم وبين الهستيريا التي يثيرها متصدرو الرأي العام ضد اسرائيل و "الاحتلال". ولكن الدرس الاساس من حرب كوريا البعيدة هو انه يوجد ثمن للاخفاقات العسكرية ولعدم التدخل العسكري. ثمن الفشل في 1953 هو المعاناة الفظيعة لسكان كوريا الشمالية الذين يستعبدهم نظام مجنون. فمن يعرف ما هو ثمن الفشل وعدم الفعل حيال ايران؟


