اجتمع في يوم الثلاثاء عند مدخل مخيم اللاجئين اليرموك عند أقصى الشارع الرئيس راما الذي دمره القصف والقنابل، اجتمع ممثلو منظمات فلسطينية وعصابات مسلحة سورية للتوقيع على اتفاق قد يسقط الحصار عن المخيم. فبحسب الانباء من سوريا وافق ممثلو العصابتين المسلحتين السنيتين المتطرفتين جبهة النصرة وكتائب إبن تيمية على الخروج من المخيم بسلاحهما واعادة السيطرة على المخيم الى المنظمات الفلسطينية.
وبعد اللقاء علقت الاعلام السورية على عدد من بيوت المخيم بل علقت صور بشار الاسد على اباجورات الحوانيت المهجورة. ويفترض أن تفحص لجنة من قبل ممثلي العصابتين المسلحتين عن الاضرار وعن سبل العمل لتطهير الشوارع من ألغام وشحنات ناسفة، ويمكن بعد ذلك فقط اذا لم يحدث تحول في اللحظة الاخيرة أن تُدخل الى المخيم المحاصر منذ ستة اشهر شحنات مرسلة من الغذاء والدواء.
إن مدينة حمص التي أُحرز في شأنها اتفاق على وقف اطلاق النار في اطار مؤتمر جنيف الثاني ما زالت محاصرة ونُقض وقف اطلاق النار بعد يوم واحد. وقد نجح بضع مئات من المواطنين في الخروج من المدينة لكن اكثر الرجال الذين خرجوا منها اعتقلتهم القوات السورية للتحقيق معهم. فلماذا أمكن في مخيم اللاجئين التوصل الى اتفاق في مقابل حمص، ولماذا تكون مناطق مختلفة اكثر هدوءا من غيرها؟ لا يكمن الجواب فقط في سياسة عامة للنظام السوري بل في منظومات علاقات محلية وتوازن قوى محلي أو اقليمي بين العصابات المسلحة المتمردة والجيش السوري، وبين العصابات المسلحة نفسها.
في مخيم اليرموك مثلا ينسبون الى خالد مشعل زعيم حماس النجاح في صوغ الاتفاق الذي أخرج المخيم خارج لعبة الحرب في سوريا. فقد جاء مشعل بحسب انباء في سوريا بضمانات ايرانية ألا يجتاح الجيش السوري المخيم مع خروج عصابات المتمردين وأنه لن يحدث سوء لأي متمرد يضع سلاحه. ما صلة مشعل وايران ولماذا يستجيب النظام السوري لمبادرة وساطة مشعل بعد أن قطع هذا علاقاته به واخرج قيادته من دمشق؟ يتبين أن الحرب في سوريا تنشيء احلافا صباح مساء كما تنشيء عداوات.
اضطر مشعل الذي يسكن في قطر تحت حراسة دائمة وقيود امنية الى طرق الابواب للاستمرار على الانفاق على منظمته في غزة وخارجها. ولا تسارع ايران الى التصالح مع مشعل لكنها تستعد للمرحلة التالية في سوريا وهي لا تريد أن تخسر مستمسكها الفلسطيني. إن حل الازمة في مخيم اليرموك يمكنها من ان تسجل لنفسها نقطة استحقاق في "الملف الفلسطيني" من غير ان تكون مدينة لمشعل في شيء. وأن تقضي في الوقت نفسه على بؤرة احتكاك لا داعي لها بين النظام السوري والدول الغربية.
توجد جبهة مختلفة في منطقة جبال القلمون التي تحاذي سوريا ولبنان وتنقل من خلالها المساعدة المددية الحيوية من لبنان الى العصابات المسلحة الاسلامية التي تملك قواعد فيها. وهذه هي المنطقة التي يبرز فيها نشاط حزب الله الى جانب القوات السورية ولا يمكن أن يتم فيها أية مصالحة خلافا لمخيم اليرموك. ولحزب الله ايضا "حساب خاص" مع نشطاء العصابات المسلحة في القلمون ولا سيما مدينة يبرود التي قصفها سلاح الجو السوري هذا الاسبوع قصفا قويا. فحزب الله يزعم أنه جاءت من يبرود التي تبعد 20 كم عن حدود لبنان السيارات المفخخة التي انفجرت في الاسابيع الاخيرة في الحي الجنوبي من بيروت حيث يوجد مركز سيطرة حزب الله.
إن حزب الله برغم خسائرة التي تقدر بنحو من 700 مقاتل لا ينوي الكف عن تدخله في سوريا وبين نائب نصر الله الشيخ نعيم القاسم هذا الاسبوع أن الحرب في سوريا هي حرب دفاع عن لبنان. وتبذل المنظمة الآن جهودا كبيرة لتجنيد محاربين آخرين يخرجون الى سوريا بل إنها نشرت منشورات واعلانات تدعو الشباب بها في جنوب لبنان وفي البقاع اللبناني الى دورات اعداد عسكري. بل تقول بعض الانباء إن المنظمة تجند بالقوة شبابا شيعة في المناطق الحدودية مع سوريا وترسلهم للقتال في سوريا.
وفي مقابل ذلك لا يبدو أن كل شيء على ما يرام بين حزب الله والجيش السوري. فقد قال مقاتل لحزب الله تحدث الى موقع "لبانون ديبيت" أنه تبين لمقاتلي المنظمة أن ضباطا سوريين لا ينقلون الى المنظمة معلومات دقيقة بل إنهم يبيعون العصابات المسلحة معلومات احيانا عن حركة القوات وعن موضع مقاتلي حزب الله. "لم نعد نستطيع الاعتماد على الضباط السوريين الذين يفترض أن نتعاون معهم"، قال ذلك الرجل من حزب الله واضاف يقول إن المنظمة بدأت تشتري هي نفسها معلومات استخبارية مقابل مال كثير بعد أن تبين لها أن ضباطا سوريين يتعاونون مع أناس من العصابات المسلحة وينقلون معا الى حزب الله معلومات مخطئة أفضت الى خسائر.
يبدو هنا ايضا أن العلاقات المحلية بين ناس حزب الله والضباط السوريين هي التي تحدد نتائج المعارك نصرا أو هزيمة دونما صلة بالسياسة العليا أو بالاتفاقات الاستراتيجية بين الادارة السورية والمنظمة. والذي لا يتضح الى الآن هو العلاقات التي تنشأ بين جنود حزب الله وجنود سوريين في الميادين المشتركة. إن بعض التقارير تقول إن "اناس حزب الله كاخوتنا فلنا ولهم اهداف مشتركة"، كما تم الاقتباس من كلام جنود سوريين في موقع لبناني في الشبكة. وفي مقابل ذلك يشكو مقاتلو حزب الله من ان سوريا حولت مقاتلي حزب الله الى لحم للمدافع في حين يكتفي الجيش السوري بقصف من الجو ولا يعرض جنوده للخطر.
إن الصورة العامة التي تتبدل طول الوقت في الميادين السورية المختلفة، وكثرة المنظمات العاملة فيها التي تبلغ نحوا من 1500 بحسب شهادة رئيس الاستخبارات الامريكية جيمس كلبر لا تجعل من الصعب فقط صوغ استراتيجية دولية للعمل في سوريا من جهة انسانية أو عسكرية. إن سوريا تعمل ايضا مثل آلة طرد مركزي ارهابية تصدر ارهابيين الى الدول العربية بل الى اوروبا. يعمل آلاف المتطوعين الاجانب (نحو من 7500 بحسب ما يقول كلبر) في سوريا يتعلمون فيها طرق قتال واستعمال سلاح وتركيب شحنات ناسفة. ومكوث الاجانب في سوريا مؤقت كما كان في افغانستان فهم يعودون بعد ذلك الى اوطانهم.
أُبلغ هذا الاسبوع في مصر ان 400 مصري على الاقل من آلاف انصار الاخوان المسلمين الذين سافروا لمساعدة المتمردين في سوريا عادوا الى مصر وهم مستعدون لبدء كفاح مسلح للسلطة الحاكمة. وأبلغت حكومة العراق مؤخرا أن مئات من رجال القاعدة الذين عملوا في العراق انتقلوا الى سوريا تحت راية "دولة الاسلام في العراق والشام"، وعادوا الآن الى العراق للمساعدة على الصراع مع الحكومة. وتحدث مواطنون بريطانيون في الشبكات الاجتماعية عن مشاركتهم في الحرب السورية، وأجرت الشرطة الانجليزية في يوم الاربعاء تفتيشا لبيت "أبو سليمان البريطاني" الذي يبدو أنه استعمل سيارة مفخخة بالقرب من سجن حلب قبل اسبوع.
إن نشاط هذه المنظمات المتطرفة يقلق المجتمع الدولي اكثر من ميادين المعركة داخل سوريا. وهي تخدم جيدا روسيا التي يتوقع أن تقدم الى مجلس الامن اقتراح قرار يتعلق بمكافحة الارهاب في سوريا، ويرمي هذا الاقتراح الى صد اقتراح القرار الامريكي – الاوروبي الذي يطلب فرض عقوبات على سوريا اذا صدت التزويد بالمساعدة الانسانية. إن المساعدة الانسانية وفتح معابر آمنة لنقلها هو الآن القاسم المشترك الوحيد الذي تتفق عليه القوى العظمى التي تخطط لمؤتمر جنيف الثالث. لكن حينما تهدد روسيا باستعمال الفيتو على القرار الذي يرمي الى اضطرار سوريا الى ضمان المساعدة، فانه يُشك في بقاء شيء يُتحدث فيه في المؤتمر التالي. يستطيع مواطنو سوريا الآن أن يتمنوا فقط أن ينشأ عن تسويات محلية وأحلاف ولو مؤقتة بين المنظمات والعصابات المسلحة بعيدا عن قاعات المؤتمرات والخطب العالية، أن ينشأ عنها اتفاق على توزيع الغذاء والدواء في الاحياء أو الشوارع كالذي حظي به سكان مخيم اللاجئين اليرموك باتفاق خاص بهم.


