يتبين أن جون كيري يتعلم بالطريقة القاسية المعوجة والمعقدة أن الصراع الدامي الذي عمره 150 سنة بحسب الرواية الاولى (اليهود في مواجهة العرب) أو الذي عمره آلاف السنين بحسب الرواية الثانية (الاسرائيليون في مواجهة الكنعانيين)، لا يُحل بضربة سيف الحمامة.
ولا يمكن كما ثبت مرات كثيرة في تاريخ البشر أن يفرض السلام على البشر. فالسلام لا يصنع بالقوة والحب لا ينسج في الدماغ.
جاء في سفر الملوك قوله: "وأعطى الرب سليمان حكمة... وصار سلام بين حيرام وسليمان وعقدا حلفا بينهما". فقد أدرك أحكم البشر ملك اليهود أن اتفاقات السلام يجب أن توقع فقط بعد أن يوجد سلام بين البشر المتنازعين.
كل من يحاول عقد اتفاق والبحث عن السلام بعد ذلك يقود شعبه الى الهاوية، فلن يكون سلام أبدا والعرب الفلسطينيون غير مستعدين للاعتراف بأن دولة اسرائيل دولة يهودية، وللكف عن التحريض والتنبه من حلم العودة الذي لا يمكن أن تتحقق أبدا ما بقي الاسرائيليون يرغبون في الحياة. إن المأساة الكبرى في منطقتنا هي أن الظلاميين بين جيراننا كانوا منذ سنوات كثيرة اكثر تصميما من أبناء النور، وهم لا يُمكنون من التقدم الى التسليم والسلام.
حينما تصدر عن وزير الخارجية الامريكي كيري اشارات يأس وعسر صنع سلام سريع في ولايته، يبيح حتى افيغدور ليبرمان لنفسه أن يخرج عن طوره وأن يطري تصميمه وشوقه الى السلام الآن إطراءً مفرطا، وحينما سيتبين أن وثيقة كيري هي في الحاصل مجموعة افكار ذات تحفظات، ووثيقة تعلق أمن اسرائيل بتقنية متقدمة وجيوش اجنبية، سيصعد حتى نفتالي بينيت ايضا الى المنصة في كنيسه ويتلو الصلاة القديمة تكريما للرئيس اوباما وجون كيري.
اليسار الاسرائيلي يلف نفسه كما كان دائما بجو كآبة ويبكي على فقدان آخر احتمال للسلام. إن تشاؤم اليسار صاحب يقظة اسرائيل منذ سنوات كثيرة، منذ ايام حلف السلام قبل انشاء الدولة. وأقترح على زعماء اليسار ألا يضيعوا اليأس لأنهم سيحتاجون اليه بعد ذلك. وحينما يندبون في اليسار ويبنون في اليمين فاننا نثق بمستقبل دولة اسرائيل لأجيال كثيرة من اليهود.
إن اكثرية ملحوظة من مواطني اسرائيل تدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اصراره العنيد الصحيح على حق اليهود في الأمن في وطنهم القديم فالقيادة تحتاج الى رؤية تاريخية تتجاوز الاشتغال الذي لا نهاية له بالأعباء اليومية لادارة دولة مركبة. إن تحقيق رؤيا بعثة شعب اسرائيل في ارضه أهم ألف مرة من كل محاولة لنيل رضا أمم العالم. لن يستغل أحد في العالم بعد الآن اليهود. وقد عدنا الى الوطن بعد ألفي سنة كي نمسك بيد محراث الحياة ولا نسلمه للغرباء ولا سيما الاتحاد الاوروبي الذي يثبت مرة بعد اخرى قصر نظره وكراهية اسرائيل عند صاغة نهجه.
إن العلامة الواضحة على نهاية دراما جون كيري هي العودة الى الجدل الساخن في شأن تجنيد أبناء المدارس الدينية، فحين يخف الضغط الخارجي عن اليهود يعودون فورا الى النزاع بين الاخوة. وربما حان الوقت لأن نصرف طاقة الخصام الى سبل الانتاج والبناء، فالسلام بين الاخوة يسبق السلام بين الأعداء.


