إن الفكرة التي تصاغ في واشنطن وهي أن يقدم الى الفلسطينيين واسرائيل وثيقة ثم يدعون لعرض تحفظاتهم عليها، هي خطأ شديد. فهذا رجوع كبير جدا عن الفكرة الاصلية وهي التوصل الى اتفاق دائم في غضون تسعة اشهر والتوصل بعد ذلك الى اتفاق اطار في المدة المحددة. صار الحديث الآن عن ورقة امريكية لن يوافق عليها الطرفان لكنها تُمكنهما من الاستمرار على التفاوض حتى نهاية 2014 للتوصل الى تسوية دائمة.
الحديث بادي الرأي عن تسوية منطقية: فالولايات المتحدة ستعرض خطوطا توجه التفاوض، والفلسطينيون سيتحفظون من بعضها لكن سيوافقون على ألا يتوجهوا في سنة 2014 ايضا الى مجلس الامن لتُقبل دولتهم عضوا كاملا (وهي محاولة ستفشلها الولايات المتحدة على كل حال)، وألا يتجهوا الى محكمة الجنايات الدولية بشكاوى على جهات اسرائيلية؛ وتسعد اسرائيل لاطالة مدة المحادثات وتعض على شفتيها بسبب نقاط لا تقبلها.
لكن قائمة طويلة من التحفظات ستجعل كل معنى للوثيقة عقيما كما حدث لمخطط كلينتون في 2000 وخريطة طريقة بوش في 2003. فاما أن يتم الاتفاق على أن "يكتب الطرفان أمامهما" تفاصيل الوثيقة الامريكية ويعلنا أنهما يقبلان روحها وسيبذلان جهدا للتوصل في اثناء التفاوض في شؤون ما، الى اتفاقات تختلف عن تلك التي يقترحها كيري، وإما أن يعود وزير الخارجية الامريكي الى طاولة التخطيط ويحاول التوصل الى صيغ لا تستتبع سلسلة طويلة من التحفظات.
إن قوائم مفصلة من التحفظات الرسمية ستجعل من الصعب التوصل الى تنازلات وقد تفضي الى تفجير المرحلة التالية من التفاوض.
ربما يخشى كيري عدم الوفاء بالمدة التي حددها لنفسه لأنه اذا كان الأجل المسمى نهاية آذار فانه يمكن أن نقول الآن إنه لم يثبت لأجل مسمى آخرحدده لنفسه وهو كانون الثاني 2014 لعرض الوثيقة الامريكية لأنه لا توجد الى الآن وثيقة تُمكن من موافقة فلسطينية على اطالة اخرى للتفاوض، يمكن أن تحيا معها حكومة نتنياهو. ولا يجب أن يكون البديل عن ذلك تصالحا على منزلة الورقة الامريكية بل يجب أن يكون جهدا آخر في الاسابيع القريبة للتوصل الى ورقة لا توجد تحفظات عليها.
كشف في الاشهر الاخيرة عن اتفاقات غير قليلة، فقد اتفق أن تنشأ بعد انتهاء التفاوض دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. ومن الواضح أن حدودها ستكون "الخط الاخضر"، لكنه سيمكن تبادل اراض عن جانبيه، ومن الواضح أن الدولة الفلسطينية ستكون غير مسلحة، واتفق على وجود جيش غير فلسطيني فيها، ومن الواضح أن تسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ستتم كلها أو أكثرها في الدولة الفلسطينية الجديدة مع دفع تعويضات. ومن الواضح أن القدس عاصمة اسرائيل التي توحد بين غرب المدينة والاحياء الاسرائيلية التي بنيت في شرقها سيعترف بها العالم لاول مرة وستنشأ الى جانبها عاصمة فلسطينية تسمى القدس. فلماذا لا يخصص لذلك وقت آخر ويؤتى الطرفان بوثيقة امريكية لا يتحفظان منها وإن لم يوقعا عليها؟.


