الناصرة ـ في كتابه الجديد (1948 ـ تاريخ الحرب العربية الإسرائيليّة الأولى) يكشف المؤرخ الإسرائيليّ بيني موريس من خلال بحث وُصف بأنّه واسع النطاق، عن وثائق تؤكد على أنّ مندوبين في الأمم المتحدة حصلوا على رشاوى من أجل التصويت إلى جانب قرار التقسيم في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 1947.
ويُحاول المؤرخ أنْ يجعل الصراع العربيّ-الإسرائيليّ صراعًا دينيًا، حيث يدعي أنّ ما أعتُبر حتى الآن أنّه صراع جغرافي بين مجموعتين قوميتين،هو صراع سياسي ذو طابع عسكري، يجب أنْ ينظر إليه على أنّه حرب جهاد.
ويجيب موريس، الذي قال لصحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ العبريّة إنّ الحرب (عام 1948) كانت ذات طابع دينيّ، بالنسبة للعرب على الأقل، وأنّ العنصر المركزيّ فيها هو دافع الجهاد، إلى جانب دوافع أخرى سياسية وغيرها.
وبحسبه فإنّ الأهّم بالنسبة للعرب هو عنصر الكفار الذين سيطروا على أرض إسلاميّة مقدسة، ويجب اقتلاعهم منها، وأن الغالبية الساحقة في العالم العربي رأت في الحرب حربا مقدسة أولاً.
ويستند موريس في ادعائه هذا إلى وثيقة بريطانية بشأن فتوى لعلماء الأزهر، والتي تتضمن، بحسبه، الدعوة إلى الجهاد العالميّ، موجهة لكل مسلم، بالتجند إلى الحرب المقدسة، وإعادة فلسطين إلى حضن الإسلام وإبادة الصهيونية. وتابع أنّه يجد صعوبة في عدم انتباه المؤرخين لذلك، وفي الوقت نفسه يفترض أنّه ربّما يكون قد أولى هذه الوثيقة أهمية أكبر ما تستحق، خاصة وأننا نعيش في عصر يوجد فيه الجهاد على الطاولة، هذا صراع بين عالم ظلامي إسلاميّ وعالم متنور، وأنا أعتقد أنّه في العام 48 كانت جولة الجهاد الأولى في العصر الحديث.
واستنادًا إلى نظريته تلك، يصل إلى نتيجة مفادها أنّ الحديث هو عن أمور مطلقة، بمعنى أنها لا تحتمل الصلح، مضيفا، على سبيل المثال أنّه لن يكون هناك صلح بين حماس وإسرائيل، قد تحصل تسويات تكتيكية، ولكنها ليست أساسية، فهم لن يتقبلونا، لأنّ الأرض بالنسبة لهم إسلامية، وإن الله أمرهم بتدميرنا، وهذا ما يتوجب عليهم فعله، وزاد أنّه في العام 48 كان الفهم الإسرائيليّ التلقائيّ بأنّ جميع العرب قرويون سذج لا يفقهون شيئًا، وهذا غباء، مثلما حصل في العام 2006 عندما صوتوا لحركة حماس، عندها قال الإسرائيليون إنّ السبب يعود إلى قيام حماس بتوزيع الهدايا والحليب مجانًا، ولكن هذا خطأ أيضًا، فهم يعرفون لمن هم يصوتون، مثلما كان يعرف العرب في العام 48.. الدين بالنسبة لهم مهم جدًا، وكذلك إبادة الصهيونية. وردًا على سؤال حول اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، قال إنّ هناك سلامًا باردًا، العالم العربيّ لم يتعايش مع هذا السلام، ولا مع وجود إسرائيل، والعنصر الديني في الصراع يتصاعد مع مرور السنوات، وهو قائم أيضًا لدى جماهير واسعة من الجانب اليهودي. ولا يغفل موريس التأكيد على أنّ ما يسميها بــ’حرب الإستقلال’ هي حرب وجود ودفاع عادلة. وبحسبه فإنّ الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون عام 48 تفوق تلك التي ارتكبت في حروب أخرى.
ويقول: كان هناك كثيرون ممن تركوا غرائزهم تتحكم بهم، بعضهم جاء من معسكرات الإبادة في أوروبا مصابين بعدواها، وسعوا للإنتقام من الأغيار، بعضهم حارب سنة كاملة لأنّ العرب أجبروهم على القتال، بعضهم أراد الانتقام لمقتل أصدقاء لهم، لكلّ شعب هناك نقاط سوداء في تاريخه، والأعمال الظلامية التي وقعت في هذه الحرب هي نقطة سوداء في تاريخنا يجب استخلاص العبر منها.
وردًا على سؤال بشأن تخصيص الكاتب جزءًا واسعًا من الكتاب لمجزرة دير ياسين، ردّ أنّه بالنسبة لليهود فإنّ أهّم ما حصل في دير ياسين هو أنها كانت المسرعّة لهروب العرب من البلاد.
ويضيف أنّ العرب تحدثوا عن دير ياسين في البث الإذاعيّ وجرى تضخيم المجزرة التي وقعت، ما دفع سكان حيفا ويافا إلى الإعتقاد بأن (الايتسيل) قادمون لارتكاب مجزرة مماثلة. ويضيف أنّ دير ياسين لم تكن المجزرة الوحيدة، حيث وقعت أعمال قتل كثيرة، مثل اللد حيث قتل 250 شخصا غالبيتهم لم يكونوا مقاتلين، وقتلوا أسرى في داخل المسجد.
ويختتم الكتاب بقوله: كان هناك انتصار في العام 48، ولكن ذلك لا يضمن بقاء دولة إسرائيل. فقيام الدولة في العام 48 أثار ردود فعل رافضة في وسط العرب وغريزة شديدة للإنتقام. العالم العربي يرفض تقبل وجودنا. وحتى لو تمّ التوقيع على اتفاقيات سلام، فإنّ رجل الشارع والمثقف والجندي يرفضون الإعتراف بإسرائيل، وإذا لم يكن هناك حل سلمي بين الشعبين، فإن النهاية ستكون مأساوية لواحد منهما.
ويخلص في نهاية المقابلة إلى القول إنّه من الصعب أنْ تكون لديه أسباب للتفاؤل بشأن احتمالات إسرائيل، حيث أنّ العالم العربي، وبمساندة العالم الإسلاميّ، يزداد قوة ومن الممكن أنْ يكون لديهم سلاح نوويّ، كما أنّه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى احتمال التوصل إلى تسوية في السنوات الخمسين القادمة، وحتى يحصل ذلك يجب إضعاف العالم العربي، الأمر الذي لن يحصل إلا بعد نضوب النفط، والذي لن يكون قبل 50 ـ 100 عام.


