خبر : الربيع العربي وانعكاساته على الدبلوماسية العربية.الأسباب والمبررات.بقلم: د.عبدالحكيم سليمان وادي

الثلاثاء 04 فبراير 2014 07:31 م / بتوقيت القدس +2GMT





رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية.

مقدمة:

منذ بداية 2011 شهدت المنطقة العربية ما لم تشهده طيلة عقود،فبعد أن ظل العالم العربي خارج موجات التغيير والتحول الديمقراطي المتتابعة مما دفع البعض إلى الحديث عن وجود استثناء عربي في هذا المجال،فإن الثورات التي شهدها العالم العربي فاجأت الكثيرين في الداخل والخارج وستدخل في التاريخ العربي كسنة استثنائية و تأسيسية بدءا بالثورة التونسية مرورا بمصر في يناير2011 وليبيا واليمن في فبرايرو سوريا في مارس من العام نفسه، امتدادا إلى الأحداث التي شهدتها كل من البحرين وسلطنة عمان،فضلا عن الاحتجاجات التي عمت بقية البلدان العربية، فشرارة الربيع العربي انتشرت عربيا بسرعة البرق بحيث لم تستثني أحدا من الدول العربية وان اختلفت قوة أو ضعف هذه الاحتجاجات الشعبية ضد النظم السلطوية من دولة لأخرى بما فيها دول الخليج العربي التي تمتلك سلاح النفط والوضع الاقتصادي المزدهر

وما يعطي أهمية لهذه الثورات أنها على عكس حالات التغيير السياسي في الماضي،فهي ليست موجهة ضد عدو أجنبي، وإنما عدو داخلي ومطالبها تتعدى الدعوة إلى تلبية الحاجات المادية للمواطنين إلى قضايا غير مادية كالكرامة ومحاربة الفساد و الحريات السياسية وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإنهاء مفهوم الفرد الحاكم الوحيد مثل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي والتأكيد على ضرورة فرض سلطة الشعب عبر صناديق الاقتراع والانتخابات الديمقراطية لذلك تم رفع شعار إسقاط النظام في اغلب الدول رغم اختلاف أسماء ساحات الاحتجاجات" ميدان التحرير أو اللؤلؤة أو شارع بورقيبة أو ساحة التغيي" فالهدف ظل واحدا وهو إسقاط الأنظمة الديكتاتورية العربية سواء كان ذلك عن طريق إسقاط شامل للنظام أو تغيير جزئي عبر إدخال بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية عليه

هذه الدوامة التي اصبح يعيش فيها العالم العربي أصبحت بمثابة قناة تواصل وتفاعل بين الدول والانظمة العربية،فالشعوب العربية متداخلة ومتواصلة وتتأثر ببعضها، وخير دليل على ذلك انطلاق شرارة الثورة في تونس ثم مصر ودول عربية أخرى،لذلك فالدول العربية جندت دبلوماسيتها وحملت على عاتقها مسؤولية مواجهة هذه الازمة

أهمية الموضوع:

مما لاشك فيه أن ثورات الربيع العربى قد جلبت إلى جوار أحداثها الشعبية المتلاحقة إهتماماً أكاديمياً واسع النطاق، نظراً لحداثة الظاهرة الثورية فى شكلها الذى تبدى لنا مؤخراً عما ترسخ فى أذهان الكثيرين من أن الشعوب العربية هى شعوب خاضعة لحكامها الديكتاتورين ولكن هذه النظرة قد تبددت مؤخراً من خلال هذه الثورات لتخلق مجالاً خصباً يستطيع الأكاديميون من خلاله النظر بالفحص والتمحيص إلى العوامل التى أدت إلى إحداث تغير جذري فى عقلية المواطن العربى والتى دفعته إلى القيام بأحداث ووقائع لم يكن يتخيلها أو يتنبأ بها أكثر المتفائلين،وبما أن الدبلوماسية العربية هى المسؤولة عن إيجاد الحلول الكفيلة للخروج من أزمة الثورات العربية ، كان لزاماً علينا التعرض لدور الدبلوماسية العربية وموقفها مما يجري في الساحة العربية من احتجاجات وثورات شعبية، شكلت تغيراً فى داخل كل دولة من دول الربيع العربى بإعادة النظر فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم

من هنا يمكننا طرح الإشكالية التالية:

إلى أي مدى كان تفاعل الدبلوماسية العربية مع أحداث الربيع العربي؟ والي اي مدى انعكس هذا الأخير على الأداء الدبلوماسي العربي؟

وبالاعتماد على المنهج الوصفي، المنهج التحليلي، المنهج القانوني، سنقوم بمقاربة الإشكالية المطروحة انطلاقا من التصميم التالي:

المبحث الأول : الدبلوماسية العربية وتعاملها مع الربيع العربي

المطلب الأول : السياق العام للربيع العربي

الفقرة الاولى : الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية

الفقرة الثانية : محركات التغيير في العالم العربي

المطلب الثاني : تعاطي الدبلوماسية العربية مع الربيع العربي

موقف الدبلوماسية العربية تجاه الاحتجاجات العربية الفقرة الاولى :

الفقرة الثانية : العوامل المؤثرة في موقف الدبلوماسية العربية

_ العوامل الداخلية

_ العوامل الاقليمية

_ العوامل الدولية

المبحث الثاني : تاثيرات "الربيع العربي" على الدبلوماسية العربية

المطلب الأول : تداعيات على مستوى الدبلوماسية العربية الثنائية

المطلب الثاني : تداعيات على مستوى الدبلوماسية العربية متعددة الاطراف

المبحث الأول : الإطار العام للربيع العربي و الدبلوماسية العربية

المطلب الأول : السياق العام للربيع العربي

الفقرة الأولى : الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية

الثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي في الإعلام، هي حركة احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، بدأت الثورات في تونس عندما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، وعدم تمكنه من تأمين قوت عائلته، فاندلعت بذلك الثورة التونسية، وانتهت في 14 يناير عندما غادر زين العابدين بن علي البلاد إلى مدينة جدة في السعودية، واستلم من بعده السلطة محمد الغنوشي الوزير الأول السابق، وبعدها بتسعة أيام، اندلعت ثورة 25 يناير المصرية تليها بأيام الثورة اليمنية، وفي 11 فبراير التالي أعلن محمد حسني مبارك تنحيه عن السلطة، ثم سُجن وحوكم بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة. وإثر نجاح الثورتين التونسية والمصرية بإسقاط نظامين بدأت الاحتجاجات السلميَّة المُطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية بل وأحياناً إسقاط الأنظمة بالانتشار سريعاً في أنحاء الوطن العربي الأخرى، فبلغت الأردن والبحرين والجزائر والسعودية والسودان والعراق وعُمان وفلسطين والكويت ولبنان ووموريتانيا

في 17 فبراير اندلعت الثورة الليبية، التي سُرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة، وبعد صراع طويل تمكن الثوار من السيطرة على العاصمة في أواخر شهر أغسطس عام 2011، قبل مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر خلال معركة سرت، وبعدها تسلّم السلطة في البلاد المجلس الوطني الانتقالي. وقد أدت إلى مقتل أكثر من خمسين ألف شخص، وبذلك فإنها كانت أكثر الثورات دموية. وبعد بدء الثورة الليبية بشهر تقريباً، اندلعت حركة احتجاجات سلمية واسعة النطاق في سوريا في 15 مارس، وأدت إلى رفع حالة الطوارئ السارية منذ 48 عاماً وإجراء تعديلات على الدستور، كما أنها أوقعت أكثر من ثمانية آلاف قتيل ودفعت المجتمع الدولي إلى مُطالبة الرئيس الحالي بشار الأسد بالتنحي عن السلطة. وفي أواخر شهر فبراير عام 2012 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تنحيه عن السلطة التزاماً ببنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، التي كان قد وقع عليها قبل بضعة شهور عقبَ الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد لعام كامل

المغرب ايضا لم يسلم من هذه الاحتجاجات بقيادة حركة 20 فبراير التي حققت ما لم تحققه كل الهيأة والأحزاب المنظمة في المغرب، والدليل أنها استقطبت أو شجعت كل الفئات المظلومة إلى المطالبة بحقوقها وهو ما تجسد في الإضراب الذي أقدم عليه الأساتذة الموجزون والدكاترة وكذا المعطلون الموجزون. حيث استغلوا الحراك الاجتماعي جميعا من أجل رفع سقف مطالبهم المشروعة، وخلاصة المطالب: ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، استقلال القضاء، ومحاسبة المفسدين وناهبي المال العام

و بعد سلسلة المظاهرات والمسيرات، أعلن الملك محمد السادس مشروع الدستور الجديد للمملكة الذي عرض على الشعب من اجل الاستفتاء وقال الملك في خطاب وجهه إلى المغاربة أن الدستور الجديد ارتكز على سبع نقاط أساسية، من بينها تعزيز فصل السلطات، والإبقاء على الثوابت الخاصة بالدين الإسلامي، وعلى إمارة المؤمنين، وأنه سيعطي مكانة للأمازيغية, وتكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان

ولازالت حركة 20 فبراير ترفرف في سماء المغرب من أجل إصلاحات عميقة قد تغير سياسة المغرب إلى الأفضل او الاسوا

وقد صنفت دراسة أنجزتها المجلة البريطانية العريقة ذي إكونوميست المغرب ضمن قائمة الدول المصنفة في خانة ” خطر مرتفع” وهي الخانة ما قبل الاخيرة ضمن حمس درجات، إذ قد يشهد خطر الانتفاضات والاضطرابات الاجتماعية. ويوجد في الخانة نفسها ”خطر مرتفع” جارا المغربالجزائر وإسبانيا. وبينما رأت الدراسة ان اسباب الاضطرابات خصوصا في العالم العربي التي منها المغرب هي اسباب سياسية، ترى في المقابل أن أسباب اقتصادية ستكون وراء الاضطرابات في الدول الأوروبية

وقدمت ذي اكونوميست تحليلا للاوضاع في 150بلدا في العالم، وقيمت من خلال دراستها تلك نسب احتمال اندلاع اضطرابات وانتفاضات واحتجاجات اجتماعية تهدد استقرار كل بلد خلال 2014 ، وانتهت إلى تصنيف 150 الى خمس مجموعات أو خانات وفق دراسة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتحمل الدراسة ” تكهنات حول الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية خلال 2014 "

وجاء المغرب حسب تصنيف ذي اكونوميست في الخانة ما قبل الاخيرة وهي الخانة المجدولة ضمن صنف” خطر عال ” التي تشير إلى احتمال اندلاع احتجاجات واضطرابات اجتماعية خلال العام 2014، بنسبة مرتفعة. ومن بين الدول الاخرى التي صنفتها المجلة البريطانية في ذات الخانة ” خطر مرتفع ” دول مثل الجزائر وإسبانية

وتوجد في الخانة الاخيرة المصنفة ضمن درجة “خطر مرتفع للغاية” وتشمل دولا مثل البحرين ومصر وسوريا والسودان واليمن والعراق وغيرها

وجاء في الصنف الاول من التصنيف قائمة الدول المصنفة في خانة “الخطر الضعيف للغاية” وشملت ست دول هي النمسا والدانمارك واليابان ولوكسوميورغ والنرويج وسويسرا “

وجاء ثانيا 66 دولة مصنفين في خانة “خطر ضئيل” بينها دول مثل: استراليا ،وكندا والتشيلي والمانيا والسينغال ماليزيا السويد الامرات العربية المتحدة إلى جانب دول اخرى وفي الخانة

الثالثة ترد حوالي 64 دولة مصنفة في خانة ” خطر متوسط” وضمن القائمة فرنسا وبريطانيا وبريطيانيا وكينيا وروسيا وإيطاليا والكويت ومالطا وقطر وكوريا الجنوبية و دول اخرى

وتكتب ذي اكونوميست بخصوص تصيف هذه البلدان ان معظم البلدان العربية وبينها المغرب والجزائر وباقي الدول الاخرى أن سبب الاضطرابات تكون مرتبطة بالنظم السياسية، في حين ان سبب الأضطرابات والاحتجاجات في دول اخرى وخاصة في اوروبا تكون بسبب دواع اقتصادية

وعمليا، يشهد المغرب احتججات تحمل طابعا سياسيا وطابعا اجتماعيا. وعلاقة بالسياسي، فهناك نزاع الصحراء المغربية وما تشهده اقاليم الجنوب من اضطرابات بين الحين والآخر، بينما تساهم سياسة التقشف التي تنهجها حكومة عبد الإله ابن كيران في ارتفاع المخاطر الاجتماعية

وتجري مجلة ذي إيكينوميست سنويا دراسات حول أوضاع العالم ومنها مستوى الديمقراطية والاقتصاد والاضطرابات، وهي تعمل وفق تصور مراكز البحث الاستراتيجي

الفقرة الثانية محركات التغيير في العالم العربي

وبالرغم من الاختلافات المهمة بين النظم في هذه البلدان، خاصة بين النظم الملكية والنظم الجمهورية وبين الدول المنتجة للنفط والدولة المصدرة للعملة، فان هذه النظم كانت تتفق في الكثير من السياسات والخصائص، ولذلك كانت مطالب القوى الثائرة متشابهة إلى حد بعيد كما إن تصريحات المسؤولين العرب التي أكدت أن كل دولة عربية لها خصوصياتها، مثلما صرح وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي بان"الجزائر ليست تونس، والجزائر ليست مصر" وسيف الإسلام القذافي الذي أكد أن ليبيا ليست كمصر وتونس، ووزير الخارجية المصري السابق احمد أبو الغيط الذي قال أن مصر ليست تونس. ولكن على ارض الواقع فان ما حدث في تونس تكرر إلى حد بعيد في مصر، وبدأت على الطريق نفسه في ليبيا واليمن وأكثر عنفا في سوريا

تعتبر ثورات الربيع العربي حصيلة لمجموعة من العوامل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بجانب العوامل الخارجية التي كان لها دور محدود ، وبالتالي شكلت هذه الثورات العربية الداعية للتغيير السياسي زعزعة لبنية الدولة في العالم العربي مما ساعد في سقوط بعض الأنظمة العربية ، لذلك كان لثورات الربيع العربي دور فاعل في إحداث التغيير السياسي في المنطقة العربية

وقد أسهمت عدة عوامل في اندلاع الاحتجاجات في الشوارع العربية وسنحاول باختصار أن نلقي الضوء على أهم هذه الدوافع المحركة للثورة أو الربيع العربي،

*الطفرة الشبابية

تشهد المنطقة العربية ما يعرف بالطفرة الشبابية، وتعاني هذه الفئة العمرية مظاهر إقصاء اقتصادي واجتماعي وسياسي، جعلتها في مقدمة الفئات المطالبة بالتغيير والمحركة له. وتعد البطالة من أهم المشاكل التي يعانيها الشباب في العالم العربي خصوصا في أوساط الشباب المتعلم الحاصل على تعليم عالي، يعاني الشباب أيضا تدني مستويات الأجور وسوء ظروف العمل،وقد اثر كل ذلك بالسلب على الظروف الاجتماعية للشباب في الوطن العربي، حيث تفشت ظاهرة العنوسة وتأخر سن الزواج بشكل كبير، لذلك لجا الشباب إلى شبكات التواصل الاجتماعي للتواصل مع بعضهم البعض وللتعبير عن عدم رضائهم عن الأوضاع القائمة وكذلك لتنظيم فعاليات احتجاجية نجحت في كسر حاجز الخوف الذي فرضته النظم العربية على شعوبها لعقود طويلة.

*التهميش الاقتصادي والاجتماعي

بالرغم من الثروات البشرية والمادية الهائلة التي تتمتع بها دول المنطقة، فان النظم العربية أخفقت في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، لا تزال قطاعات واسعة من الشعوب العربية تعاني الأمية والبطالة وتدني مستويات الدخل وغياب الخدمات والمرافق، كما أن الفجوة بين الطبقات والمناطق في الدولة الواحدة في اتساع مستمر. وقد أدى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد بشكل واسع، وتبني العديد من الدول العربية لسياسات التحرير الاقتصادي واقتصاد السوق في السنوات الأخيرة تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية بشكل ملحوظ مما أدى إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي وشعور المواطن في هذه الدول بأن مستويات المعيشة لا تتحسن بل تتراجع، ولا تتواكب مع ما تعلنه الحكومات من أرقام في هذا المجال، فعلى الرغم من الارتفاع النسبي في معدلات النمو الاقتصادي لدول الربيع العربي ، إلا انه ليس المعبر الحقيقي عن قوة الاقتصاد ، فالأمر متعلق بسوء وعدم عدالة توزيع عوائد النمو ، وفي هذا الصدد تشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الدول العربية تحتل مراتب متقدمة في مؤشرات الفساد بين دول العالم، بل أن هذا التقدم يزداد من عام إلى أخر مما يدل على عدم اتخاذ سياسات ملائمة لمحاربة الفساد على مجمل دول الربيع العربي ، وتعتبر ليبيا واليمن وسوريا من أكثر الدول فسادا وفقا لتقارير المنظمة يليها مصر تونس، ومن المعروف أن آثار الفساد لا تقتصر على تداعياته المادية فقط، بل تمتد إلى خلفيات اجتماعية وأخلاقية، ليخلق نوع من الإحباط والإقصاء والسلبية وعدم تكافؤ الفرص، لينعكس ذلك على الموقف الأخلاقي في الفرد والمجتمع داخل الدولة وعلى أدائها السياسي والكفاءة الاقتصادية والاستثمارية، كما تشير دراسات البنك الدولي الى ارتفاع معدلات التضخم ومعاناة الشعوب من ارتفاع الأسعار ونقص وسوء التغذية، وذلك في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع الغذائية، وكذلك في ظل فشل سياسات الدعم الحكومي في مساعدة الفئات الأكثر فقراً، حيث أن 34% فقط من مبالغ الدعم الهائلة المقدمة في الدول التي شهدت الاضطرابات تذهب للفئات الفقيرة وأن 66% من هذه المبالغ تذهب للفئات التي لا تستحق الدعم. تدل المؤشرات الكلية السابقة على ضعف السياسات الاقتصادية و المالية والاستثمارية في معظم الدول العربية، وخاصة منها المتعلقة بتدعيم الجانب الاجتماعي لعملية التنمية، هذا بالإضافة إلى فشل النظام الحكومي في معالجة تلك المشاكل ومعوقات النظام السياسي ، أوجد أرضية خصبة للاحتجاجات نتيجة لشعور الطبقات الفقيرة بانعدام العدالة وعدم توافر الحاجات الأساسية بالنسبة لهم والقهر الاجتماعي ، وبالتالي قامت هذه الثورات لتعبر عن رغبة المواطنين في تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية وهذا ما ظهر جليا في كل من مصر وتونس

*غياب الحريات السياسية

تشترك غالبية الدول العربية بالجمود السياسي وعدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية، وأهم معانيها تبادل السلطة والتعددية السياسية. فمعظم الدول الشرق الأوسط هي ذات نظم تسلطية وإستبدادية يقع بعضها في جغرافية العالم العربي ، وبالتالي في ظل هذه الأنظمة تنعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام ، وبالتالي هي أسباب كافية لاندلاع ثورات الربيع العربي . وهذه الحقيقة لا يمكن تغطيتها بالانتخابات الشكلية والحياة النيابية المقيدة، التي يشوب انتخاباتها الشك بنزاهتها ومدى تعبيرها عن نبض الشارع. ثمة قوى سياسية في بعض الدول العربية تحظى بهامش حرية نسبية، ولكن بالمحصلة لا يوجد تداول للسلطة. وأدى ذلك إلى فقدان الأمل في أي تحسن أو تغيير في ظل تلك الأنظمة التي كانت مهيمنة في بلدان الربيع العربي .

* الأسباب الخارجية :

بجانب الأسباب والعوامل الداخلية التي أدت إلى قيام الثورات العربية هنالك عوامل مؤثرة خارج حدود الدول التي قامت بها الثورات ، وهذه العوامل الخارجية لها دور لا يمكن إغفاله بصورة عامة في إحداث التغيير في الشرق الأوسط ، ولكنها لا يظهر لها تأثير فعال في حال الربيع العربي في البلدان العربية .

وحول مدى تأثير العوامل والأسباب الخارجية هنالك اتجاهان :

- اتجاه يرى أن الثورات العربية والاحتجاجات هي صناعة داخلية خالصة لم يكن فيها أي دور خارجي ، ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك ويعتقدون بأن الغرب وخاصة الولايات المتحدة ليست سعيدة بالثورات العربية وإنما يتم التعامل معها كأمر واقع .

- اتجاه يرى دور العامل الخارجي له قوة مؤثرة في تحريك الشارع العربي وإحداث تغييرات فيه ، ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه استنادا إلى وثائق سرية كشفها موقع "ويكليكس" أن الولايات المتحدة دفعت ملايين الدولارات إلى منظمات تدعم الديمقراطية في مصر ، والبعض يرى أن هذه الوثائق والموقع نفسه كان له دور فاعل بما حدث في العالم العربي لأن هذه الوثائق كشفت أمور سرية عديدة حول الحكام وحاشيتهم وعن حجم الفساد الموجود في هذه الدول .

المطلب الثاني : تعاطي الدبلوماسية العربية مع الربيع العربي

الفقرة الأولى : تفاعل الدبلوماسية العربية مع الاحتجاجات العربية

تعتبر الجامعة العربية الإطار المؤسسي والهيكل التنظيمي الذي يعبر عن الأمة العربية ويتحدث باسمها، وتنحصر عضويتها على الدول العربية وإذا كانت جامعة الدول العربية هي المنظمة الإقليمية ذات المرجعية المتخصصة فى معالجة الإختلافات بين الدول العربية وتوحيد الصف العربى، فقد كان منتظراً منها أن تقوم بدور فاعل وإيجابي في حل المنازعات التي تنشب بين الدول الأطراف، وتساهم في إرساء بيئة مستقرة مثلما هو شأن المنظمات الإقليمية الأخرى، وكلها أحدث منها نشأة ولا تقوم بين أعضائها هذه المشتركات (اللغة، والثقافة، والدين ووحدة المصير)، فجامعة الدول العربية أخفقت في حل كثير من المنازعات وإن كان أشهرها القضية الفلسطينية التى تعتبر دليل على عجز الجامعة العربية، وبقيام الثورات الشعبية فى العديد من البلدان العربية، فقد جاء دور جامعة الدول العربية متواضع مقارنة بما كان متوقعاً منها أن تلعبه فى هذه الأحداث الاستثنائية التى تجتاح بلدان الوطن العربى، فهذا الأداء الدبلوماسي العربي من قبل الجامعة العربية فى معالجة المعطيات الجديدة على الساحة العربية لا ندرى إن كان ناجم عن سوء إدارة الجامعة فى الفترة الراهنة أم أنه ناجم عن أسباب تنظيمية بنيوية متعلقة بطبيعة عمل الجامعة والميثاق الذي تعمل من خلاله ووفقاً له

فعلى ضوء ذلك تمثل الدبلوماسية العربية تحت راية الجامعة العربية حالياً منعطف تاريخي فى دور الجامعة منذ تأسيسها عام 1945 لتكون موحدة وجامعة للعمل العربى وملبية لطموحات الشعوب العربية وإن كانت جامعة للحكومات العربية وليست جامعة للشعوب العربية

فالدبلوماسية العربية أثبتت للثوار العرب أن الجامعة العربية مجرد رمز لوحدة العرب وتماسكهم وهذا ما ظهر جلياً فى تعاملها مع معظم الثورات العربية فقد بدت وكأنها في حالة ارتباك عظيم تنطوي في أحيان كثيرة على فقدان المبادرة وازدواجية المعايير وغياب الفعالية.

تونس ومصر

ففي الحالتين التونسية والمصرية تم إسقاط رموز النظام القديم بسرعة نسبية، ولذلك لم تتعرض الدبلوماسية العربية لمحنة بلورة موقف معلن مما يجري فيهما. ففي ثورة تونس حاول النظام الدبلوماسي العربي إنقاذ نظام بن علي عندما دع لعقد قمة عربية طارئة لاستدراك الموقف ولكن تسارع الأحداث حال دون إمكانية نصرة النظام التونسي ، وفي ثورة مصر أيدت الجامعة الحكومة خوفا من الفوضى المهددة لأمن البلاد ،والنظام الدبلوماسي العربي حافظ على نهجه التقليدي المعتاد المحكوم بالاعتبارات القانونية السياسية التي نص عليها ميثاق تأسيس الجامعة العربية و يعززها في ذلك خبرة العقود السابقة بعدم التدخل في الأزمات السياسية الداخلية التي تشهدها الدول العربية. لذلك لم يتخذْ موقفاً حاسماً تجاه ما حدث في تونس ومصر، متخذا من الحياد السلبي موقفاً، كما أَن لعاملي الزمن وقصر المدة الزمنية التي استغرقتها الأحداث في الحالتين لها أثرها، خاصة أن تعاقبَ الأحداثِ كان سريعاً في هاتين الحالتين ، فضلا عن حداثتهما على النظام الدبلوماسي العربي، جعتله يقف أمامَ ما يجري دون أي تحرك سريع أو ردة فعل تذكر، واعتبرته شأنا داخلياً

اليمن

يختلف تعامل الدبلوماسية العربية مع الثورة اليمنية باختلاف البيئة الإقليمية، وتشير الأحداث إلى أن جامعة الدول العربية لم تتدخل في الأزمة اليمنية على الإطلاق، وتركت المجال لمجلس التعاون الخليجي لعلاج الأزمة وتفسير ذلك يكمن في رؤية دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها قطر والسعودية للأزمة اليمنية بوصفها شأنا خليجي لا ينبغي التدخل فيها عربياً من بوابة جامعة الدول العربية، إضافة لرؤية السعودية وقطر لدورها الخليجي في احتواء أي أزمة خليجية مستقبلا بالإضافة لخشيتها من امتداد رياح التغيير اليمنية لحدودها الجنوبية خاصة

حالتي ليبيا وسوريا

عند التطرق لتحليل وتفاعل الدبلوماسية العربية مع ثورتى ليبيا وسوريا، فسنجد أن البداية كانت بموقف الجامعة العربية من الأحداث الليبية، حيث أتخذ مجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين قراراً بتعليق مشاركة ليبيا فى كافة اجتماعات الجامعة العربية ومؤسساتها، وهو من القرارات النادرة فى تاريخ الجامعة، حيث يكاد يكون هو ثالث قرار من نوعه بعد تعليق عضوية جمهورية جنوب اليمن عقب اتهام قادتها بالتورط فى إغتيال رئيس اليمن الشمالى عام 1978، وتعليق عضوية مصر بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل فى عام 1979، ولكن فى الحالة الليبية بدا الأمر غير مألوف، لأنه فى القرارين الخاصين بجنوب اليمن ومصر أرتبطا بواقعة متعلقة بالعلاقات بين الدول، وليس بالأوضاع الداخلية فى إحدى دول الجامعة الأعضاء كما هو الحال فى ليبيا

ثم جاء بعد ذلك اجماع الدبلوماسية العربية التدخل لحماية الثوار باتخاذ مجلس الجامعة على المستوى الوزارى قراره غير المسبوق بالتدخل فى ليبيا حماية للشعب الليبى، غير أن هذا التدخل كان منوطاً بمجلس الأمن وفقاً لقرار الجامعة، وفيما بعد آل الأمر كله إلى حلف شمال الأطلسي الذي اتسم تدخله العسكري بعدم الفعالية، بعد أن وضع قرار الجامعة العربية مفاتيح الأمر فى أيدي مجلس الأمن الذى وافق على التدخل العسكري لفرض حظر جوى على قوات العقيد معمر القذافى

ولكن تعامل الدبلوماسية العربية مع الأزمة السورية يبدو مختلفاً مقارنة بما اتخذته الجامعة العربية من قرارات في الحالة الليبية، حيث كان القرار أشد، مطالبا الأمم المتحدة بفرض منطقة حظر جوي والتدخل لحماية المدنين، كما سبق وأشرنا. فتعامل الدبلوماسية العربية مع الثورة السورية يختلف عن الحالة الليبية في ظل وجود معسكرين، الأول يمثله كل من إيران والصين وروسيا المتعاطف مع نظام الرئيس بشار الأسد، والمعسكر الثاني يمثله كل من تركيا والدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، والمتعاطف مع الشعب السورى

وإن كان ذلك لم يتوافر فى الحالة الليبية، إضافة إلى شبه الإجماع العربي ضد العقيد القذافي نتيجة سلوكة المنحرف. فعندما هدد بإبادة الشعب، أعطى إشارة للتحرك الدبلوماسية العربية ،

فموقف الدبلوماسية العربية الرافض للتدخل العسكرى الأجنبي بسوريا لعدم تكرار مأساة السيناريو الليبي، فهي تسعى لحل الأزمة السورية بطريقة سياسية بعيداً عن التدخلات العسكرية من خلال المبادرة العربية التى أتخذتها الجامعة وتسعى إلى تنفيذها بشتى السبل، على الرغم من أنها قد أثارت جدلاً واسعاً لأنها تقوم على دعوة للإصلاح في وقت تستمر فيه إراقة الدماء في سوريا خصوصا بعد استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا، في قصف الشعب السوري الأعزل، وهو موقف اتخذته مغايراً لموقفها من الأزمة الليبية في بدايتها.ولكن طبيعة هذا الموقف والذى يتميز بدعوته إلى الإصلاح والرفض التام للتدخل العسكرى الأجنبي، ترجع إلى أن الأوراق التي يحملها النظام السوري في يده إقليمياً وعربياً، أكثر بكثير من تلك التي كانت في يد نظام العقيد معمر القذافي، وهو ما أستدعى موقفاً مغايراً من قبل الدبلوماسية العربية

فالوضع فى سوريا شديد التعقيد، خاصة فى ظل تشعب علاقات النظام السورى الخارجية، و مختلف تماماً عن الوضع الليبى، لأسباب تتعلق بوجود مخاوف عربية من تحول سوريا إلى عراق جديد في حال التدخل الدولي، فضلا عن الصعوبات التي سببها التدخل في ليبيا، الأمر الذي يوضح أن الصورة ليست بسيطة وشديدة التعقيد

وإذا رأينا أن الدبلوماسية العربية تحت راية الجامعة العربية قد أحالت المسألة السورية إلى مجلس الأمن طلباً لدعم الخطة العربية، وذلك فى 31يناير 2012، إلا أن الأمين العام للجامعة العربية قد طلب فى بيانه أمام مجلس الأمن دعم المجلس والمجتمع الدولى بشكل عام للتحرك العربى لحل الأزمة الخطيرة والمتصاعدة فى سوريا والحيلولة دون تفاقمها و تهديد الأمن في المنطقة. مؤكداً على عده نقاط رئيسة اهمها أن الهدف الأساسي للتحرك العربى هو الوقف الفورى لما يتعرض له المدنيون السوريون من أعمال عنف وقتل، والعمل على تحقيق مطالب وطموحات الشعب السورى فى إحداث تغييرات سياسية واقتصادية وإجتماعية، والانتقال الى حياة سياسية سليمة، فى ظل ديمقراطية حقيقية، تضمن الحقوق الأساسية لجميع أفراد الشعب، وسيادة القانون، والتداول السلمى للسلطة

وعلى العموم فقد تبدلت معطيات الحرب السورية مع مرور الوقت والإقتراب سريعاً من الذكرى الثالثة لإندلاع الأحداث الدمويّة، وموقف الدبلوماسية العربية تجاه ما يدور على الأراضي السورية يتسم ببطء شديد، عبرت عنه إحدى المسيرات المليونية في بعض المدن السورية والتي حملت شعار”صمتكم يقتلنا” ، للدلالة على هذا

الفقرة الثانية : العوامل المؤثرة في موقف الدبلوماسية العربية

_ العوامل الداخلية

الحالة العربية تعاني من التفكك والضعف العربي نتيجة الخلافات العربية العربية،وسعي بعض الدول العربية للمنافسة على موقع الصدارة ، وأخذ دور محوري على صعيد العمل العربي المشترك وجامعة الدول العربية ، والتأثير في قرارتها تجاه أي ازمة عربية ، بالإضافة للتكتلات العربية الأجنبية ، وسياسة الأحلاف التي انتهجتها الدول العربية في بناء علاقات على حساب العمل العربي المشترك ، مما أدى لإتباع سياسةٍ حياديةٍ أحيانا، أو اتخاذ قرارات فردية تجاه قضايا عربية ، تتناسب مع وجهة النظر الأجنبية تبعا للمصالح المشتركة ، وهناك نماذج مختلفة من البيئة العربية الداخلية والتي أثرت على أداءِ ومواقفَ الدبلوماسية العربية تجاه الأحداث الراهنة وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي، ففي ظل غياب العديد من الفاعلين على الساحة العربية ، كمصرَ والعراقِ وسوريا ، أدت الاحتجاجات الشعبية في دول الربيع العربي إلى زيادة شعور دول الخليج بأن أمن المنطقةقد باتَ مهدداً أكثرَ من ذي قبل ، خاصة بعد اندلاع اضطرابات البحرين التي أدت إلى دخول قوات درع الجزيرة إليها ، ووصول لاحتجاجات الشعبية إلى اليمن ، أي إلى الحدود الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية ، مما جعل الدول الخليجية حساسة تجاه التغيرات العميقة المحيطة وموقفها كان متأرجحاً ومتناقضاً من الاحتجاجات الشعبية في دول الربيع العربي ، فقد كان حيادياً في تونس ومصر،اما في ليبيا بدا الأمر مختلفًا فقد تدخلت قطر والسعودية لدعمِ

الثوار ضد النظام الليبي، والطلب المتكرر من المجتمع الدولي ومجلس الأمن التدخل العسكري

لحسم الأمور لصالح الثوار، أما في البحرين فقد اعتبرت الأمر شاناً داخلياً مما دفعها إلى إرسال قواتِ درع الجزيرة لاحتواء الأزمة ، وفي اليمن نجحت السعودية في عدم السماح

السماح لجامعة الدول العربية بالتدخل ،فنجاح الضغوط الخليجية عامة، والسعودية خاصة في

اتجاه توقيع الرئيس اليمني" على عبدالله صالح"على المبادرة الخليجية،والى جانب السعودية تتبنى قطر سياسة خارجية نشطةً على الرغم من حالة الاحتجاجات الشعبية التي تسيطر على المنطقة ، وهي ما جعلت مواقفَ الدول العربية الأخرى تتسم بالتردد حول المسار الذي يجب أن تتبعه في دعم الاحتجاجات في هذه الدولة أو تلك حيث قادت قطر الدعوة للتدخل الدولي لإنهاء حكم القذافي عندما بدأت الاحتجاجات الشعبية في ليبيا، لكن عندما وصلت الثورة إلى البحرين ، قادت السعودية توجها خاصًا بدول مجلس التعاون الخليجي، ولم تسمحْ هذه الدول وخاصة "السعودية وقطر والإمارات والبحرين" بأنْ تتدخل الجامعة العربية في هذه الازمة، واعتبرتها شأناً داخلياً خاصاً، وتدخل مجلس التعاون الخليجي لدعم الحكومة الملكية البحرينية وتم تبرير التدخل في إطار التضامن السني ضدَ التخريب الشيعي

العوامل الإقليمية

ثمة قوى إقليمية تسعى لتشكيل الشرق الأوسط بعيدا عن أي دعم خارجي ، وهو ما يتضح جلي

في السياسة الإيرانية والتركية ، ويفتح أفاقًا جديدةً للتعامل وفقَ رؤيةٍ سياسيةٍ ممنهجة تسعى

للسيطرة على المنطقة العربية ، ولعب دور مركزي في مختلف القضايا المتعلقة بالمنطقة

إن الصراع الايراني الاماراتي قلل من فرص التلاحم العربي ، للسعي الحثيث للتأثير في المنطقة العربية بشكل محوري ،فالموقف الإيراني تجاه الاحتجاجات الشعبية متناقض ، وفقا للمصالح المشتركة، والعلاقات الدبلوماسية بين إيران وكافة بلدان الثورات ، خلافًا للموقف الإيراني تجاه الاحتجاجات الشعبية في كل من: البحرين وسوريا والذي جاء مختلفاً تمامً مؤيدً ا للأولى بسبب مطالب السكان الشيعة لذلك و رافضً للثانية، بسبب المحافظة على الحليف الاستراتيجي السوري في المنطقة

أما مواقف تركيا تجاه الثورات متناقضة ، مثل الحالتين الليبية والسورية ، بسبب حفاظها على مصالحها الاقتصادية بالمنطقة . بالإضافة للارتباك الواضح في السياسة الخارجية التركية تجاه الثورات في مصر، واليمن ، وليبيا ، وسوريا و ستستمر في سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية بشكل قوي ، وستحاول أخذ دور محوري على حساب جامعة الدبلوماسية العربية ، واستضافتها لمؤتمرات المجلس الانتقالي السوري خيردليل على ذلك ، لذلك دعت تركيا الحكومات العربية إلى القيام بالإصلاحات ، وأعلنت وقوفها بوضوح نسبياً إلى جانب المحتجين ، إداركاً منها أن الأنظمة العربية القديمة باتت على مشارف السقوط، وستستمر في أخذالمواقف تجاه القضية الفلسطينية لكسب تأييد الشارع العربي ، والوقوف في وجه إسرائيل بالمنطقة

العوامل الدولية

هنا نطرح تساؤلاً هاماً ، لِمَ اتجهت الدول الغربية للتدخل العسكري بعدما طلب منها من قبل جامعة الدول العربية ومن مجلس الأمن تحديداً بالتدخل العسكري ، والمفارقة هنا أن ما يحدث في سوريا مثلما حدث في ليبيا فلماذا لم تتفق الدبلوماسية العربية على طلب التدخل العسكري في سوريا ، ولماذا تتردد الدول الغربية بالتحرك العسكري ؟

لقد سعت الدول الأجنبية بصورة مستمرة لإحباط أي توجه عربي جاد، يهدف لتعزيز العمل العربي المشترك، لأن هذه الدول تعتقد أن أي تعاون عربي قائم على أسس فعالة يؤدي لحدوث أضرار سلبية في المصالح الحيوية للقوي الخارجية ، فالدول الأجنبية وخاصة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي هي التي تسعى للهيمنة على المنطقة العربية بشتى الوسائل والطرق ، على الرغم أن الولايات المتحدة هي التي تهيمن على النظام الدولي الراهن في الجانب الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة ، وانهيار الاتحاد السوفيتي وترى أن أي توجه عربي مشترك لتعزيز التعاون العربي يؤثر سلبا على نفوذها ومصالحها في المنطقة العربية، فهي تتعامل مع الدول العربية بشكل فردي وانتقائي، بهدف إخضاع هذه الدول للنفوذ الأجنبي، وإضعاف الإرادة السياسية العربية، ولا ننسى الموقف الصيني المتأني من الاحتجاجات الشعبية في مصر وتونس ، والرافض التدخل العسكري في ليبيا وسوريا ،والذي انعكس سلباً على موقف الدبلوماسية العربية ، وأثر بشكل سلبي على القرارالعربي الداعي لحماية الشعب السوري وكفالة حق التظاهر السلمي للمدنيين

المبحث الثاني : تداعيات الربيع العربي على الدبلوماسية العربية

المطلب الأول : التداعيات على مستوى دبلوماسية الدول

لقد خلق ” الربيع العربي“ وما تلاه من تحولات عميقة في المنطقة تغير على مستوى الأنظمة الدبلوماسية العربية ، فقد تغييرت أنظمة بالكامل ، بتوجهاتها و سياساتها و مؤسساتها وحتى أعلامها ، مما جعلنا نتحدث عن دبلوماسية جديدة في المنطقة ، ونحن عندما نتحدث عن الإنعكاسات فنحن نتحدث عن جانب إيجابي و أخر سلبي :

 إيجابيا:

- ميلاد إهتمام متزايد و تفاعل بين الدبلوماسيات العربية في ما يخص قضايا بعضها البعض .

- إنفتاح المواقف الدبلوماسية على المطالب الشعبية .

 سلبيا :

- تكريس واقع التحالفات و الولاءات .

- ظهور فرضية تصفية الحسابات .

- أشكال جديدة و أدوار خفية للدبلوماسية في تسير و الزيادة من حدة ثورات دون أخرى.

المطلب الثاني : تداعيات على مستوى دبلوماسية المنظمات و التكتلات العربية .

الإتحاد المغاربي : مع هبوب رياح الربيع العربي عرفت منطقة المغرب العربي تحركات مكثفة توحي بوجود رغبة حقيقية في بعث الروح في الجسد المغاربي و إعادته الى الواجهة من جديد بعد غياب دام سنوات بسبب فتور العلاقات الثنائية بين الدول الموقعة على إتفاقية مراكش لعام 1989 ، حيث شكلت تداعيات الربيع العربي الحجر الذي حرك مياه الإتحاد المغاربي الراكدة و بذلك أعلن المغرب عن رغبته في تفعييل الإتحاد وفتح الحدود مع الجزائر ، كما دعى منصف المرزوقي الى تعميق التعاون بين الدول المغاربية من خلال إتحاد المغرب العربي كما أعلنت الجزائر أيضا عن رغبتها في إعادة تفعيل الإتحاد ، ولذلك فقد أفرزت تداعيات الربيع العربي نوعا من الإرادة السياسية لقادة دول المنطقة و مدى وعيها بالتحديات الأمنية و الإقتصادية و السياسية و القيمية .

وبذلك أيضا هبت نسمات الربيع العربي باثار إيجابية في إحياء الإتحاد المغاربي و ذلك نتيجة التغيرات التي شهدتها الدول المغاربية حيث جعلت الدول المغاربية تدخل فضاءا للتفاعل السياسي و التعاون الإقتصادي مما هيئ مرحلة جديدة لإعادة إحياء إتحاد مغاربي تكون ملامحه أكثر وضوحا و أقرب الى الواقع ، كما فرضت على الدول الخمس في الإتحاد المغاربي الإلتقاء و البحث في ما يمكن عمله في مواجهة التحديات المستجدة .

جامعة الدول العربية :

قبل الثورات كانت إجتماعات جامعة الدول العربية بمثابة منتدى لقليل من الحوار و بعض من الدردشة و لكثير من الشجار و الإختلاف ، لكن عقب الثورات أفرزت رغبة للشعوب العربية في التقارب العربي وإنعاش النظام الإقليمي بضخ مزيد من الأكسجين للجامعة العربية التي ترقد في غرفة العناية المركزة منذ عقود ، و الدعوة الى إجراء عملية إصلاح شاملة لها ، ولذلك فقد خلقت ثورات الربيع العربي زخما تجاه قضايا حماية الأمن القومي العربي و زادت من إحساس المواطن العربي بأهميته ويمكن القول أن الربيع العربي قد وجه صفعة قوية لبيت العرب ووضع دوره وفعاليته على المحك وهو ما بدى جلياً في عدة ملامح تنصرف الى أن الثورات كشفت مقدار الجفاء بين الجامعة العربية و الشعوب العربية ، فلم تكن قضية الديموقرطية وحقوق الإنسان تتصدر أولويات و إهتمامات الجامعة و لم يكن بحوزة الجامعة من الأليات و الأدوات ما يساعدها على كبح جماح بعض الأنظمة القمعية .

لقد أعاد الربيع العربي تسليط الضوء مجددا على أحد المثالب الخطيرة في العمل العربي المشترك و هي الإستقواء بالخارج لحل المشاكل و تنامي إقبال بعض الدول العربية نحو التجمعات الإقليمية البديلة للجامعة العربية ، ولم تبين الجامعة أية مواقف إزاء ما جرى في تونس و من بعدها مصر أيضا ، بإستثناء تصريحات خجولة مفادها أن ما يجري شأن داخلي ، و إن كان قد طرأ تطور ملموس على أداء الجامعة بفضل تداعيات الربيع العربي .

مجلس التعاون الخليجي : لقد إنعكست تداعيات الربيع العربي على تفاعلات دول المجلس و خياراته في علاقته مع القوى الإقليمية و الدولية التي تأثرت مصالحها هي الأخرى كثيرا بفعل هذه الثورات و تداعياتها ، كذلك تفاعل المجلس و دوله مع هذه التداعيات .

ومن ذلك إعطاء قدر أكبر من الإهتمام لمشروع مجلس التعاون الخليجي و تطويره و البحث عن حلفاء أو شركاء جدد ضمن إعادة ترسيم خرائط التحالفات وأن يكون لها دور أساسي .

ولذلك نجد أن تداعيات الربيع العربي على مستوى فعالية مجلس التعاون قد أحدثت مجموعة من التطورات على صعيد العلاقات التعاونية (العلاقات الثنائية) بتدافع المجلس لمعالجة الأزمة في البحرين و الدعم الكامل لها . وأما على مستوى التفاعلات الجماعية إنعكست على فعالية أداء الوظائف فكان التصدي الأمني و العسكري للأزمة في البحرين و الحرص على احتواء الأزمة في عمان عن طريق تقديم معونات مالية سخية .

الاتجاه إلى توسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي بضم كل من الأردن و المغرب في محاولة لتأسيس منظومة توازن قوى إقليمية جديدة .

وخاتمة القول لقد تحول الربيع العربي إلي خريف دموي في العديد من البلدان العربية وعلى رأسها مصر وليبيا وتحولت اغلب الدول العربية التي مرت في ظروف التغير والانتقال الديمقراطي إلي دول فاشلة خاضعة للتقسيم مثل ليبيا وسوريا على سبيل المثال لا للحصر.لا تسيطر على إقليمها أو ثوارها أو شعبها.وبالتالي ستكون النتائج وخيمة على الوحدة الترابية للبلاد وعلى الحالة الأمنية والاقتصادية والسياحية وعلى طبيعة العلاقات الدولية مع الآخرين.

والمطلوب هو

لائحة المراجع

الكتب باللغة العربية

عبدالله عيسي عبده عيسى الشريف، دور جامعة الدول العربية فى الثورات العربية: دراسة حالتى سوريا وليبيا، الطبعة الاولى 2013

أحمد داود أوغلو ، العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، مركز الجزيرة للدراسات، الطبعة الاولى 2013

احمد يوسف، الأوضاع السياسية فى الوطن العربى، معهد البحوث والدراسات العربية،القاهرة، 2012

يوسف لبحيري، نظام الأمم المتحدة في مواجهة تحولات الربيع العربي، المطبعة الوطنية الداوديات، مراكش،الطبعة الاولى2012

،الطبعة الاولى 2011 مركز دراسات الوحدة العربية مجموعة من الباحثين، الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي،

نبيل شبيب : الثو ا رت العربية والمواقف الأوروبية المركز العربي للد ا رسات، القاهرة 2011

Marc Lynch ,The Arab Uprising:The Unfinished Revolutions of the New Middle East,New York: Public Affairs, 2012

Lin Noueihed, Alex Warren: The Battle for the Arab Spring: Revolution, Counter-Revolution and the Making of a New Era, Yale University Press of America 2012

المجلات والصحف

سبتمر 2011391 عبد الخالق عبد الله ، الربيع العربي وجهة نظر من الخليج العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد

ديسمبر2013 15سوريا ،مجلة السياسة الدولية، صافيناز محمد احمد، تأثير التغيرات الإقليمية في موازين الصراع في

اكتوبر2011 186 عصام عبد الشافي، انحسار النفوذ الدولي في المنطقة العربية، مجلة السياسة الدولية، العدد

غالب العتيبي: جامعة الدول العربية وحل المنازعات العربية، أكاديمية نايف ، الرياض ٢٠١٠

أبرإش إبراهيم: الثورة في العالم العربي كنتاج لفشل الديمقراطية ، مركز الدراسات و البحوث ، القاهرة، مارس 2011

بهاء أبو كروم، الربيع العربي بين الإستراتيجيّتين: الأميركية والروسية، جريدة الحياة، 31 مارس 2012

مالك عونيه، هل تعيد الانتفاضات العربية تعريف السياسة الأمريكية في المنطقة؟، مجلة السياسة الدولية،عدد اكتوبر 2013

المواقع الالكترونية

http://hespress.com20 فبراير صالح المغبر، الحركات الاحتجاجية في المغرب وحركة

http://ar.wikipedia.org الثورات العربية

http://ar.wikipedia.org الاحتجاجات المغربية 2011

http://www.bbc.co.uk تسجيلات استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا تحت المجهر

http://www.gcc-sg.org 2012 ماي ، 1 بيان ختامي لمجلس التعاون