(المضمون: كان واضحا لكل من كان يرى شارون قبل انهياره الاخير أن عيشه لن يطول لشدة شرهه وثقل وزنه - المصدر).
"كاسيوس هذا ذو جسم نحيل جائع". إن هذه الجملة المعروفة من مسرحية "يوليوس قيصر" لشكسبير تتناول ذلك المحرض العازل الذي دبّر مع حليفه بروتوس المؤامرة لقتل حاكم روما. ويزينون احيانا بهذه الجملة تحذيرات من اشخاص نحيلين تشهد أجسامهم بما لا يوجد عندهم: إن الاحساس غير موجود عندهم. إن الانسان الذي لا احساس له قد يحب العالم بصفته مثالا لكنه لا يحب العالم الحقيقي. والنحيلون متطرفون ولهذا ليس عندهم حس الفكاهة، أما السمان فذوو أمزجة حسنة وهم مضحكون يسخرون من أنفسهم وهم كسالى. وقد كتب الفرنسي أندريه مرواه في شأن المواضعة المتعلقة بالأمزجة المختلفة بين هؤلاء واولئك، كتب كتاب الاطفال "السمان والنحيلين" الذي كان حبيبا جدا الى أبناء جيلي.
لكن اريك شارون، في مزاجه وصورة جسمه، نقض الرأي المسبق عن الصلة بين حجم الكرش وبنية الشخصية. كان في الحقيقة سمينا جدا، ومضحكا وودودا، لكنه كان ايضا نشيطا وداهية وخبيثا. وقد تحدثوا كثيرا عن شهوته، لكن لأنه كان شخصا موجودا على الحد بين الواقع والاسطورة لم ينظروا الى شهوته الى الطعام بأنها ضعف بل بأنها خط من خطوط شخصية عظيم. إن الضماد على الجبين والحملْ على الكتفين والقصص عن شهوته الى اللحم ومرسلات الأصداف المدخنة التي أُرسلت اليه في حرب يوم الغفران هي صور مخلدة كقسوة الجنرال جورج باتون أو السيجار والكونياك وعلامة "في" عند ونستون تشرتشل. والذين كانوا يُجلّونه رأوا أن الأكل بتوحش تعبير عن القوة وكأنه توجد صلة بين سعة المعدة وعظمة النفس، وبين القدرة على الهضم والقدرة على الثبات لنوائب الحياة.
لكن أصحاب النظريات المتعلقة باختلالات تناول الطعام يُخمنون أن مسألة الشره هي تعبير عن عيب سابق لأجل حاجة دائمة الى التسلية وهي تعبير بالطبع عن عدم وجود سيطرة ذاتية وكتم. وأنا أميل الى اعتقاد أنهم على حق لأن الشره الذي أصيب به شارون كان تعبيرا مجازيا عن سلوكه بصفته عسكريا وسياسيا. وهو لم يعرف الشبع، وقد جلب علينا جوعه الأبدي كوارث، وأنا أعتقد بخلاف التصور عنه أنه رجل قانع بنصيبه وفلاح مملوء باللذة أعتقد أنه لم يعرف الراحة. وليس من الممكن أنه لم يُحذَّر ولم يعرف أن ثقل وزنه قد يدمر صحته ويُقصر حياته. فالصلة الاحصائية بين توالي الجلطات الدماغية والزيادة في الوزن واضحة. فقد قتل هذا الرجل نفسه ولا يُفعل ذلك عن حب للحياة. وإن جملة "اريك يحارب عن حياته كما كان يحارب دائما" هي ثرثرة متملقة.
بعد وقت من انهياره نشأ جدل في مقدار وزنه. وقد أرسل محرر "معاريف" آنذاك الراحل امنون دانكنر العاملين عنده للاستيضاح فوجدوا أن وزن شارون لا يقل عن 145 كغم، أما العاملان في "يديعوت احرونوت"، ناحوم برنياع وشمعون شيفر، فأدليا برواية الاطباء وهي 110 كغم فقط. وفسر دانكنر الفرق بين التقديرين بالفرق بين سعة أحزمة المقدرين، فقد كان رجلا كبير الجسم ولهذا كان خبيرا بملاحظة الوزن الزائد في حين أن برنياع وشيفر ممسوحا البطن.
كان علي في هذه الحال أن اؤيد رأي الصحيفة المنافسة لأنني قبل انهيار شارون بأشهر معدودة أجريت معه لقاءا صحفيا ودهشت. كان ذلك في يوم حار ولم تستطع مكيفات الهواء في البيت في شارع روبين أن تطرد حرارة أضواء التصوير، وكان الرجل السمين المتبرج تبرجا ثقيلا قد اختنق بربطة عنقه وسُلق في بدلته. وعلمت، وكان ذلك واضحا لكل الناظرين اليه غير المرتشين، أن طول حياة أبناء عائلته، وهذه حكاية كرر حكايتها كي يُهديء محبيه ويغضب كارهيه، ليست ضمانا لطول حياته، لكنني لم أعلم بالطبع أن سنوات موته ستطول زمنا كثيرا.


