خبر : باسم يوسف وجائزة حرية الصحافة ـ جدارة الشخص أم رسالة لمصر؟...د.عبد الحميد صيام

السبت 30 نوفمبر 2013 12:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT
باسم يوسف وجائزة حرية الصحافة ـ جدارة الشخص أم رسالة لمصر؟...د.عبد الحميد صيام



شهدت مدينة نيويورك يومي الاثنين والثلاثاء حضورا كبيرا لفنانين عربيين يجمع بينهما شهرة واسعة وصلا إليها بسرعة قياسية يتمناها كل من ولج باب الفن غناء أو تمثيلا أو فكاهة. فقبل سنتين قد لا يكون أحد منا سمع بالاثنين أو بأحدهما. والفنانان هما المغني الفلسطيني ابن غزة المحاصرة محمد عساف والثاني الإعلامي المصري وصاحـــب البرنامج الفكاهي المشحون بالسياسة ‘البرنامج’، الذي بلـــــغ أوج الشهرة أثناء السنة اليتيمة لرئاسة محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. الأول جاء لمقر الأمم المتحدة للمشاركة في إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بصفته سفير نوايا حسنة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ‘أونروا’، وحض المجتمع الدولي على دعم الوكالة التي تتعرض لأزمة خانقة تهدد وجودها أو بتراجع خدماتها لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
والثاني جاء إلى قاعة الحفلات بفندق وولدورف أستوريا الشهير بمنهاتن لتسلم جائزة حرية الصحافة الرفيعة التي تقدمها اللجنة الدولية لحماية الصحافيين سنويا لعدد من الصحافيين الذي دفعوا ثمن تمسكهم بحرية التعبير والتحقيق والكتابة. وقد تحدثنا في مقالنا السابق عن محمد عساف ودور الفن في لملمة شظايا الشعب الفلسطيني المنهك والمشرد، ونخصص الحديث في هذا المقال عن باسم يوسف ودور الفن في صراعه مع السلطة العضوض.
هل باسم يوسف صحافي حتى يستحق الجائزة؟
استغرب باسم يوسف نفسه هذه الجائزة عندما قدمها له صديقه وشبيهه في الفن، السياسي الساخر جون ستيوارت، لانه بكل بساطة ليس صحافيا كما قال في كلمته للتعبير عن امتنانه لهذه الجائزة الرفيعة: ‘إنه شرف عظيم بان أكرم وسط المناضلين من أجل حرية التعبير من تركيا وإكوادور وفيتنام الذين يواجهون عقوبات بالسجن وتهديدات بالإيذاء الجسدي، فقط لأنهم يريدون أن يمارسوا حريتهم في التعبير’. فقد أعطيت نفس الجائزة لصحافية تلفزيونية من إكوادور تعرضت للاضطهاد والملاحقة، وللصحافي التركي نديم سينير من صحيفة ‘البوستا’ الذي اعتقل بتهمة الإرهاب، ومدوّن فيتنامي يقبع الآن في السجن. وعلى حد علمنا فهذه هي المرة الأولى التي تمنح الجائزة لإعلامي من خارج الوسط الصحافي يستخدم برنامجه التلفزيوني لتوجيه انتقادات حادة لرأس السلطة. لكن الشيء المشترك بين الفائزين الأربعة تعرضهم للاضطهاد من السلطة الحاكمة بسبب ممارستهم حرية التعبير في بلادهم لدرجة تعتبرها الدولة تجاوزا لخطوطها الحمراء.
ليس الصحافي فقط من له الحق في حرية التعبير. إنها حق مقدس لكل الناس لا يجوز المساس بها إلا إذا كانت غطاء للتحريض على القتل والعنف، كما تنص معظم شرائع دول العالم. وكما يحتاج الصحافي هذه المساحة من الهواء الطلق لا يفسدها عليه أحد، يحتاج الفنان والكاتب والمغني وراسم الكاريكتير والشاعر والموسيقي والممثل نفس المساحة، بل أكثر حتى يمارس الإبداع في جو من الحرية أرحب.
ومن منا لا يتذكر كم من الفنانين والكتاب والرسامين العرب أردتهم رصاصات السلطة أو شبيحتها أو عملاؤها لأسباب تتعلق بهذا الحق، من ناجي العلي إلى سليم اللوزي، ومن فرج فودة إلى جبران تويني ومن سمير قصير إلى أطوار بهجت إلى اكثر من 80 صحافيا عراقيا، من بينهم رئيس نقابة الصحافيين شهاب التميمي، ومن تكسير أصابع علي فرزات إلى قطع حلقوم إبراهيم القاشوش وغيرهم الكثير.
حرية التعبير في بلادنا العربية مغمسة بالدم ومعمدة بكرابيج السجانين ومكبلة بأصفاد من حديد. لهذا السبب منحت الجائزة لباسم يوسف، لأنه تحدى بمنتهى الجرأة سلطة الرئيس مرسي فتعرض للمساءلة وأوقف البرنامج خوفا أو تحسبا، وعندما عاد لينتقد حكم العسكر بشكل حنون وغير مباشر ضاق صدرهم به وببرنامجه فألغي البرنامج بعد الحلقة الأولى وطالب بعضهم بتقديمه للمحاكمة.
باسم يوسف وحرية التعبير بين عهدين
لقد لعب برنامج ‘البرنامج’ دورا تحريضيا ضد رئاسة مرسي وحكومة الإخوان المسلمين. وعندما هزأ الرئيس السابق مرسي بلبس القبعة الساخرة وإعادة إنتاج أغنية ‘وطني حبيبي الوطن الأكبر’ مسلطا نقده لدولة قطر كحاضنة لحكومة مرسي، اعتقد الكثيرون أنه تجاوز كل الخطوط الحمر. صحيح أنه لم يتعرض للاعتقال ولا القتل ولا التهديد بالقتل لكنه تعرض لشيء من المساءلة القانونية بسبب القدح في منصب رئيس الجمهورية، وتوقف برنامجه عن البث مما جعله بطلا في عيون المصريين. وما لبث الناس أن هتفوا باسمه ورفعوا صوره عندما تحركت الجماهير العريضة يوم 30 يونيو بمسيرات قيل إنها وصلت إلى 30 مليون شخص. ومن حقنا أن نسأل كيف يمكن لحكومة تتمتع بمثل هذه الشعبية العارمة ولرموز في قيادة الجيش وضعت في منزلة لم يصل إليها قائد منذ وفاة خالد الذكر ناصر، كيف لها أن تخشى من حلقة واحدة من ‘البرنامج’ الذي خصص في معظمه لانتقاد العهد السابق، وفي دقائقه الختامية تعرض بنقد غير مباشر ومن دون ذكر أسماء، إلى العهد الجديد بسبب التضييق على الحريات؟ ماذا كان سيحدث لباسم لو أنه أعاد إنتاج أغنية ‘وطني حبيبي الوطن الأكبر’ محورا كلماتها هذه المرة لتنال من السعودية بصفتها الداعم الأساسي لحكومة ما بعد 3 يوليو؟ فبعد الحلقة الأولى قامت الدنيا على باسم وتم إلغاء الحلقة الثانية بحجج واهية، وتعرض للضغط والاتهامات والمطالبة بتقديمه للعدالة بل وذهب بعض صحافيي الفلول إلى اتهامه بالخيانة العظمى.
يقول باسم يوسف في مقال نشره في جريدة ‘الشروق’ في نفس اليوم الذي تسلم فيه الجائزة ‘إن السلطة الحاكمة في مصر ترعبها الآن إشارة رابعة فرفع الأصابع بإشارة رابعة أصبح يمثل تهديدا للأمن القومي’. وأضاف قائلا إن موقف السلطة الخاطئ من أحمد عبد الظاهر لاعب النادي الأهلي ومحمد يوسف بطل الكونغ فو كان يهدف إلى الحيلولة دون التأثير على المجتمع الدولي، ولكن هذا المجتمع الدولي يجلس ممصمصا شفاهه مستغربا كيف لملايين من الناس يؤمنون بأنهم أصحاب أكبر حشد في التاريخ ثم يتوترون من بضعة أصابع؟
أخطر مناطق العالم للصحافيين
تحتل تركيا الموقع الأول في العالم في عدد الصحافيين المعتقلين. أما سورية فهي أكثر مناطق العالم خطرا على حياة الصحافيين حيث تفوقت على العراق. فقد قتل في العام الحالي الذي لم يرخ سدوله بعد 48 صحافيا، من بينهم 19 في سورية. وقد دخلت مالي ومصر على قائمة الدول التي تشهد سقوط صحافيين ضحايا للعنف الداخلي أو الخارجي أو كليهما، مثل الصومال وباكستان. فقد قتل في مصر ستة صحافيين، هم تامر عبد الرؤوف من جريدة الأهرام (19/8) ومصعب الشامي من شبكة رصد (14/8) وأحمد عبد الجواد من الأخبار ومصر 25 (14/8) وميك دين من سكاينيوز (14/8) وأحمد عاصم السنوسي من الحرية والعدالة (8/7) وصلاح الدين حسن من شعب مصر- بورسعيد (29/6).
أما منذ بداية العام ولغاية عشية تحرك الثلاثين مليون لم يقتل صحافي واحد. أليس في ذلك عبرة؟ كما توثق تقارير لجنة حماية الصحافيين أكثر من 30 حالة اعتداء على صحافيين واعتقال 44 ما زال منهم مجموعة لا تقل عن خمسة خلف القضبان. كما تم إغلاق أو تهشيم 11 محطة تلفزيونية كانت كما قيل تمارس التحريض والتعبئة الطائفية.
لقد شهدت مصر منذ ثورة يناير ثورة إعلامية حقيقية كادت أن تلحقها بركب الفضائيات العريقة وتبزها جميعا، إلا أن هذا التضييق الأخير في الشهور الخمسة الأخيرة أعاد عجلة حرية الصحافة إلى الوراء بشكل لم تشهده مصر في أحلك أيام الحكومات السلطوية. نقول هذا لأن الوقت الآن جد مناسب أثناء كتابة الدستور الجديد لعل حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التجمع تصاغ بطريقة توافقية وتصبح حقا راسخا لجميع أبناء مصر بغض النظر عن الانتماءات الأيديولوجية والمواقف السياسية ما دامت لا تحرض على العنف ولا تهدم النسيج الوطني ولا تتعامل بشكل تبعي مع أعداء الأمة التاريخيين.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك