خبر : الاتفاق مع إيران: أين المشروع النووي العربي؟...اشرف العجرمي

الأربعاء 27 نوفمبر 2013 03:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
الاتفاق مع إيران: أين المشروع النووي العربي؟...اشرف العجرمي



ظهر ارتياح كبير على المستويين الإقليمي والدولي نتيجة لاتفاق الدول الكبرى (مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا) مع إيران على الملف النووي، فالاتفاق شمل بنوداً يعتبرها كل طرف مكسباً له. من ناحية إيران هي ترى فيه انتصاراً لها لأن العالم ممثلاً بالقوى العظمى يعترف بحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية، بما في ذلك الاستمرار في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، وعملياً هذا يضعها على قائمة الدول النووية، ويتيح لها إن شاءت لاحقاً امتلاك أو تطوير قدرات نووية عسكرية. كما أن رفع العقوبات جزئياً عنها يعزز فرص تطوير اقتصادها وعودة التبادل التجاري مع دول العالم، وزيادة حصتها في إنتاج البترول، وأول البشائر ارتفاع قيمة العملة الإيرانية بنسبة 3% في اليوم التالي للاتفاق.

ومن ناحية الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة وحليفاتها، فهذا يعني منع إيران من امتلاك النووي لأغراض عسكرية، وهذا الاتفاق يمنع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة لا تتجاوز 5% والتحكم في مخزون اليورانيوم المخصب إلى درجة 20% أي الدرجة العسكرية، والعمل لاحقاً على تخفيف الدرجة لما هو أقل من 5%، وعدم تركيب او استخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وعدم تشغيل مفاعل المياه الثقيلة في أراك، والذي كان موضع خلاف بين القوى الكبرى دخلت فيه السعودية وإسرائيل على الخط. ويمكن اعتبار ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، هو الأقرب للحقيقة، فالاتفاق يستند إلى أفكار الرئيس فلاديمير بوتين، وأنه لا يوجد خاسر في الاتفاق والجميع رابحون.
الغضب الإسرائيلي مفهوم، لأن إسرائيل تصر على عدم امتلاك أي طرف في الشرق الأوسط للتكنولوجيا النووية، بما في السلاح الذري، عداها، وهي تعتبر الاتفاق خطأ تاريخياً، قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي يشمل تركيا والسعودية ومصر على حد تعبير وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان. ولكن هناك بُعداً آخر له علاقة بأجندة الحكومة السياسية التي وضعت الملف الإيراني على رأس أولوياتها، واستعدت للذهاب بعيداً إلى مستوى التحضير لشن عدوان عسكري على إيران. والآن ستجد هذه الحكومة نفسها مع الأجندة التي حاولت التهرب منها طوال الوقت، وخاصة ملف الصراع والعملية السياسية مع الفلسطينيين، وأيضاً القضايا الاقتصادية - الاجتماعية التي تشغل بال المواطنين.
ومن الآن بدأت إسرائيل في مواجهة مشكلاتها بعيداً عن ملف إيران الذي سوي بطريقة مخالفة لما تريد إسرائيل، وكانت أولى هذه المشكلات مواجهة العقوبات الأوروبية المتعلقة بالموقف من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، والتي تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان. وكل محاولات إسرائيل للتملص من هذه العقوبات، أو للتخفيف منها وتحويلها إلى مجرد مواقف سياسية عامة وغير جدية، لم تنجح، وها هي الحكومة الإسرائيلية لا تعرف ماذا تفعل بالموقف الأوروبي الصارم تجاه مشاركة إسرائيل في مشروع البحث العلمي المسمى "اريزون 2020"، حيث تعني المشاركة الإسرائيلية في هذا المشروع الحصول على تمويل بقيمة 500 مليون يورو. فالأوروبيون يصرون على عدم انتفاع أي مؤسسة علمية تنشط في المستوطنات في الضفة والقدس والجولان من هذا المشروع. وقد اجتمعت الحكومة الإسرائيلية بصورة طارئة أمس لمعالجة هذا الموضوع، فهي بين نارين، وعليها اختيار أحد خيارين أحلاهما مر، إما أن تتخلى عن المشاركة في المشروع وتفقد تمويلاً ضخماً ومهماً جداً لها، وإما أن ترضخ لشروط الاتحاد الأوروبي وهذه ستكون مقدمة لتراجع سياسي قد يمس بالائتلاف الحكومي، ويقود إلى خطوات أخرى تعيق حرية الاستمرار في المشاريع الاستيطانية.
لن تكون أيام بنيامين نتنياهو سهلة بعد فقدان الذريعة الإيرانية، وبعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة على خلفية هذا الموضوع، وقد يكون ما حصل مقدمة لتوترات إضافية مع واشنطن وخاصة بالملف الفلسطيني، حيث كانت الصفقة مع إدارة الرئيس باراك أوباما على تقدم في ملف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مقابل معالجة الملف النووي الإيراني. ويبدو أن أوباما لم يعد يكترث لطلبات نتنياهو ولديه اهتمامات أخرى داخلية أكثر ولا يستجيب لمحاولات إسرائيل توريطه في حروب ومواجهات جديدة. ويبدو أن التغيرات الجوهرية في خارطة موازين القوى الإقليمية والدولية تصب في غير صالح إسرائيل ولو نجحت الجهود الروسية والدولية في عقد مؤتمر جنيف 2 بشأن سورية وتم التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة ستتعاظم قوة وتأثير محور روسية - إيران - سورية - حزب الله، خصوصاً بعد النجاحات الروسية المثيرة في كل الملفات.
المشكلة في موقف الدول العربية من تسوية قضية النووي الإيراني، فهو موقف مليء بالتناقضات وتضارب المصالح، ففي الوقت الذي تعارض فيه السعودية بشدة الاتفاق الدولي مع إيران، نجد أن دولاً خليجية أخرى تؤيده وترحب فيه مثل الإمارات والبحرين. وليس مفهوماً لماذا تقف بعض الدول العربية ضد حصول دول مثل إيران على حق الحصول على التكنولوجيا النووية. فإذا كانت تخشى من إيران فمن الأفضل أن تحصل هي أيضاً على التكنولوجيا النووية، فما الذي يمنع السعودية من تركيب مفاعلات نووية لأغراض سلمية وتحصل على الطاقة النووية لتحلية مياه البحر وإنتاج الكهرباء مثلاً، وماذا يمنع مصر والجزائر وغيرهما من الحصول على هذه التكنولوجيا بما فيها القدرة على تخصيب اليورانيوم لمستوى يؤهلها لاحقاً للحصول على قدرات عسكرية طالما إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً على الأقل لفرض معادلة تتيح تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي والأسلحة غير التقليدية، وما بدأ في سورية يجب أن يستكمل في إسرائيل وغيرها فأين العرب من ذلك اليوم؟

أشرف العجرمي