القيادة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، في الحكومة، كما في بعض المعارضة، جميعها رأت في توقيع الاتفاق حول الملف النووي الايراني بين ايران والدول الست الكبرى، أمراً سيئاً وخطيراً جداً، وتتفق قوى اخرى مع هذه الرؤية من زاوية اخرى، مكمن الخطر بالنسبة للقوى الاخيرة المشار اليها، ان هذا الاتفاق وضع اسرائيل، وهو امر نادر، في عزلة دولية، ليس الا من قبل حلفائها التقليديين، وباتت اسرائيل وحدها تقريبا تقف في وجه هذا الاتفاق، مكمن الخطر، كما يرى هؤلاء ليس بسبب التوقيع بحد ذاته، ولكن لأن ذلك سيخلق انقساما داخليا اسرائيليا وتوج بحصار سياسي من المجتمع الخارجي.
الخطر يكمن ايضا، بنظر العديد من القوى والشخصيات الاسرائيلية، في ان نتنياهو بات بلا شعارات خطابية انتخابية، واجندات تلتف الجماهير الاسرائيلية من حوله وحولها، كما فعل عندما وضع المواجهة مع ايران، كأولى أولوياته وأولويات حكومته، أو كما يقول بعض الإعلاميين في إسرائيل فإن نتنياهو فقد "مسدس العاب الاطفال" الذي كان يشهره في وجه ايران، كشكل من اشكال السخرية من امكانية ان تقوم اسرائيل بمواجهة عسكرية منفردة ضد ايران، والآن، وفقا لهذه الاراء، فإن نتنياهو بات يغرد خارج السرب، وفقد قدرته على التهديد الا باعتبار ذلك مجرد وقاحة مكشوفة، اذ كيف سيحارب ايران، بينما كبرى دول العالم، توقع معها الاتفاقيات وتتخذ موقفا سلميا تفاوضيا ازاء الملف الايراني، ما من شك ان مثل هذه التهديدات هي مجرد شعارات عبثية مجنونة، اذ ليس لاسرائيل القدرة على ان تبدأ خطوة اولى نحو مواجهة فعلية مع ايران في ظل تحالف دولي يحتضن ايران بعد ٣٤ عاما من الجفاء والعداء!!
مكمن الخطر، ليس كما يراه نتنياهو وحاشيته، ولكن لان اسرائيل اخذت موقفا سافرا ضد ادارة اوباما، ادارة صديقة وحليفة للدولة العبرية، ففي حين اعتبرت ادارة نتنياهو هذا الاتفاق، خطرا ليس على اسرائيل فحسب بل على المجتمع الدولي والغربي على وجه الخصوص، فإن ادارة اوباما اعتبرته انتصارا كبيرا، ولهذا الامر، استغل اوباما، ساعة غير تقليدية، ليخرج في وسائل الاعلام الاميركية المتلفزة ليزف للاميركيين التوقيع على الاتفاق، في اشارة واضحة الى ان الرئيس الاميركي يزف الى شعبه انتصارا باهراً، في وقت استمرأ فيه نتنياهو الندب والنحيب مع اشارات ضمنية الى أن اميركا تخون حليفتها اسرائيل، مكمن الخطر هذا، سببه نتنياهو بالدرجة الاولى، لانه يعلم كما يعلم الجميع ان استطلاعات الرأي الاميركية اشارت الى ان اغلبية اميركية مؤيدة للاتفاق، كما ان هذه الاغلبية ترى ان مصالح اميركا قد اخذت بالاعتبار، وان ايران، رغم التهويل، تراجعت وانها باتت مقيدة اكثر من اي وقت مضى في المضي قدما نحو التسلح النووي، وربما يرى بعض الاميركيين ان هذه المرة، خذلت فيها اميركا حليفتها لصالح مصالح الشعب الاميركي بينما كانت دائما، تؤثر الوقوف مع اسرائيل، على الخطأ والخطيئة، على حساب المصالح الاميركية وعندما حدث العكس، جن جنون الادارة الاسرائيلية التي ترى مصالح الدولة العبرية فوق كل مصالح الاخرين، بمن فيهم الحلفاء في اميركا والدول الكبرى!!
والغريب، كما يرى البعض، ان نتنياهو، هو ذاته جرب مرة واحدة على الاقل، ان واشنطن يمكنها ان تردع اسرائيل اذا شعرت ان مصالحها الاستراتيجية الكبرى في موقع الخطر، كان نتنياهو العام ١٩٩١ نائبا لوزير الخارجية، عندما قامت الحرب العراقية - الدولية، عاصفة الصحراء، حينها فرضت اميركا على اسرائيل عدم الرد على الصواريخ العراقية، واضطر نتنياهو، اسوة بكل زعماء اسرائيل في ذلك الوقت وعلى رأسهم رئيس الحكومة اسحق شامير، الى لبس الكمامات الواقية عوضا عن الرد على الصواريخ العراقية التزاما بارادة واشنطن ومصالحها بالدرجة الاولى.
على ان نتنياهو قد يستشعر الخطر من ناحية مختلفة، ذلك ان اجتماع ارادة قادة العالم الستة، على الرغم من اسرائيل، قد يتكرر على ملفات اخرى، ومن بينها ملف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، هناك دعوات فلسطينية في الواقع تدعو الى تكرار ذلك على هذا الملف، لكن الامر ليس كذلك، فهذه الدول الكبرى ترى مصالحها، وهذه المصالح طالما ليست في خطر، فإن دعمها لاسرائيل على هذا الملف لن يتأثر الا بحدود لا تشكل خطرا حقيقيا على دولة الاستيطان الاسرائيلية، ومن الصعب ان ترى ان مصالح هذه القوى بات مهددة من قبل المنظومة العربية طالما هذه المنظومة غير مستقرة، وما زالت بحالة من العجز والهوان، بحيث انها لا تقف في وجه مصالح الدول الداعمة لاسرائيل، لان هذه المنظومة لا تزال بحاجة الى دعم القوى الغربية للوقوف في وجه الثورة العربية الجديدة التي تهدد استقرار مشايخ وامراء وسلاطين ورؤساء هذه المنظومة!
hanihabib272@hotmao.com
هاني حبيب


