المستشار الاعلامي لرئاسة الحكومة بغزة
يقول صمويل هنتغتون في كتابه الشهير ( صدام الحضارات ) عليك ان تعرف من " نحن " حتى تعرف من "هم" ، اذ يرى ان كلمة "نحن" تعبر عن الاطار الذي ينتمي اليه الفرد والجماعة او الدولة التي هي الاطار الجامع والموحد والتي تشكل مجموعة دول الامة او "الحضارة" بمفهوم هنتغتون.
وقد لا نبتعد كثيرا عن هذا التوصيف في اطار الرؤية الاسلامية فإن الـ " نحن " الخاصة بنا هي كبيرة بل كبيرة جدا واتساعها برقة الكرة الارضية وتمر بعدة دوائر اولها الوطن وثانيها القومية وثالثها الامة الإسلامية فكل مسلم هو اخي في العقيدة وكل عربي اخي في القومية وكل فلسطيني هو اخي في الوطن له حق المواطنة كاملا بغض النظر عن دينه.
كما تعلمنا في مدرسة حماس ان " هم " او الاخر الذي يشكل النقيض او التناقض مع الـ " نحن " الخاصة بنا ويقف معها في خانة العداء هو الاحتلال الصهيوني الذي احتل ارضنا وهجر اباءنا وسلب حقوقنا ويقتلنا ليل نهار بل يحاول ان يفتت الـ " نحن " التي ننتمي لها الى جزيئات متناثرة متصارعة، مستند الى مبدأ استعماري قديم " فرق تسد " ويعتمد في بقائه على استمرار تشظي الـ " نحن" العربية والاسلامية بل حتى في دائرتها الفلسطينية الضيقة.
وبالتالي فإن مصر وفق منهجنا ومدرستنا لا تقع في معسكر " هم " وانما جزء اصيل من دائرة الـ نحن الواسعة التي ننتمي لها وهي الامة بشقيها المتكاملين العربي والاسلامي لذا فإن أي صراع داخل الـ " نحن " لا يخدم ولا يتطابق مع المفاهيم التي نتحرك بناء عليها والاستراتيجية التي تسير عليها حركة حماس والتي أكدت منذ انطلاقتها حرصها على علاقة متوازنة مع الانظمة العربية والاسلامية كافة بغض النظر عن مدى البعد او القرب الايدلوجي مع هذه الانظمة لادراك حماس بمدى الحاجة الى تمتين وتقوية دوائر الـ " نحن " في مواجهة دائرة " هم " المحددة بدقة لدينا ، بل ان ميثاق حماس الصادر عام 1988 وصف مصر بالشقيقة الكبرى في وقت من المفترض ان التباين كان على اشده بين منهج كامب ديفد الذي تبنته مصر مبارك بل وشكلت له عنوانا ومدخلا الى المنطقة وبين برنامج المقاومة الذي تحمله حركة حماس .
كذلك استطاعت حماس ان تنسج علاقات متينة مع دول مثل سوريا وتواجدت فيها لسنوات طوال في وقت كان يجرم فيه الانتماء الى الاخوان المسلمين في سوريا ولم تخف حماس في لحظة من اللحظات انتمائها الفكري لهذه الجماعة بل عبرت باعتزاز وافتخار عن هذه الاصول والمرجعية الفكرية.
ولعل المتابع للخط البياني للعلاقة بين حماس ومصر يمكن ان يلمس عددا من المؤثرات واللاعبين الذين يحاولون زرع الفتنة وبذر الشقاق بشكل لا يخدم سوى اعداء هذه الامة والمشروع الاستعماري فيها الذين يسعدهم الفرقة ويسؤهم ملامح الوحدة والاتفاق لأنها تعيد بناء الـ " نحن الكبيرة " .
ومن خلال بعض الكتابات والتصريحات في وسائل الاعلام المختلفة يمكن قراءة تيار واضح داخل حركة فتح اعمته العصبية الحزبية وربما المصالح الشخصية التي ارتبطت بالاحتلال عن رؤية المصلحة الوطنية الكامنة في وحدة الصف فراح هؤلاء النفر يذكون عناصر الانقسام الداخلي بين فتح وحماس ويغلقون كل باب نحاول فتحه من أجل تحقيق المصالحة الحقيقية بل ويحاولون تعميق كل ما يمكن ان يبدد حالة الخلاف بين الدولة المصرية وحماس الحكومة والحركة، ظنا ان هذا يمكن ان يؤدي بالمحصلة الى عزل الحركة عن محيطها العربي والاقليمي ويساهم في انهيار مشروعها ورفعها الرايات البيضاء ، غير ان هذا الوهم لن يتحقق بإذن الله .
ان هذه القراءة الخاطئة والمراهنة على اساءة العلاقة الحمساوية المصرية عبر ضرب كل محاولة لرأب الصدع يمكن تلمسها بوضوح منذ خطاب رئيس الوزراء الاخ ابو العبد والذي قدم فيه رؤية واضحة لإنهاء الانقسام الداخلي وأرسل رسائل صريحة للدولة المصرية تضمنت مفردات المنهج الذي تسير عليه حركة حماس دون لبس او غموض والقائم على الـ " نحن " بصورة واضحة ولا ولم ولن يضع مصر في أي من عصورها في خانة " هم " أبدا. وهنا نستهجن بعض الاقلام المسمومة التي حاولت التقليل من المعنى العظيم الذي قصده رئيس الوزراء حينما وصف ما يجري مع مصر بأنه عتاب متبادل في محاولة منه لتهدئة الخواطر وتبريد الملفات الساخنة وتعزيز خطاب التصالح الامر الذي لم يرق لصناع الفتن والذين يعملون لحساب الجهات التي استمرأت صناعة المؤامرات على حساب معاناة الشعب وعذاباته ، وهي ذاتها الجهات التي تغضب حينما تسوى العلاقة بين حماس ومصر وبين حماس وأشقائها العرب وتود رؤية المنادب والعويل والمعارك الجانبية، وهي بالتالي تصطف بدائرة " هم " فبؤست هذه الدائرة ومن فيها.
وأستطيع ان اؤكد بوضوح وكلمات لا تقبل التأويل ان علاقة حماس بمصر قائمة على عدة اصول اهمها الانتماء المشترك لذات الامة والتاريخ والعقيدة ومن هنا فإستراتيجية حماس تجاه مصر هي التعامل مع مصر الدولة مصر المؤسسة مصر ارادة الشعب وخياره، ولن تكون حماس جزءا من المعادلة المصرية الداخلية او ان تقامر بمصلحة شعبنا لأي سبب منطلقه مفهوم او مضمون حزبي لأننا نؤمن وندرك ان قوة الامة في وحدتها وان أي حالة صراع داخلي فيها يؤدي حتما الى حالة من الضعف ولذلك حريصون على ان لا يكون لنا أي شكل من اشكال الصراع والخلاف مع أي قطر عربي أو إسلامي بل ونسعى لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي من شأنه اشغالنا عن اهداف شعبنا الكبرى.
ولا اخفي مشاعر الحزن والغضب ونحن نتلقى انباء الدم الواردة من مصر الحبيبة ولا نفرق من أي جهة كانت لان الدماء تذكي الصراعات ويحدونا الامل بوحدة الصف المصري ورأب الصدع وحقن الدم وزوال الانقسام الداخلي على خير ما ينفع مصر لان مصر امل هذه الامة ورأسها فإذا ما تعافت وقويت فأمتنا قوية متعافية عزيزة لنكون ومصر وامتنا في دائرة الـ " نحن الكبرى " ولا نجزئ هذه الـ " نحن " الى حماس ومصر فكل خلاف يذوب في دائرة المصلحة الواحدة .
اما اذا اخطأ احدنا في قراءة هذه الـ " نحن " فهو تلقائيا يعمل من اجل الـ " هم " ويتماهى مع اهدافهم ويفتح الباب امام شر على الامة لا احد يعلم منتهاه إلا الله.


