خبر : مصر وإيران إعادة تقييم ...غشان زقطان

الإثنين 25 نوفمبر 2013 01:25 م / بتوقيت القدس +2GMT



لم يكن مقبولا أن ينفض اجتماع جنيف حول المشروع النووي الإيراني دون اتفاق، روحاني جاء ليعيد تدوير العلاقات الإيرانية مع العالم بعد سنوات التصعيد التي أدارها نجاد خلال ولايتين متعاقبتين تخللهما شبهات عميقة بالفساد والتزوير، خامنئي الذي احتضن محمود نجاد، الذي وصل إلى حكم الجمهورية الإسلامية مع دائرة تحيط بصورته خلال اقتحام السفارة الأميركية في سنوات الثورة الأولى، واطلق له الحبل وبارك سياساته قبل أن يطيح به، هو نفس المرشد الذي ربت صبيحة أمس على كتف روحاني بنفس المودة تقريبا، مباركا الاتفاق الموقع مع "الشيطان الأكبر" وحلفائه الغربيين

"روحاني" القادم من عباءات الملالي يحاول منذ اللحظة الأولى فتح ثغرة في الحصار ليدخل جنة العالم الغربي، استطاع أن يتقدم خطوة واسعة للأمام وان يقدم وجها مختلفا للجمهورية الإسلامية.
بينما "كيري" الذي يبدو أنه ينجح في إزالة الغام الأزمات الكبرى في المنطقة، أو على الأقل، يضمن ممرا آمنا بينها، يقترح على الولايات المتحدة والعالم دورا مختلفا للقوة العظمى تحت الإدارة الثانية للديمقراطي "أوباما"، الدور المقترح هو ببساطة تبريد الأزمات وبناء تحالف دولي متماسك حول كل ملف على حدة دون التخلي تماما عن التلويح بالذراع الطويلة للأسلحة الأميركية التي تجوب العالم في دورية دائمة.
كان هذا واضحا في معالجة ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا وفي الإعداد لـ "جنيف 2" السوري، التبريد هنا يكمن في غموض الاتفاقيات ومنحها قوسا واسعة ومتعددة من القراءات، ولكنه يتكئ على مصالح الأطراف جميعا بتفاوت يحدده ميزان القوى على الأرض.
في مصر التقطت مؤسسة الجيش الكرة بيدين خبيرتين، وبعكس الإيرانيين يرغبون هنا في الخروج من "الجنة" الأميركية التي علق بها الإخوان دون أن تتقرب منهم الحوريات، استطاعت المؤسسة العسكرية أن تنفذ من الثغرة في السياج الأميركي المحكم منذ اتفاقيات "كامب ديفيد"، الثغرة التي يتم توسيعها حاليا وتحويلها الى رأس جسر تخرج منه مصر من دورها المرسوم لتستعيد دورها في قيادة العالم العربي من موقعها الجديد، المستعاد، كقوة اقليمية فاعلة، رغم حرب الاستنزاف التي تشنها جماعة الإخوان المسلمين من أنقرة الى السودان وقطر، وأذرعتها العسكرية في سيناء.
"كيري" أيضا التقط الإشارة المصرية وهو يتابع برنامج وصول الروس وملفاتهم الجديدة الى القاهرة، بينما ينهار الرهان الأميركي على مشروع الإخوان في مصر ويترنح في تونس ويتعثر في سياق كامل من الأخطاء في سوريا، وزير خارجية الولايات المتحدة هو الذي قال: "ان الإخوان سرقوا ثورة الشباب المصري" وليس عبد الفتاح السيسي، مطلقا بذلك رصاصات كثيرة على حقبة التحالف مع الإسلام السياسي في المنطقة العربية ومسدلا طرفا واسعا من الستائر على قصة صعودهم في الإقليم، وهو اتفاق آخر لا يقل اهمية عن تبريد الملف الإيراني.
نتنياهو وحكومته فقط واصلا الصراخ خارج الغرفة، ولم تجد الرسوم التوضيحية للقنبلة النووية الإيرانية التي اشهرها نتنياهو في الأمم المتحدة في اقناع العالم بتشديد العقوبات على الإيرانيين، ولم تنجح عملية التسخين المدروسة التي كانت تنطلق من تل أبيب بشكل دوري حول هجوم وقائي اسرائيلي، لم يبد على بوتين أي تأثر خلال الاستعراض الإسرائيلي، والأهم انهم في البيت الأبيض لم يصغوا للنشيد المعد في اسرائيل، حتى محاولة اختراق الموقف الغربي عبر الاحتفاء بالموقف الفرنسي وتمييزه لم تأتِ بالثمار المرجوة، ما يعزز عزلة السياسة الإسرائيلية ومصداقيتها المتآكلة في المنطقة والعالم، المتابع للهستيريا الإسرائيلية التي تراوحت بين وصف الاتفاق بـ "الخطأ التاريخي" إلى "الصفقة الرديئة" وصولا الى "اتفاق لا يلزمنا"، سيصل الى قناعة بسيطة واساسية في أن ثمة ما يتغير في السياسة الدولية.
ما زالت ايران تحتل الجزر الإماراتية في الخليج وما زالت تحرك الأقليات والأكثريات في المنطقة تحت شعارات طائفية، من الحوثيين في اليمن حتى حزب الله في لبنان مرورا بالعراق الذي افسدت حياته السياسية، ما زالت ايران تقلق الخليج، السعودية على وجه الخصوص، ولم يتطرق الاتفاق مع الغرب الى اشارات حول هذا الدور، رغم تطمينات كيري لإسرائيل و "شركائنا" في المنطقة.
ولكن ثمة اشارة يمكن التقاطها من كل هذه الفوضى وهي قدرة الإرادة الدولية، اذا توفرت، على فرض حلول سياسية ومعالجة أزمات مزمنة، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يقرأه الفلسطينيون الذين يخوضون صراعا وجوديا مع سياسات الاحتلال، ويمكن هنا الاتكاء بقوة على نقطة الإجماع الدولية المتحققة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وادانة الاستيطان، وقرار المقاطعة الأوروبية الذي شكل سابقة ينبغي البناء عليها.