خبر : أين فلسطين في اتفاق إيران مع الغرب؟ ...بقلم: د. خالد الحروب

الإثنين 25 نوفمبر 2013 01:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
أين فلسطين في اتفاق إيران مع الغرب؟ ...بقلم: د. خالد الحروب



من المشروع تقديم السؤال التالي والذي يتطلب إجابة من الإيرانيين الذين فاوضوا الغرب ووقعوا على اتفاق معه حول الملف النووي: أين كانت فلسطين في أجندة المفاوضات ونتيجتها، خاصة وان الخطاب الإيراني "المقاوم والممانع" اعتمد مناصرة فلسطين والفلسطينيين ومعاداة إسرائيل كحجر الأساس في كل التعبئة والدعائية الرسمية وغير الرسمية، وارتبط ذلك بشكل مبطن بالحق في امتلاك القدرة النووية؟ إذا كانت فلسطين، وكما دأب ذلك الخطاب على التوكيد والقول، قضية المسلمين الأولى، وقضية إيران الأولى تبعا لذلك، فلماذا لم تبرز في جدول أعمال المفاوضات مع القوى الكبرى؟ لماذا لم تضع طهران ولو شروط الحد الأدنى من مثل تطبيق الشرعية الدولية والقانون الدولي في القضية الفلسطينية، وتربط تنازلاتها في الملف النووي ببروز سياسة غربية جديدة إزاء فلسطين والفلسطينيين؟ ولماذا ينزوي خطاب المقاومة والممانعة عندما يجد الجد مع الغرب، الداعم الرئيس لإسرائيل، ولا نرى على طاولة التفاوض إلا المصالح الإيرانية القومية البحتة؟ كيف نوائم بين خطاب المقاومة والممانعة الذي توجهه طهران نهارا وليلا إلى "الجماهير الإيرانية والعربية" معاً، والخطاب البراغماتي القائم على التقديرات الاستراتيجية للمصلحة القومية الإيرانية؟ من ناحية سياسية بحتة وتحليل بارد نفهم انهماك طهران وتركيزها المطلق على مصالحها السياسية والاقتصادية ومحاولة تعظيم ما يمكن أن تحققه في المفاوضات والصفقة مع الغرب. وربما لم يكن لأحد أن يطلب منها غير ذلك لولا أنها تتشدق بخطاب "المقاومة" الذي ضلل ولا زال يضلل الملايين في المنطقة ثم لا يلبث أن يتبخر عندما تأتي أي لحظة اختبار جدية، كما الآن.

من حق كثيرين أن يسألوا أيضا أنصار إيران وأنصار خطابها الادعائي حول المقاومة والممانعة عن موقف البلد القائد وشطبه القضية الفلسطينية في الأجندة التفاوضية، ولماذا تتبخر هذه القضية في الممارسة السياسية الإيرانية عند اللحظات الحاسمة، ثم نراها تشتعل من جديد عندما يكون الظرف محملا بالمزايدة اللفظية والعنتريات اللغوية؟ لماذا لا يظهر هذا الخطاب في السنوات الأخيرة إلا في سورية ولمناصرة النظام الأسدي ضد شعبه، وما هو نوع "المقاومة والممانعة" الذي تجسد هناك سوى الوقوف ضد حرية الشعب السوري وتحرره من النظام المستبد والبائس، ثم تسليم السلاح الاستراتيجي الكيماوي للغرب، والاستسلام الكامل للضربات الإسرائيلية المتلاحقة من الحين للآخر؟ من حق كثيرين القول الآن إن الموضوع الفلسطيني وكل خرافة المقاومة والممانعة في الخطاب الإيراني، كما هي في الخطاب الأسدي، لم تكن يوما سوى توظيف سمج ومتواصل لقضية تحظى بتعاطف الملايين. وأن وطأة تلك القضية تجعل من أولئك الملايين يواصلون إعطاء الفرصة تلو الأخرى لكل من يتشدق بها، بما في ذلك طهران.
من حق كثيرين أن يتساءلوا لماذا لم تضع طهران شروطا إقليمية تخدم فلسطين والفلسطينيين على طاولة المفاوضات في الوقت الذي تضع إسرائيل فيه شروطها عبر ممثليها غير المباشرين، سواء أكانوا الأميركيين أم الألمان، بل ومن خلال الرئيس الفرنسي نفسه الذي صار يتحدث بلسان نتنياهو في المفاوضات وليس بلسان مصالح فرنسا؟ حتى من ناحية براغماتية وسياسية ومصلحية بعيدة عن المبادئ وادعاءات خطاب المقاومة من حق كثيرين أن يتساءلوا عن هذا الغياب الفاضح لكل ما له علاقة بفلسطين والقضية الفلسطينية والاختفاء "الكلاني" لها عن أجندة الاهتمام الإيراني.
مرة أخرى تتبدى السياسة الإيرانية في جوهرها الحقيقي وهو أنها مُقادة ببوصلة المصلحة القومية الإيرانية لا اكثر ولا اقل. واحد جوانب هذه المصلحة القومية هو الدفاع عن مصالح إيران وتكريس الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة. وهنا لا يمكن الاعتراض على الجزء الأول من هذا وهو الدفاع عن المصالح الحيوية لإيران لأن ذلك ما يجب أن تقوم به كل دولة وكل نظام في أي بلد. لكن الاعتراض على سياسة إيران الراهنة في المنطقة تأتي من زاويتين: الأولى وهي أن هاجس تكريس الدور والنفوذ يُترجم على الأرض تدخلا في دول الجوار العربي وتجييش الشيعة العرب وفق تقسيمة طائفية بشعة في كل دولة يتواجد فيها شيعة. والزاوية الثانية هي امتطاء خطاب المقاومة والممانعة وتصدر جبهة العنتريات اللفظية في ما يتعلق بفلسطين وما ينتج عن ذلك من عسكرة وانقسامات في المنطقة. ذلك انه من لبنان و"حزب الله" إلى فلسطين حيث "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وصولا وليس انتهاء إلى اليمن والحوثيين، عملت إيران على تعميق الخلافات الداخلية وتقويض الوحدات الوطنية وشراء الولاءات وخلق تيارات تابعة لها تحت شعار المقاومة. ومن جوانب الكوميديا السوداء أن بعض الناطقين باسم الحركة الحوثية يضمن دعم المقاومة في فلسطين ومواجهة إسرائيل في تصريحاته هنا وهناك!.
وتحت شعار المقاومة شغلت إيران ماكينتها الدعائية بل وأنشأت جيش القدس الذي لم نر أفراده وضباطه وقادته يخططون ويقاتلون في العراق وسورية ولم يطلق رصاصة باتجاه القدس. بل شهدناه ينشط ويقاتل في الجوار العربي. لماذا تتدخل طهران في الشأن العراقي الأمني والعسكري وتسيطر عليه مستخدمة اسم "القدس" ولماذا تنشط في قتل السوريين وتقف بالطول والعرض مع نظام فاسد ومُستبد وكل ذلك تحت وباسم "القدس"؟ ثم عندما تجلس مع كل القوى الكبرى في العالم والتي تخشى برنامجها النووي وتتجه نحو صفقة كبرى مع تلك القوى فإنها تترك القدس وأهلها خارج قاعة المفاوضات وترتد إلى مصلحتها الإيرانية الصرفة والعارية؟ قد يُقال هنا إن إيران لا تستحق أن تُلام على ذلك أنها وكأي دولة في العالم وكأي لاعب سياسي في أي مكان تحاول أن تستخدم كل ما تستطيع من أوراق لتعظيم مصالحها القومية والإقليمية، وأنها تقدم وتؤخر استخدام تلك الأوراق بحسب ما تراه مناسبا زمانا ومكانا. وان اللوم وأصابع الاتهام يجب أن تتوجه إلى أولئك الذين ما زالوا يركضون خلف إيران ويرددون في ببغائية عمياء خطابها الادعائي حول المقاومة وفلسطين. على هؤلاء أن يتدبروا القراءات الإسرائيلية التي تتوافق ومنذ سنوات طويلة على أن إيران لا تفكر في خوض أي معركة مع إسرائيل، وان ذلك آخر همها. وان العين الإيرانية والنفوذ الإيراني متوجهان للمنطقة والجوار العربي أولا وثانيا وأخيرا. وان كل مزايدات نتنياهو واليمين الإسرائيلي هدفها رفع سقف المفاوضات وتعكس الهوس على إبقاء إسرائيل الدولة الأولى في المنطقة من ناحية النفوذ والسيطرة، وليس خوفا من توجه الصواريخ النووية الإيرانية إلى إسرائيل لأن ذلك ليس واردا في الأجندة الإيرانية العسكرية أساسا، كما أن فلسطين كلها ليست واردة في الأجندة الإيرانية السياسية كما رأينا سابقا وكما نرى اليوم.
Email; khaled.hroub@yahoo.com