خبر : الربيع العربي: ديمقراطيون بلا ديمقراطية ...بقلم: الدكتور عاطف أبو سيف

الإثنين 25 نوفمبر 2013 01:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
الربيع العربي: ديمقراطيون بلا ديمقراطية ...بقلم: الدكتور عاطف أبو سيف



لم تهدأ الرياح العاتية التي عصفت بالشواطئ العربية بعد، ولم تخمد حدة النيران التي اشتعلت في العواصم العربية مهددة استقرار نظم نجحت في المسك بالحكم عقودا طويلة، مسخرة قدرات وموارد شعوبها لخدمة مصالحها، ومحولة البلاد إلى شركة استثمار شخصي للرئيس أو الحاكم وزبانيتهما.

ولم يكن من الممكن أن تحدث ثورات الربيع العربي لولا توفر الشروط الناضجة التي جعلت فرص خروج المواطنين للشارع مطالبين بإسقاط النظام ممكنة.
صحيح أن هؤلاء المواطنين الغاضبين لم يتمكنوا في الكثير من الحالات من الإطاحة بالنظام ولا بشخص الرئيس في كل الحالات، إلا أن حقيقة خروج المواطنين للشارع وإيمانهم بحقهم اولاً وبقدرتهم ثانياً على إحداث تغير في نظام الحاكم تصبح فيه الدولة ملكاً لهم وليسوا هم ملكاً للدولة، هو الإنجاز الذي يشكل نواة التحول الديمقراطي الحقيقي.
لم يذهب كل الرؤساء الطغاة في البلدان العربية، وهم كثر، كما لم تنعم كل بلدان الربيع العربي برياح التغير ولا حتى هبت على بعضها نسمة واحدة، إلا أن شعور الناس بأن التغير ممكن هو جوهر الحديث عن الربيع العربي.
لقد عمدت النظم الشمولية إلى تحويل المواطن إلى أداة في ماكينة السلطة لا يساهم بأي شكل، إلا عبر الخنوع والقبول، في الحكم من مدخلات ومخرجات.
إن هذا "القطيع الحائر" بكلمات والتر ليبمان الذي هو الجمهور يجب أن يبقى في مكانه حتى تعيش الدولة بما هي عليه من نخبة تتحكم بها بهدوء وأمان.
على هذا القطيع الحائر أن يبقى دائماً "جمهوراً متفرجاً على الأداء" بعبارات "ليبمان".
إن قوة الدولة على إلزام مواطنيها بالسمع والطاعة لم تخضع يوماً للجدل بوصف أن هذا الإلزام لا يتحقق بالضرورة عبر الإكراه القسري، بل أيضاً يتحقق عبر مشاركة هؤلاء الناس بوصفهم مواطنين في صناعة القرارات وتحديد هوية مؤسسات الحكم.
لكن ما هو في قلب النقاش الديمقراطي والأخلاقي هو تحويل المواطنين إلى كمبارس لا ينعم بأية بطولة مطلقة في الحكم، كما هي الحال في النظم الشمولية.
إذا كان هذا ربيعا للشعوب العربية التي أعادت اكتشاف نفسها واعادت اكتشاف القدرة الكامنة فيها، حتى لو لم تنجح هذه القدرة على إحداث التحول المطلوب، لأن الكثير من الظروف رغم نضوجها لم تكن ناضجة بشكل كافٍ. فليس التحول الديمقراطي عملية تحول داخلية فقط بمعنى أن الانتقال من النظم الشمولية التوليتارية إلى النظم الديمقراطية – وإن بدرجات متفاوتة- لا يتم فقط عبر عمليات متبادلة بين فاعلين محليين من احزاب وتنظيمات مجتمعية ونخب حاكمة؛ إنه إلى جانب ذلك، في جزء كبير منه، نتاج عمليات تفاعل خارجية يكون للقوى الخارجية سواء الإقليمية – الجيران المباشرين- او الدولية – القوى الكبرى والمؤسسات الفاعلة في التنظيم الدولي- دور كبير في تحديد مخرجات عمليات التحول.
هكذا كانت الحال في المشهد الليبي من تدخل قوة الناتو، كما أن المشهد السوري ربما يظل النموذج الأنجح حول كيف يمكن للتدخلات الخارجية – بقصد المساعدة او بقصد الانحياز لطرف على حساب الديمقراطية – ان تساهم في إجهاض عملية التحول.
لقد قدمت القوى الإقليمية والدولية عبر تدخلها في سورية شهادة مصبوغة بالدم على آليات تمزيق وحدة الدولة بحجة خلع النظام الشمولي الذي يحكمها؛ فيما عززت التحولات الديمقراطية التي تمت في بلدان كثيرة مثلاً في أوروبا الشرقية من وحدة الدولة التي تتكون من العديد من الاعراق والإثنيات، بل إن الديمقراطية والمطالبة بتحقيقها جاءت منقذة لوحدة الدولة.
كما ان القوى الخارجية – في هذه الحالة الاتحاد الاوروبي عبر معايير كوبنهاجن- ساهمت في ضمان وحدة الدولة وليس تفتيتها كما يحدث في النموذج السوري.
يواجه الربيع العربي الكثير من التحديات التي تحمل في رحمها بذور فشله الذي بات موضع قناعات سائدة، إلا أنه من المبكر إصدار أحكام جهّوية تقتل فرص النضال والكفاح اليومي من أجل تحقيق هذا الربيع لشروط نضوجه الكامل. بالطبع لا يوجد ربيع عربي واحد بل ثمة أكثر من ربيع وبدرجات متفاوتة من بلد لآخر.
لقد اوقعت احداث الربيع العربي المثقف والمواطن سواء في حيرة كبيرة لاسيما في مصر.
حيث تم انتخاب رئيس ديمقراطياً معززاً بمقاعد واسعة في البرلمان تشكل حماية له، ثم خرج المواطنون على بكرة أبيهم مطالبين بخلع الرئيس مسنودين بجيش يحظى باحترام واسع. لينقسم الشارع والمتابع إلى موقفين حول أخلاقية ما حدث ومدى مساهمته حقيقة في إنتاج تحول آمن نحو المسار الديمقراطي.
وكثير من هذا النقاش نابع من الوهم بأن ثمة طريقا سريعا يمكن ان تنطلق منه عمليات الوصول للديمقراطية بأمان ودون عثرات.
والنقاش حول ما يجري في مصر بالطبع يمكن سحبه على ما يحدث في سوريا والآن في تونس أيضاً.
وهو نقاش يتركز على الآليات وليس الغايات. لماذا؟ لأن الغايات باتت معروفة ومتفقا عليها وصارت موضع إجماع إلا من قبل تلك المجموعات الإرهابية التي تحاول مثلاً في الحالة المصرية زعزعة استقرار الدولة وليس البحث عن الديمقراطية، او تلك العصابات في سوريا التي تهدم دور العبادة وتقطع الشجر بحجج فقهية واهية.
إن هذه الغايات هي ما تحافظ على غليان المرجل وعلى استمرار النقاش حول أفضل السبل للوصول إليها.
وعليه فإن الآليات غير المتفق عليها يجب ألا تدمر احتمالية نجاح الغايات.
وهي فكرة بحاجة ربما لنقاش آخر أطول.
إن هذا "القطيع الحائر" وجد ضالته أخيراً في البحث عن مخرج يعيده إلى صناعة الاحداث؛ وليس إلى مجرد التفرج عليها.
لقد أصبح لدينا مواطنون يبحثون عن الديمقراطية، مؤمنون بها، جاهزون لدفع حياتهم ثمناً لنيلها، لكن لا يوجد لدينا رغم ذلك ديمقراطية.
لم نصل للحظة التي يمكن لنا أن نقول إن نظمنا السياسية تحولت إلى نظم ديمقراطية حقيقية.
ويمكن بنظرة خاطفة على الواقع السياسي في بلدان الربيع العربي أن نتيقن من هذه الحقيقة المؤلمة سواء في ليبيا التي ما زالت ترزح تحت كاهل الاقتتال وعدم مقدرة الدولة على فرض قوتها على الجغرافيا بجانب التواجد الخارجي، أو مصر التي مازالت تحاول الخروج من تبعات التحولات المتسارعة والثورات المتعاقبة، أو تونس حيث لا يوجد رضى شعبي عن حكومة ما بعد الانتخابات، واليمن من المبكر الحكم على نجاح التغير داخل النخبة الحاكمة، أما سوريا فتلك قصة مؤلمة.
لكننا في النهاية خرجنا بعد قرابة ثلاث سنوات من الربيع (الربيع ثلاثة أشهر ايضاً) بديمقراطيين وليس بديمقراطية، مع الاعتذار للتحوير في عنوان غسان سلامة وجاكومو لوتشياني "ديمقراطية بلا ديمقراطيين"، لأن هذا هو واقع الحال!!!