خبر : أسئلة محتارة، وشقائق لا بد ستزهر ...بقلم :صادق الشافعي

السبت 23 نوفمبر 2013 01:27 م / بتوقيت القدس +2GMT



تتردد على ألسنة عدد متزايد من الناس أسئلة محتارة من نوع : اليس من الافضل لو استمر الحال كما كان ايام الانظمة العربية المنصرفة؟ الم يكن حالنا رغم صحة ما يقال عن تلك الانظمة افضل مما نحن عليه الآن؟ لماذا يأتي التغيير في بلاد العالم بالتطوير والتقدم وتحسين حياة الناس بينما يأتي عندنا بالقسمة والتناحر وبالتراجع وبالدم في كثير من الحالات ؟

تختلف خلفيات السائلين : البعض يسأل من خلفية الحنين الى ايام الحكم المنصرف والعز والامتيازات التي كان يتمتع بها، والبعض يسأل من خلفية فكرية وسياسية مناهضة لما هو سائد، وهناك خلفيات اخرى ومتنوعة لكن غالبية السائلين تبقى من الناس العاديين الذين خاب املهم، وتعبيرا منهم عن حالة الخوف والقلق على الآمال التي علقوها على التغيير، وعن القهر والاختناق من حال التراجع الذي طال مناحي حياتهم ووجودهم.
في التفاصيل يتساءلون :
- أليس الحق في الحياة هو أول وأقدس حقوق الإنسان، إذن فلماذا يقتُل أهل التغيير، بغض النظر عن موقعهم من الحكم، الناس بيسر وبلا محاكمات وبلا سبب إلا الاختلاف في الرأي والموقف، او بالفكر؟ ألا يزيد عدد من قتلهم أهل التغيير في فترة قصيرة جدا عن عدد من قتلهم النظام المنصرف طوال سنوات حكمه المديدة؟
- أليس في صلب عملية التغيير تمتين وحدة البلاد القطرية الجغرافية والمجتمعية؟ إذن لماذا يترافق مع محاولات التغيير مخاطر تفسخ المجتمع على أُسس عرقية وطائفية ومذهبية ومناطقية وقبلية وولائية، مقرونة في معظم الحالات بالدم؟ ويترافق معها أيضا الخطر المحدق بوحدة جغرافيا البلد
- أليس في صلب عملية التغيير تمتين الاستقلال الوطني، ان لم نقل استعادته في الكثير من البلدان، بعد ان رهنته الأنظمة المنصرفة لقوى خارجية، ورهنت معه ثروات البلاد؟ إذن لماذا نرى قوى التغيير في بعض البلاد تتوسل التدخل الخارجي لدرجة إلغاء الاستقلال الوطني وبعضها الآخر يمكّن القوى الخارجية من ثرواته بأكثر جدا مما كان يفعل النظام المنصرف، ثم تأتي الأسئلة المحتارة ايضا عن التراجع المريع في الخدمات بكل أشكالها، أولها الأمن يتبعه الكهرباء والماء والمحروقات وصولا الى القمامة والمجاري، ناهيك عن الغلاء الفاحش وارتفاع كلفة الحياة بقدر ما تبدو هذه الأسئلة وغيرها من عامة الناس محقة، فإنها تقف دون الوصول الى الحقائق والأسباب
- أول واهم الحقائق، ان التغيير بشكل عام اصبح ضرورة موضوعية. وذلك بغض النظر عن تفاوت درجات إلحاحيته واختلاف أهدافه، وعن تنوع أساليبه وطرقه، فلم يعد ممكنا ولا مقبولا مع كل التغيرات الواسعة والحاسمة التي عمت معظم الكون ان تبقى منطقتنا على نفس الحال الذي ظلت عليه منذ بُعيد منتصف القرن الماضي، ان لم نقل أبعد من ذلك.
- وأول الأسباب، ويتعلق بالأنظمة، هي ان فترة حكمها استطالت الى أزمان طويلة جدا مكنتها من التحكم بالبلاد والعباد الى درجة اقتربت في بعض الحالات من تشكيل النظام وأدواته والمجتمع على مقاسها ومقاس مصالحها، وإذا زاوجنا بين استطالة الحكم واعتماده أساليب القمع والتحكم والمناورة والاستمالة، فإننا ندرك حجم وعمق الخراب الذي أحدثته تلك الأنظمة في البلد وفي المجتمع، وما زرعته من مقدمات لعوامل قسمة المجتمع وتفسخ مكوناته، وندرك ايضا ما أحدثته، بكافة الوسائل، من تشويه في تشكل ونمو ونضج قوى المجتمع وتعبيراتها السياسية والديموقراطية الأهلية، ما حد كثيرا من قدرة الأخيرة على إنجاز التغيير المطلوب.
- وثاني الأسباب، وهو المتعلق بقوى التغيير ذاتها، فبالاضافة الى التشوه المشار اليه، فان البعض منها رفع سقف التغيير الى مستويات تفوق قدراته وطاقاته، والبعض تسرع في اللجوء الى السلاح، وكلاهما وجدا نفسيهما أسيري القوى الخارجية المستعدة والقادرة على تزويدهما بالسلاح ومعه التمويل اللازم، وفوقه التبني السياسي والتعريف الإعلامي والمساعدات اللوجستية، فاصبحوا جاهزين لقبول التدخل الخارجي، بل ان بعضهم يتوسله ناهيك عن وجود قلة تلتقي أصلا مع القوى الخارجية وترحب بدورها القوى الوحيدة الأكثر جاهزية للانقضاض على الحكم كانت قوى التيار الإسلامي، لكنها لم تشكل البديل ولا أداة التغيير المطلوبين، بل انها أعادت إنتاج النظام المنصرف بلبوس ديني مدّع، ما كشفها بسرعة واسقط تجربتها وكل برنامجها للحكم.
بقدر ما تبدو الأسئلة محقة وما تبدو الأسباب المشار اليها، وغيرها، واقعية. فان الضرورة الموضوعية لا بد ان تفرض نفسها، وان تتحقق في النهاية. غاية الأمر ان الظروف والأسباب المشار اليها تتسبب في إطالة مرحلة المخاض التي تمر بها كل عملية تغيير وتزيدها صعوبة، فالإرث ثقيل بشكل استثنائي وأداة التغيير الجاهزة ضعيفة بحكم الأسباب التي تم عرضها.
لكن الأمور لا تعود الى الوراء ولن تقف في مكانها. فالجماهير الواسعة التي شكلت إرادتها العامل الحاسم بما تحقق فعلا من تغيير، والذي تمثل أساساً في إسقاط الأنظمة المنصرفة، هذه الجماهير، تقدم، من موقع الفعل الملموس، المؤشرات الواضحة العلنية والقوية على قدرتها على تصحيح المسار، وقدرتها على أحداث الفرز المطلوب في قوى التغيير القائمة وعلى استيلاد قوى جديدة اكثر جماهيرية واكثر قدرة وأمضى إرادة، وهي – الجماهير- تؤكد قدرتها على مواصلة السير في مسار التغيير والوصول به الى مداياته المرجوّة، وحتى تزهر شقائق النعمان وأخواتها في ربيع عربي دائم الخضرة والأزهار.