وسط ترحيب إسرائيلي مفرط ومقصود، وصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى إسرائيل، ليقضي فيها الوقت الأكثر، ثم يلتقي الرئيس محمود عباس في رام الله. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اغدق في الترحيب بهولاند الصديق المقرب لإسرائيل حسب تعبير نتنياهو، الذي قال ايضا انه "ينتظر وصول الرئيس الفرنسي بفارغ الصبر"، وكأن إسرائيل، والتي تعتمد كلياً في وجودها وأمنها وقوتها على الولايات المتحدة الأميركية، بصدد الانتقال بأولوية تحالفاتها الدولية نحو فرنسا، التي تتخذ موقفا متشددا إزاء إيران في مفاوضات جنيف.
هكذا تمعن السياسة الإسرائيلية في الضغط على الإدارة الأميركية على خلفية موقف الأخيرة الإيجابي والمرن إزاء التعامل مع الملف النووي الإيراني، وعلى خلفية الغضب الإسرائيلي من الموقف الإيراني، خلا استقبال نتنياهو لوزير الخارجية الأميركية جون كيري خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، خلا من اللياقة وخرج عن المألوف الدبلوماسي في العلاقة بين البلدين.
من الواضح ان نتنياهو يقدم مقارنة بين مواقف فرنسا المرضية لدولته ومواقف الولايات المتحدة، التي تثير غضب الإسرائيليين الى حد الجنون. موقف إسرائيل يلخص الطبيعة العدوانية المتأصلة لهذه الدولة، التي تصر على احتكارها منفردة دون غيرها بالسلاح النووي بدعوى حماية امنها الاستراتيجي ووجودها من اي خطر في حال امتلكت اية دولة اخرى في المنطقة هذا السلاح.
هاجس الوجود والخطر الوجودي، لا يزال يستحكم في سلوك وتفكير القادة الإسرائيليين، من واقع شعورهم بأن هذه الدولة، طارئة، ومارقة على التاريخ، فالدول الأصيلة ذات الجذور التاريخية، لا تخشى على وجودها.
ربما وبالتأكيد ان نتنياهو وزملاءه، انتبهوا الى تصريح الرئيس الفرنسي، الذي طالب بوقف الاستيطان فوراً، وعلى نحو شامل، لكنهم لا يعتبرون ذلك أمراً ينطوي على أهمية بالقياس، لموقف هولاند المرضي لإسرائيل إزاء الملف النووي الإيراني.
في الواقع فإن هولاند يعود مرة أخرى لتبني المعادلة الأميركية التي تبناها الرئيس باراك أوباما منذ بداية ولايته الأولى، وهي معادلة تربط بين التقدم على جبهة تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وجبهة التعامل مع الملف النووي الإيراني، ولكن بدون ان يبدي اوباما تساهلا إزاء امتلاك إيران القدرة على انتاج قنابل نووية.
الطلبات الإسرائيلية من المجتمع الدولي الذي يتعامل مع الملف النووي الإيراني تتسم بالتطرف الشديد، اذ يشدد نفتالي بينيت وزير الاقتصاد وزعيم حزب البيت اليهودي على "ان الهدف من المفاوضات الجارية في جنيف، لا يجب ان يكون وقف البرنامج النووي الإيراني فحسب، وإنما تفكيكه بالكامل".
إسرائيل لا تكتفي بإبداء الاعتراض على سلوك المجموعة التي تتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي وانما تذهب في تطرفها الى التهديد بالقيام بعمل عسكري منفرد ضد إيران، فبحسب بينيت أيضا، "لن تتساهل إسرائيل ابدا بشأن امنها وتاريخها ليتحدث عن نفسه"، والمقصود التذكير بالقصف الإسرائيلي للمفاعل النووي العراقي.
حين يجتاح الخوف القيادات السياسية، فإن المواطن الإسرائيلي سيشعر بالقلق وهذا امر طبيعي، لذلك وإزاء الموقف من الجارين في مفاوضات جنيف، تتطابق الى حد كبير مواقف الرأي العام الإسرائيلي مع مواقف الأغلبية الساحقة من السياسيين الإسرائيليين.
في استطلاع للرأي نشرته مؤخراً صحيفة "إسرائيل هايوم" أعرب اكثر من ثلثي اليهود عن معارضتهم لاتفاق يجري بحثه حاليا بين إيران والدول الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني، فقد عارض مثل هذا الاتفاق ٦٥،٥٪ من العينة، التي شاركت في الاستطلاع، وتخلو من مشاركة العرب.
واشار الاستطلاع الى تأييد ٥٢،٤٪ من اليهود الإسرائيليين لهجوم إسرائيلي على منشآت إيران النووية، في حال إبرام اتفاق سيئ، ومواصلة إيران لبرنامجها النووي.
اذا كان الخوف الوجودي، هو الدافع الأساسي وراء تأييد أغلبية الرأي العام اليهودي في إسرائيل، للهجوم على منشآت نووية إيرانية، فإن ثمة غرورا طافحا، حول قدرة إسرائيل، وجيشها، وحدها للقيام بعمل عسكري مع إيران.
فقد عبر ٦٨،٨٪ من المستطلعة آراؤهم، عن ان الجيش الإسرائيلي قادر وحده على شن هجوم على إيران، لا يدرك الرأي العام اليهودي الإسرائيلي، النتائج المترتبة على مثل هذا الهجوم ان وقع، فلا القيادات السياسية والأمنية تشرح له مثل هذه النتائج والتداعيات، ولا الجهة التي نظمت الاستطلاع سألت الفئة المستهدفة بشأن استعداد الرأي العام، لتحمل النتائج.
إسرائيل تخشى على وجودها، سيظل الخوف على وجودها ساكنا في قلوب وعقول الإسرائيليين، حتى لو جرى تفكيك المنشآت النووية الإيرانية.
ذلك ان تاريخ الصراع، سيحمل في طياته، تهديدات مماثلة، سواء كانت عبر تطوير أسلحة نووية، أو عبر وسائل أُخرى، وطالما ان إسرائيل تطور نظاماً عنصريا قائما على العدوان والاحتلال وإنكار حقوق الآخرين.
لا تدرك قيادات إسرائيل، ان السلام وحده، هو الطريق لحمايتها ولذلك فإن تلك القيادات لن تتوقف كثيرا عند تصريح الرئيس الفرنسي الزائر، الذي شدد فيه على أهمية إنجاح المفاوضات وتحقيق السلام، ووقف الاستيطان، الذي يشكل عقبة كبيرة وأساسية أمام تقدم المفاوضات.
ومرة اخرى، ومن واشنطن يتهم وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت الإدارة الأميركية بانها "تقامر بأمن إسرائيل"، فاذا كان القاصي والداني يدرك أهمية كل ما تفعله الولايات المتحدة من اجل بقاء إسرائيل قوية، ومتفوقة، ولحماية امنها، فإن قادة إسرائيل، ليسوا على استعداد للتفكير بالإجابة عن سؤال اي الوسائل والطرق الأفضل لتحقيق الأمن.
هل ستستجيب إسرائيل لنداءات حلفائها الأميركيين والأوروبيين إزاء الربط بين ملف السلام، والملف النووي الإيراني كما يأمل الرئيس الفرنسي؟ الجواب على ذلك، تشير إليه بوضوح السياسات الإسرائيلية على الأرض، تلك السياسات التي تفرغ المفاوضات من مضامينها، ولذلك فإن الخيار البديل بالنسبة لقادة إسرائيل هو "دق طبول الحرب" التي قد تبدأ من غزة، او لبنان، أو الذهاب الى ما هو أبعد.


