خبر : التحريض الإسرائيلي: من يشجع العنف؟ ...اشرف العجرمي

الأربعاء 20 نوفمبر 2013 03:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
التحريض الإسرائيلي: من يشجع العنف؟ ...اشرف العجرمي



تكثر في الآونة الأخيرة التصريحات الإسرائيلية التي تتهم القيادة الفلسطينية بالتحريض على العنف، ولا تستثني من ذلك حتى الرئيس أبو مازن. فوزير الدفاع موشيه يعلون صرح لصحيفة "معاريف" (الاثنين 18/11/2013) أنه "عندما تكون هناك عملية سياسية فإن الموضوع الإسرائيلي يظهر في وسائل الإعلام الفلسطينية بمستوى نزع الشرعية والكراهية تجاهنا، وعندما تتصاعد الأمور فإنها تتحول إلى نزعات قومية، وقتلانا هم ضحايا العملية السياسية". واتهم نائبه داني دانون، السلطة الفلسطينية، بتمويل الإرهاب، داعياً المجتمع الدولي إلى وقف مساعداته لها فوراً حتى تتوقف عن ممارسة نهجها هذا الذي يضر بالتعايش والسلام والاستقرار في المنطقة. (تصريح للإذاعة الإسرائيلية، أول من أمس رداً على تصريحات فلسطينية بدفع مساعدات للأسرى المحررين).

واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (الأربعاء الماضي) أن مقتل الجندي الإسرائيلي بعد طعنه من قبل فتى فلسطيني في مدينة العفولة صباح الأربعاء، هو نتيجة لتحريض السلطة الفلسطينية على إسرائيل. وسبق له واتهم الرئيس أبو مازن شخصياً بالتحريض على إسرائيل في التقرير الذي أرسله إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شهر آب الماضي.
وهناك سلسلة لا تتوقف من الاتهامات الموجهة للسلطة ورموزها بالتحريض على الكراهية والعنف. وصدرت عدة تقارير إسرائيلية تحمل هذه الاتهامات، ومنها ما يصدر بشكل دوري عن مركز مراقبة الإعلام الفلسطيني، الذي يشرف عليه الإعلامي الحاقد ايتمار ماركوس، والذي شكلت تقاريره مادة لاتهام السلطة بالمسؤولية عن عمليات قتل بعض الإسرائيليين في الانتفاضة الثانية، وكذلك التقرير الذي صدر عن مدير عام وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، حول مظاهر التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل في العام 2012.
والمشكلة أن هذه التقارير التي يعمد الإسرائيليون إلى توزيعها على نطاق واسع، لا تصمد أمام الواقع، بل إن بعضها لم يصمد حتى في المحاكم الإسرائيلية، وأكبر مثال على ذلك خسارة مدعين إسرائيليين لقضية رفعت على السلطة الوطنية في المحكمة المركزية في تل أبيب، حيث كان الادعاء يستند إلى تقرير مركز مراقبة الإعلام الفلسطيني قدّمه ماركوس للمحكمة كدليل على تورط السلطة في دعم "الإرهاب"، ومسؤوليتها عن قتل مواطن إسرائيلي في بداية الانتفاضة الثانية. وكان لي شرف تقديم تقرير خبرة رداً على تقرير ماركوس، فأخذت المحكمة بتقريرنا ورفضت ادعاءات ماركوس، وكسبت السلطة القضية، مع العلم أن هناك ثلاث قضايا أخرى لا تزال مرفوعة ضد السلطة، وجميعها تعتمد على تقارير المركز المذكور. فإذا كانت المؤسسات القانونية الإسرائيلية لا تعتبر هذه الادعاءات صادقة ومنطقية فكيف بمؤسسات دولية لديها مصادرها في التحقق من التقارير المخلتلفة ومدى صدقيتها.
يبدو أن القادة الإسرائيليين الذين يتحدثون عن التحريض الفلسطيني لا يتابعون أو يتناسون تصريحات زملائهم في الحكومة وخارجها، التي تحرض ليل نهار على الفلسطينيين وعلى العملية السياسية، ويكفي هنا إيراد بعض الأمثلة التي لا تخص المعارضة، بل الحكومة الإسرائيلية نفسها، فوزير الخارجية الحالي الذي برئت ساحته من تهمة فساد، أفيغدور ليبرمان، كان قد بعث برسائل إلى كل العالم يشكك فيها بشرعية السلطة الفلسطينية، وبرغبتها في السلام، عدا عن تصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين، بمن فيهم المواطنون في إسرائيل الذين يريد التخلص منهم بترحيل جماعي، ناهيكم عن رغبته في قصف السد العالي في مصر. أما وزراء "البيت اليهودي" نفتالي بينت وأوري أريئيل، وغيرهما، الذين يستفزوننا يومياً بالتصريحات التي تؤكد على مواصلة الاستيطان والرغبة في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل اليهودي مكانه، وينكرون حقنا في بلادنا ويريدون قتل أسرانا؟ أليست هذه تصريحات تحريضية يمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف؟ أليس هذا هو النبع الذي ينهل منه غلاة المستوطنين الذين يعيثون فساداً في الأراضي الفلسطينية على الطرقات وفي المناطق المحاذية للمستوطنات؟ وأليس هذا الخطاب الذي تسبب في مقتل رابين وفي الاعتداء على مواقع جيش الاحتلال الذي يحمي المستوطنين المجرمين؟
لا يمكن إنكار وجود خطاب سياسي فلسطيني ضد السلطة وضد المفاوضات وضد اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني، ولكن هذا الخطاب ليس هو السائد بل هو خطاب معارض، وأي مجتمع طبيعي توجد فيه آراء ومواقف وتوجهات مختلفة ومتعارضة، ولكن خطاب المعارضة شيء والموقف السياسي العام شيء آخر، والسلطات الإسرائيلية لا تريد أن تسمع انتقاداً لسياستها المخالفة للقانون الدولي ومرجعيات العملية السياسية، وإذا توجه الفلسطينيون بالشكوى للجهات الدولية للاحتجاج على الخروقات الإسرائيلية، وإذا توجهوا للجمعية العامة لطلب الاعتراف بدولتهم وكيانهم الوطني، وإذا صرحوا بتوجيه اللوم لإسرائيل على موقفها وممارساتها يصبحون محرضين على العنف ولا ساميين، ويتسببون في مقتل الإسرائيليين، بل إن بعضهم مثل يعلون يتهم العملية السياسية بأنها السبب في موت إسرائيليين، فهو هنا لا يحرض على الفلسطينيين فحسب، بل على فكرة المفاوضات من أجل السلام، والأفضل من وجهة نظره وقف المفاوضات وبقاء الاحتلال على حاله حتى لا يصاب الإسرائيليون بأذى.
بل إن بعض الجهلة يتهمون المناهج الفلسطينية بأنها تحتوى على تحريض ولا سامية، ولا تعترف بإسرائيل أو بالرواية الإسرائيلية، ومنهم من يسوق مثالاً على ذلك برسم خارطة فلسطين كاملة أو بالحديث عن مدن مثل يافا وعكا وحيفا بأنها فلسطينية. ومن الطريف في هذا السياق اتهام أغاني محمد عساف التي يبثها تلفزيون فلسطين، وخاصة أغنية "يا طير يا طاير" بأنها نوع من النحريض الذي تمارسه السلطة ويساهم في إشاعة أجواء الكراهية، وهذا إنما ينم عن عدم فهم للحقائق أو رغبة من الجانب الإسرائيلي في دفع الفلسطينيين للتسليم بواقع الاحتلال. لا يفهم هؤلاء أن روايتنا التاريخية تختلف عن روايتهم، بل هي التي تعبر عن التاريخ الحقيقي لهذه البلاد، وأن الحل السياسي للقضية على أساس مبدأ الدولتين لا يلغي ارتباط الشعب الفلسطيني بباقي أجزاء الوطن. وليس نحن فقط نرسم خارطة فلسطين كاملة، بل في كتب التعليم الإسرائيلية المليئة بالعنصرية تجاه العرب يسمونها كلها إسرائيل نحن على الأقل نرسم حدود الضفة الغربية وقطاع غزة وهم لا يفعلون ذلك.
يجب أن يفهم الإسرائيليون أن الصراع قائم ولا ينتهي إلا بزوال الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة، وخاصة إقامة دولته السيادية المستقلة وعاصمتها القدس. والمواقف ستكون متناقضة ومتباعدة وأحياناً عدائية طالما بقي المحتلون والمستوطنون في أرضنا، فليرحلوا حتى يحل السلام وتنتهي مظاهر العداء والصراع.