باستثناء رعايتها للعملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة أخذت تتراجع في تأثيراتها السياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط على وجه العموم، في سورية كما في مصر، إضافة إلى السعودية، وأخيراً إسرائيل ذاتها، فإن الدور الأميركي آخذ بالتراجع بشكل ملحوظ، تقدمت روسيا لاحتلال بعض من الموقع الأميركي، كما حدث مؤخراً في كل من مصر والسعودية، في حين استغلت فرنسا هذا التراجع لتلاحق الدور الأميركي على الملف الإيراني - الإسرائيلي، كما أن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخراً إلى إسرائيل وفلسطين، تشير إلى محاولة الانقضاض على الملف التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي لتختلسه من الرعاية الأميركية.
ففي الوقت الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس الفرنسي بات الأقل شعبية في بلاده من كافة رؤساء الجمهورية الفرنسية "الخامسة"، ظهر وكأن الرئيس هولاند يحاول التعويض عن تراجعه على الملفات الداخلية الفرنسية، إلى الانقضاض إلى الخارج، محاولاً رسم دور فرنسي مؤثر في السياسة الخارجية انطلاقاً من قضايا الشرق الأوسط الشائكة والمتفجرة، مستغلاً تراجع الدور الأميركي في المنطقة، لذلك، حاول الرئيس الفرنسي عند زيارته لإسرائيل وفلسطين أن يقدم جديداً، غير أنه في الواقع أعاد صياغة المواقف الفرنسية ذاتها، انطلاقاً من مواقف الاتحاد الأوروبي حول قضية الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي المتخذة منذ العام ١٩٨٧، سواء فيما يتعلق بإدانة الاستيطان، وإقرار مدينة القدس كعاصمة للدولتين، من الرئيس جسكار ديستان مروراً بالرئيسين ميتران وساركوزي، كلهم كان لهم الموقف ذاته، وبعض منهم اكده من على منبر الكنيست، وبالتالي فان القول بان هناك جديدا بشأن الموقف الفرنسي إزاء الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، غير دقيق، لكن ربما هناك جديد بالاقتران بين الموقفين الفرنسي والأميركي بهذا الشأن، اذ ان الرئيس الفرنسي، لم يطالب الجانب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وبالتالي فإن ما لم يصرح به او يطالب به الرئيس الفرنسي هو هذا الجديد مقارنة بالموقف الأميركي بهذا الخصوص.
وفي حين ان رؤساء فرنسا السابقين، حددوا موقف بلادهم، اكثر من مرة من على منبر الكنيست، إلا أن هولاند لم يتحدث عن هذا المنبر الا عن ضرورة ان تقوم اسرائيل بمبادرات من اجل السلام، ولم يتحدث عن الاستيطان بوصفه عقبة أمام السلام وضرورة وقفه الا عندما وصل الى رام الله واجتماعه مع الرئيس عباس، ومعظم حديثه أمام الكنيست كان حول الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يشير مرة اخرى، الى ان لا جديد في جعبة هولاند إزاء الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، خاصة وان كلمته حول البرنامج النووي الإيراني من على منبر الكنيست وتهويل خطورة هذا الملف، جاء في الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، الأمر الذي يؤكد ان كل هذه المواقف، لم تكن اكثر من مجاملة سياسية دون ان تقدم جديدا يمكن البناء عليه.
هذا لا يعني على الإطلاق اعتبار زيارة هولاند لإسرائيل وفلسطين عديمة الأهمية، اذ إننا في فلسطين يجب ان نثمن هذه المواقف رغم تكرارها وتأكيدها، اذ ان في ذلك شرعية المطالبة بعزل إسرائيل سياسيا، كونها ليس فقط تتنكر للقوانين الدولية، ولكن ايضا كونها لا تأخذ بالاعتبار الرأي العام العالمي، وفرنسا إحدى اهم الدول التي تقرر مواقف الاتحاد الأوروبي، وكان لها دور مؤثر في اتخاذ قرار الاتحاد فيما يتعلق بعدم الاستيراد من منتجات المستوطنات، إضافة الى مواقف الاتحاد إزاء الدعم المالي للمشاريع المتعلقة بالبنية التحتية في دولة فلسطين، ناهيك عن تمويلها لمشاريع فرنسية في هذا الإطار.
لكن المبالغة في تأثير هذه الزيارة، والقول بجديد في الموقف الفرنسي، من شأنه ان يقلب حقائق المواقف المتخذة إزاء الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، وإشادة مبالغ فيها بجديد زائف وتحميل الأمور اكثر مما تحتمل، واذا كان من حق الناطقين الرسميين، الإشادة والمبالغة لأسباب سياسة ودبلوماسية، فإن المحلل السياسي يجب ان لا يلجأ لهذه الاعتبارات عندما يحاول قراءة الموقف أخذاً بالاعتبار حقائق الأمور ومنطقتيها.
وربما من الغريب، ان اندفاع فرنسا للعب دور مؤثر في المنطقة، والذي يتوازى مع تراجع الولايات المتحدة، زاد من تراجع واشنطن اثر زيارة هولاند لإسرائيل وفلسطين، اذ بينما كان من المقرر ان يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري إسرائيل بعد غد الجمعة، اعلن أثناء زيارة هولاند المشار اليها، انه أرجأ هذه الزيارة الى ما بعد ٢٨ من الشهر الجاري، اي بعد أعياد الشكر الأميركية، دون ان يحدد موعدا دقيقا لهذه الزيارة، وبحسب مصادر إعلامية أميركية، فإن كيري الذي بات يخشى لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، يتوجب عليه ان يخشى ايضا وزير خارجيته الجديد الأكثر تطرفا بشأن العملية السياسية، ليبرمان، هذا التأجيل جاء لصالح زيارة هولاند من كافة الجوانب خاصة على الملفين الإيراني والفلسطيني - الإسرائيلي على حد سواء!
Hanihabib272@hotmail.com


