خبر : تمرد ... أما بعد!!! ....بقلم: د.عاطف أبو سيف

الإثنين 18 نوفمبر 2013 09:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تمرد ... أما بعد!!! ....بقلم: د.عاطف أبو سيف



مر يوم ذكرى ياسر عرفات التاسعة بهدوء رغم النداءات والتهديدات المفرطة التي كانت تصدر في وسائل الإعلام سواء من قبل مستخدمي الانترنت والتمرد الافتراضي أو من قبل أجهزة حماس. النتيجة الوحيدة لكل هذا الصراع الإعلامي أن ذكرى عرفات لم تشهد أي مظاهر للتذكر حتى برفع صوره أو رايات الحداد على روحه أو رايات فتح.

أما وقد انتهى موضوع تمرد الذي برع البعض في تصويره وتضخيمه في الإعلام سواء كان من قام بذلك حقاً يريد أن يقوم بالتمرد أو كان بدعة إعلامية تم توظيفيها من كثيرين حتى لا يتم الاحتفال بذكرى الزعيم الفلسطيني الكبير، وقد انتهى كل ذلك فإن من حقنا الآن أن نناقش بروية وهدوء ما حدث، لأن أي نقاش قبل ذلك كان يمكن له أن يجلب لصاحبه التهم بأنه يعطل الحركة العظيمة، كما قد يفترض البعض، المسماة "تمرد"، وبالتالي هو يعيق سحق الانقسام. ونحن الشعب الوحيد ربما الذي يناقش بعد فوات الأوان، ونحن أكثر شعب يغرق في شبر ماء.
انظروا فقط إلى الانقسام لتدركوا أننا فعلاً نغرق في شبر ماء.
لكنني سأعود لفكرة تمرد ولن اتحدث كثيراً عن شبر الماء الذي أصبح بحراً، فهذه قصة أخرى.
أولاً، وكنا مثل غيرنا قد قلنا هذا منذ شهور، إنه لا يجوز لأحد كان من كان أن يختطف المناسبات الوطنية التي هي ليست ملكاً له ولا لمزاجه الشخصي من أجل أن يقوم بفعاليات مشكوك في نجاحها منذ البداية.
فذكرى ياسر عرفات ليست ملكاً لأحد، فياسر عرفات كان زعيم الشعب الفلسطيني ولا يجوز استخدام ذكراه من أجل أي هدف كان إلا لتصعيد النضال ضد الاحتلال.
وعليه فإن ثمة مناسبات وطنية كبرى مثل انطلاقة الثورة الفلسطينية يجب عدم المساس بها.
هل كان يقصد من وراء تحديد اليوم هو أن يتم استغلال الجماهير الفلسطينية التي ستخرج لرثاء ياسر عرفات في "التمرد"!! بالطبع هذا ليس بأكثر من تسطيح لوعي الناس التي ستكون لو خرجت فعلت ذلك من اجل ياسر عرفات.
لذا فالجماهير لم تخرج. أتدرون لماذا لأن أحدا لم يقل لها أخرجي من أجل ياسر عرفات، ولا حتى للاحتفال بذكراه!!!
ثانياً، بالطبع لم يقم أي تنظيم فلسطيني بتبني موقف من الدعاوى الافتراضية التي لم تخرج عن دائرة التصريحات على الإنترنت. الفصيل الذي توقع منه الجميع موقفاً هو حركة فتح، وهو لم يفعل بل لم يعلق على الموضوع.
وهذا بحاجة لنقاش آخر. لكن ألا يعكس هذا سوء تقدير من قبل قيادة فتح في غزة للامر، فهي لم تملك الجرأة لقول لا، ولا الشجاعة لقول نعم.
بل اكتفت بالصمت وكأن ذكرى ياسر عرفات لا تهمها وان انهاء الانقسام ليس من اختصاصها.
لم يكن لها علاقة بالأمر من بعيد ولا من قريب. كانت فتح مطالبة بموقف عجزت عن اتخاذه.
ثالثاً، قد لا يحب البعض هذا القول، لكنه الحقيقة، فالتنظيمات الفلسطينية مازالت هي من يهيمن على الشارع الفلسطيني، والمواطن الفلسطيني الذي قد يرغب بعض اصحاب الاستطلاعات غير الدقيقة القول انه بات لا يؤيد التنظيمات، لا يتحرك إلا بقرارات هذه التنظيمات.
تخيلوا لو أن فتح قالت للجماهير أن تخرج ووظفت خطابها حول ذلك.
بالطبع كانت الناس ستخرج. وهذا يشير إلى أن مسؤولية انهاء الانقسام تقع في جزء كبير منها على الفصائل، التي يجب أن تعمل من أجل تحقيق ذلك وعدم الركون فقط على النوايا الحسنة والتصريحات. لأن شبر الماء الذي صار بحراً سيغرقنا كلنا ولن ينجو منا أحد.
رابعاً، لا يمكن لمجموعات متفرقة تعيش في بلدان بعيدة أن تقود المواطنين وتقرر عنها.
فكما أوردت مواقع الانترنت فثمة متحدث في اسكندنافيا يناكفه متحدث آخر في عاصمة عربية وقد يخرج بيان ثالث من مدينة رابعة وخامسة.
وكأن الامر يدور عن قيادة سيارة لا يعرف أحد من يملكها.
لقد وقعت هذه "التمردات" في مطب التضخم الإعلامي الذي لم يكن انعكاساً حقيقياً لواقع ملموس.
لقد كانت هذه "التمردات" افتراضية وهمية وليست شيئاً ملموساً على الأرض.
من العجب أن يتم اصدار بيانات تطالب الجهات الإعلامية بقصر التعامل مع هذا الناطق وعدم الالتفات لأحد غير هذا المتحدث.
لم يكن الامر بأكثر من فقاعة صابون حتى أنها لم تطر في الهواء انفجرت على وجه الرغوة.
صحيح أن بعض الشبان والفتية المتحمسين للتطلع لمستقبل أفضل وجدوا في الفكرة مخرجاً ونافذة نحو هذا المستقل، دون أن يوجههم احد ماذا يفعلون، وظل حبهم للفكرة أيضا ذاتياً لم يكن من الممكن ترجمته إلى حراك جماهيري كما حدث مثلاً في 15 آذار.
خامساً، ليست كل تجارب الشعوب يمكن أن يتم استنساخها وتنجح. بمعنى أن إعادة تجربة الشعب المصري الشقيق الذي خرج على بكرة أبيه في الثلاثين من حزيران ليفوض الجيش استعادة الدولة قبل ضياعها لم يكن من الممكن اعادة انتاجها في السياق الفلسطيني بأي حال.
ليس لأن في القاهرة وحدها خرج ربما خمسة ملايين، وليس لأن الجيش في مصر ملك للدولة وليس للحزب الحاكم، وليس لأن الامر في مصر لم يكن ثورة افتراضية بل كان عملاً دؤوباً في الشوارع والمدن وسبقه حملات توقيعات مليونية، كل هذا واكثر.
ببساطة لأن السياق الفلسطيني يختلف كثيراً حيث إن ثمة انقساما نتج عنه كيانان وحكومتان (قولوا للأسف) وجيشان، كل هذا إضافة للتباعد الجغرافي بين القطاع والضفة.
سادساً، هل مازال أحد يتذكر تجربة 15 آذار العظيمة، التي لتوها تسللت في النقاش، حيث خرج الناس بدعوة من الشباب وتجمعوا في الجندي المجهول وتعرضوا للضرب والمطاردة في ساحة الكتيبة!! صحيح أن الفكرة لم تقد إلى إنهاء الانقسام لكنها شكلت انعطافة مهمة في تاريخ الحراك الشعبي يجب تثويرها والبناء عليها.
إن المطالبة بإنهاء الانقسام وبالحراك الشبابي لفعل ذلك تتطلب فعلاً اعادة الاعتبار لتجربة 15 آذار والتفكير في تطويرها والتعلم منها. اما أن يتم تكبير "حجرنا" وتهويل عباراتنا فهذا ليس إلا امعان في الغرق ليس أكثر.