خبر : حتى لا يتحول تمرد الشباب إلى تمرد شامل .. بقلم: طلال عوكل

الخميس 14 نوفمبر 2013 10:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حتى لا يتحول تمرد الشباب إلى تمرد شامل .. بقلم: طلال عوكل



غريب كان ذلك الاهتمام الذي أولته أطراف متنوعة أجنبية وغير اجنبية بما عرف بظاهرة "تمرد الفلسطينيين" التي تم الاعلان عنها عبر وسائل الاتصال الجماهيري في شهر تموز من العام الحالي.

من غير الممكن نقل تجارب الآخرين، واسقاطها على الحالة الفلسطينية بدون النظر لاختلاف الظروف والشروط السياسية والاجتماعية، التي تسمح اولا ولا تسمح بنشوء مثل هذه الظواهر، الا اذا كان الامر مجرد فورة غضب محدودة، وتعبيرا عن موقف نظري، لا يتجاوز حدود خلق حالة من القلق والارتباك.
اذا كانت "تمرد" او غيرها، تدعو للثورة على الظلم، والاكراه، فإن الامر لا يقتصر على ما يقع منه في قطاع غزة، وكذلك الامر اذا كان السبب انهاء الانقسام واستعادة الوحدة، فهذا وذاك محكوم بطرفين.
معلوم ان الشباب الفلسطيني ينوء تحت وطأة القهر لاسباب كثيرة، فهم الذين يعانون بطالة متزايدة، وهم الذين يشعرون بغضب جراء تهميشهم، وهم الذين تنغلق امامهم الآفاق، وهم ايضا اكثر من عليه ان يدفع الثمن وقت الهدوء، ووقت الحروب الاسرائيلية الاجرامية.
ومعلوم ايضا، ان الشباب بصفة عامة، هم الدينامو المحرك، لتطور المجتمعات، ومنها المجتع الفلسطيني سواء باتجاه تحقيق الاهداف التحررية وتطلعات الشعب الفلسطيني الذي يتوق للتخلص من الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، او باتجاه تحسين عملية البناء الديمقراطي الداخلي.
ولكن، يترتب على الشباب الفلسطيني ان يتمتع بقدرة عالية على الابداع المرتبط بقراءة دقيقة وسليمة للواقع، حتى يتمكن من النجاح في الوصول الى غاياته، لا أن يخوض غمار مغامرات غير محسوبة، او يتهرب من مسؤولياته في التوجه نحو الهجرة.
في مصر وفي تونس، الاوضاع مختلفة عنها في فلسطين، حيث الاحتلال الاسرائيلي يفرض علينا اجندته الاجرامية، عنفاً، واستيطانا وتهويدا ومصادرة، للحقوق والارض والتاريخ، بما لا يترك مجالا لقوى سياسية او اجتماعية، او اية حركات شبابية او غير شبابية، للتفكير خارج سياق مجابهة المخططات الاسرائيلية.
وفي فلسطين لدينا نظامان سياسيان، وليس نظاما واحداً، ورموزا ومؤسسات واحدة، حتى يكون الهدف من التمرد واضحا، وقياس الاثر واحداً، وفي فلسطين تهيمن حركة حماس على الحكم في قطاع غزة، وتحتكر كل اسباب القوة، وكل الادوات والمؤسسات وكذلك الحال في الضفة حيث تفعل حركة فتح الشيء ذاته، ولذلك فإن التغيير يحتاج في حالتنا، قوى منظمة، لديها برامج وتطلعات تغييرية.
في مصر وتونس انقسمت الحركة السياسية، ومعها الشعبية بين قوى مسيطرة، فعلت كل ما تستطيع لتوسيع وتعميق حالة الغضب والعداء ضدها، وضد قوى واحزاب وتيارات، في ظل وجود مؤسسات دولة من جيش وشرطة واجهزة امنية واستخبارية، فاين نحن في فلسطين من كل هذا.
في فلسطين، توجد حركتان كبيرتان تسيطران، تتقاسمان المسؤولية والسيطرة وتستحوذان على معظم عناصر القوة، وتوجد ايضا فصائل تأكد عجزها عن مجابهة الاستحقاقات التي تواجه الوضع الفلسطيني، فهي اما تمالئ هذا الطرف او ذاك، او تكتفي باصدار البيانات والمواقف التي لا تقدم ولا تؤخر.
الفصائل الاخرى التي يزيد عددها على عشرة، تائهة بين دعم البرنامج والتوجهات السياسية لهذا، ومعارضة ذاك، ودعم البرنامج الاجتماعي، لمن تعارضه سياسيا، ورفض البرنامج الاجتماعي لمن تؤيده وتدعمه سياسيا.
اما الطرفان الرئيسيان فكلاهما لا يرغب في تغيير واقع الحال لدى الطرف الاخر، ويبدو انهما مرتاحان لاستمرار الوضع على ما هو عليه، الى ان تمنح الحسابات السياسية الوطنية والاقليمية، هذا الطرف الفرصة للتغلب على ذلك، او ان يجدا طريقة لانهاء الانقسام، من خلال التقاسم والمصالحة، قضايا الشعب والحياة، والديمقراطية والحريات والصمود هي آخر ما يرد في اجندات الفصائل التي تستحوذ على السلطات، وبدون ان تكلف هذه الفصائل نفسها باقناع الناس، لماذا عليهم ان يتحملوا ولماذا عليهم ان يصبروا، وان يصمدوا، وان يقدموا المزيد من التضحيات.
لقد اصبح واضحا، وفي احيان ليست قليلة يعترف اصحاب المشاريع السياسية بأن المفاوضات لن تعيد للشعب الفلسطيني حقوقا، وان المقاومة وحدها ليست قادرة على استعادة اي من تلك الحقوق، ومن حيث المنطق البسيط، فإن على هؤلاء واولئك ان يدركوا أن لا المقاومة ولا المساومة يمكنها ان تستعيد حقوقا، ما لم يكن الشعب الفلسطيني، محتشدا عن قناعة وراء هذا البرنامج او ذاك، والحقيقة ان الشعب الفلسطيني، ليس محتشدا ولا موحدا لا خلف برنامج المقاومة واصحابه ولا خلف برنامج المفاوضة واصحابه، فإن كان ينقص الدليل على صحة هذا الاستنتاج فإن استمرار الانقسام والصراع الداخلي يؤكده.
لا تدرك القوى المسيطرة والتي تفرض نفسها بحكم الامر الواقع، وعبر توظيف وسائل القوة والاكراه، ان الشعب الذي تقهره قياداته، الشعب غير الحر، لا يمكن ان يزيل قهرا، او يحرر ارضا، كيف يمكن لهذا الشعب ان يصبر وان يصمد وان يقاوم وان يضحي، فيما هو غارق في المزيد والمزيد من الازمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية، وجزء كبير منها بسبب عوامل وطنية فلسطينية؟
من يستطيع الى اليوم، ان يعيش في ظل حصار ظالم طويل، مشدد وظلام دامس معظم الوقت، وحبس حرية الحركة، وتفاقم الفقر والبطاقة، وفوق هذا وذاك، ممارسات قمع الحريات، وملاحقة الشباب وغير الشباب، بدون ان يعرف الناس الى متى عليهم ان يصبروا، ومتى وكيف ومن اين سيأتي الفرج، فشل "تمرد الفلسطينيين" لا يعني ان الشعب ليس غاضبا من واقع الحال، غضبا ينبغي ان يدعو المسؤولين الى القلق والبحث عن حلول قبل ان يتحول تمرد الشباب تمرداً شعبياً شاملاً.