ربما لم يكن تزامنا مخططا له، لكنه يلفت الانتباه هو الكشف عن نتائج التحليلات الفنية والطبية لأسباب وفاة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات "أبو عمار"، وتصعيد الحصار على غزة على نحو غير مسبوق خصوصا تقليص احتياجاتها من الكهرباء إلى ما دون الـ %50، ووقف دخول مواد البناء بصورة تامة لقطاع غزة، وتدمير شبكة النفاق التي كانت تمد غزة باحتياجاتها الأساسية في ظل استمرار الاحتلال منع دخول تلك المواد أو إدخالها بأقل من القدر المطلوب. الكشف أفضى إلى التأكيد إلى أن مقتل أبو عمار كان جنائيا ولم يكن مرضيا أو قضاء وقدر، وذات الحقيقة في الحصار من فعل فاعل، وأطراف متضامنة على فرض الحصار ورسم سقفه وطبيعته وإيقاعاته.
في كلا الحدثين نحن أمام جريمة من نوع خاص، يكتنفها الغموض والملابسات، ويتخفى فيها الجناة خلف سحب أحجبة معتمة لا يتخللها نور ولا يبصرها، وتتناثر التهم والمتهمين هناك وهناك، بحيث تطال كل متحرك وساكن، وكل حي وميت، وكل رجل وأنثى، حبكة يتيه فيها العقلاء، ويتخبط لها المرجفون. إنها من مقتضيات الحبكة، فيحدث الإرباك والارتباك، وتتعطل مسيرة الحقيقة، ويظل القوم منشغلون بلى جدوى، وكأنهم يتحركون في كواليس لعبة سرك، ترى حركات بهلونانية لكن في نهاية العرض يذهب الكل لبيته وقد نفس عن نفسه، بينما النتيجة صفر لا يدخل الحساب بانتظار عرض آخر، وتواصل العروض منذ مقتل أبو عمار قبل نحو تسع سنوات، الجريمة غامضة، والقاتل مجهول، والسر مفقود، والحصار مضروب على قطاع غزة، والسجن الأمني هو جنة الضفة، والقدس تعتصر، والاستيطان يسري في أرضنا كالسرطان في عروق الدم.
في كلا الحدثين نحن أمام قضية وطنية بامتياز، ليس قضية فتح، وليست قضية حماس، إنما هي قضية المجموع الفلسطيني، والوطن الفلسطيني. وبغض النظر عن توافقنا مع منظورات الشهيد أبو عمار أو اختلافنا معه يظل هو رمزا في سياق المسيرة الوطنية الفلسطينية، وعلامة من علامات النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، ورجل مرحلة حملت الكثير في ثناياها للتاريخ الفلسطيني المعاصر الذي لا يمكن إغفاله أو القفز عليه. وبغض النظر عن توافقنا مع منظورات حماس السياسية أو اختلافنا معها فإن الحصار تظل مسألة وطنية تمس الشعب الفلسطيني سواء كان في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهو يضرب شعبنا ووطننا سواء كانت حماس أو فتح في عنوان قيادته، ويخطئ وواهم من يظن ان حصار غزة عمل مرتبط بوجود حماس في السلطة، الحصار مرتبط بوجود المقاومة والنضال ضد الاحتلال، وإذا كانت حماس في واجهة المشهد الآن لا يعني ذلك أنه لو كان غيرها سنكون بعيدين عن الحصار، وهنا دعوني أشير إلى الحصار المالي الذي واجهته السلطة قبل نحو عام تقريبا واضطرها لدفع الروابط على دفعات، وحجزت فيه أموالها المحصلة من قبل الاحتلال، والتهديد الذي وجه لشخص الرئيس محمود عباس قبل العودة للمفاوضات على غرار ما واجه الرئيس أبو عمار من قبل، كل ذلك يؤشر إلى أن الحصار مسألة ليست مرتبطة بحماس أو فتح، وإنما مرتبط بمن يتصدى للاحتلال، ويواجهه الاحتلال، ويستطيع أن يهدد مصالح وأمن الاحتلال.
بين مقتل أبو عمار وحصار غزة، كلمة سر قد يجهلها البعض وقد لا تغيب عن الكثيرين، لكنها بلا أدنى شك واحدة. فبمقتل أبو عمار حوصر المسير الوطني، وأوقف، وبحصار غزة أوقف المسير الوطني وأوقف المشروع الوحدوي الوطني لقيادة العمل الوطني، وإذا كان البعض يرى في أن فتح هي المسئولة عن ذلك، أو حماس هي المسئولة عن ذلك، فإنهم واهمون، فكلمة السر في الأمر هي: المواجهة مع الاحتلال، هذه المواجهة تفرض استحقاقات ومعارك كثيرة، بعضها قد يصعب على بعضنا فهمه أو إدراكه، وبعضنا قد يعجز عن الاستمرار في المواجهة خلاله، وبعضنا قد يحاول أن يخدع نفسه وغيره بأن شكل المواجهة يجب أن يتوافق مع السقف الذي يسمح به الاحتلال والمجتمع الدولي لا ما تقتضيه طبيعة الصراع والثوابت الوطنية، وهنا قد تبرز التباينات والخلافات، لكن المشترك يظل قائما وهو: إننا بين مقتل أبو عمار وحصار غزة في معركة مفتوحة مع الاحتلال من يصر على المواجهة والمقاومة ومواصلة النضال. وهنا تكمن كلمة السر. كلمة السر هي التي ترفض خروج مروان البرغوثي، وجردات، ومبعدي كنيسة المهد، ومبعدي غزة، وقتلت من قبل كل قادة الشعب الفلسطيني من ثابت لمنصور لياسين إلى إلى ...
بين مقتل أبو عمار وحصار غزة كلمة السر التي توحدنا، وتجمعنا على الهدف، وتعيدنا إلى الصواب


