النتائج التي تمخض عنها اجتماع جنيف بين ايران والدول الست، احدث ما يشبه الزلزال السياسي في اسرائيل. التي لا تعيش الا على الحرب والدمار والعدوان. حملة من اللطم السياسي انتابت القادة الاسرائيليين، بسبب الاتفاق الذي وقع، واعتبره الأوروبيون والأميركيون، مناسبة تستحق الاحتفال.
من حيث انه (الاتفاق) يفتح طريقا جديدا، بل طرقا جديدة في العلاقة بين ايران، وبين المجتمع الدولي.
الإسرائيليون يعتدون بمعلوماتهم الاستخبارية، التي تفيدهم بأن ايران ماضية في برنامجها النووي الحربي، وبأن الرئيس حسن روحاني، يقدم للغرب لغة جميلة، ولكن بلاده سائرة في قرارها لامتلاك السلاح النووي، وبأن كل ما يقوم به الحكم في ايران مجرد مناورة لكسب الوقت والتحايل على المجتمع الدولي.
المنطق الاسرائيلي في التعاطي مع الملف النووي الايراني وتداعياته، ينطوي على استهتار بسياسات وقدرات، الولايات المتحدة والدول الاوروبية، واستهتار اشد بقدراتها الاستخبارية، ويشكك في نواياها ازاء كيفية التعامل مع الملفات الخطرة، التي تتعلق بالمنطقة.
من غير الممكن ان تكون اسرائيل اكثر حرصا على منع ايران من امتلاك قدرات نووية، من الدول الاوروبية، او من الولايات المتحدة، ذلك ان ايران النووية، التي تملك سياسة وتطلعات حيوية ونشطة، لا تشبه باكستان النووية، او الهند، ايران تملك رؤية لدورها، طافحة بالاهداف الاستراتيجية الكبيرة، تساعدها امكانياتها المادية والبشرية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على ان تصعد دورها، وان تحفر لنفسها مكانة مهمة بين الدول الكبرى والتكتلات الدولية، وليس فقط الاقليمية.
لذلك من غير المتوقع ان تتساهل الولايات المتحدة، والاوروبيون، أو ان يتعامل هؤلاء مع الملف النووي الايراني بمنطق تكتيكي، هذا الا اذا كان هؤلاء قد توصلوا الى معلومات واستنتاجات مؤكدة، بأن ايران قد اصبحت دولة نووية.
طبعا ليس علينا، ان نتوقع ان يحل الخراب بين اسرائيل، وحلفائها الغربيين خصوصا الولايات المتحدة ولكن هذا التناقض من الممكن ان يتسع في حال بادرت اسرائيل بمغامرات غير محسوبة، تستهدف توريط حلفائها، واعادة خلط الاوراق مجددا.
التناقضات بين اسرائيل وحلفائها الضامنين لوجودها، تتسع فعليا، فبالاضافة الى الخلاف حول كيفية التعاطي مع ايران وكل ملفاتها وليس فقط ملفها النووي، فثمة خلاف يتصل بالرؤية لكيفية التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومع عملية السلام، وهو خلاف في الاصل حول أي الطرق افضل لحماية اسرائيل وضمان وجودها قوية.
في الواقع فإن الدول الغربية لم تبدل مواقعها التاريخية، ولا قناعاتها بشأن ضرورة وجود اسرائيل قوية، ولكن تلك الدول تسعى لحماية الدول العبرية من تطرفها الجنوني، الذي سيقودها يوماً الى الهلاك، وبالتالي فانها ترى في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، في اطار عملية سلام تنهي الصراع، الطريق الافضل لضمان بقاء اسرائيل، وضمان بقاء واستقرار مصالح تلك الدول في هذه المنطقة.
أحد الدبلوماسيين الغربيين، قال مؤخراً ان اسرائيل ماضية في سياسات تؤدي الى عزلتها الدولية، والى التحول في اتجاه دولة عنصرية، وبأنها ما لم تتحول عن هذا السلوك، وتستجب لمتطلبات عملية السلام، فانها تسير نحو الهاوية مهما طال الوقت.
الأميركيون والأوروبيون غاضبون من حكومة نتنياهو، المسؤولة عن تعطيل الفرصة المتاحة امام عملية السلام عبر المفاوضات التي مضى على بدايتها اكثر من ثلاثة اشهر، وهم غاضبون من سياسة اسرائيل الاستيطانية في الضفة وفي القدس، ما جعل وزير الخارجية الاميركي جون كيري يصرح بأن الاستيطان كان ولا يزال غير شرعي، أما الاوروبيون فقد اقدموا على اجراء من واقع رفضهم للسياسة الاسرائيلية الاستيطانية.
الدائرة تضيق اكثر فأكثر حول رقبة اسرائيل، فبعد تأخير متعمد على الارجح افرجت الدوائر السويسرية والروسية، عن نتائج تحليل العينات التي اخذوها من رفات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فيما بقيت فرنسا تحتفظ بنتائج بحوثاتها الطبية.
في الواقع فان فرنسا تعرف قبل غيرها. كل الحقائق المتعلقة باغتيال عرفات فهي التي استقبلته في مستشفياتها، واجرت له في حينه كل الفحوصات اللازمة، ولذلك فإن اعلانها عن نتائج مماثلة لتلك التي توصلت اليها سويسرا وروسيا، ستشكل بالنسبة لاسرائيل ضربة صاعقة.
ولكن هل من المحتمل أن تأتي نتائج التحليل الفرنسي مختلفة؟ ثمة شك كبير، اذ لا يمكن ان يكون الحكم السويسري والروسي سياسياً، وهؤلاء لديهم من الامكانيات العلمية والمختبرية، ما يفوق او يوازي قدرات فرنسا.
هذا ملف خطير، اصبح في يد القيادة الفلسطينية، وينطوي على تقدم كبير في سياق التحقيقات الجارية منذ تسع سنوات، ولم يتبق الا القليل ولكن الاهم، لتأكيد مسؤولية اسرائيل الحصرية عن عملية الاغتيال.
الفلسطينيون لم يكونوا بحاجة الى تأكيد أو نفي مسؤولية اسرائيل التي تحتفظ بقائمة طويلة جدا من عمليات الاغتيال لقادة فلسطينيين، ولكن ثمة فرقا في أن يتم التكامل مع هذا الملف من خلال أو استنادا الى قناعات الفلسطينيين، وبين ان تتوفر المعطيات الملموسة التي تسوق اسرائيل الى المحاكم الدولية.
هي مادة البولونيوم، كما تؤكد الفحوصات، وبالتالي، علينا أن نفحص ان كان هناك طرف آخر في المنطقة كلها، يملك هذا النوع النادر جدا من السموم.
اسرائيل سترفض الادعاء بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال، والفصائل الفلسطينية المعارضة، لا تملك أي نوع من انواع السموم، ولا يمكن ان تفعل ذلك، والدول العربية نظيفة من هذا النوع، ولكن هل يتعاون المجتمع الدولي، من اجل تشكيل لجنة تحقيق دولية؟ الارجح ان المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة، يميل اكثر نحو انصاف الفلسطينيين، وان ما جرى في منظمة اليونسكو ـ سيتكرر في عشرات المنظمات الدولية، حين يقرر الفلسطينيون التوجه اليها.
الولايات المتحدة من موقع التضامن فقدت مع اسرائيل حقها في التصويت في اليونسكو، لانهما لم تدفعا حصصهما المالية فيها، ولكن القرار سياسي، فإذا كان هذا هو الطريق الى المؤسسات الدولية، فهل ستتحمل الولايات المتحدة، ان تعزلها اسرائيل، التي تتواصل عزلتها دوليا، ام ستترك اميركا اسرائيل تغرق وحدها؟


