الكذب هو تزييف للحقائق جزئيا أو كليا أو خلق روايات وأحداث ليست بالصحيحة بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين قد يكون ماديا أونفسيا أواجتماعيا , الصغار يكذبون على الاّباء لخوفهم من العقاب والكبار يكذبون على الصغار ليريحوا أنفسهم من عناء شرح الحقائق والدخول في التفاصيل التي يعشقها الأطفال. وعند البعض يصبح الكذب هواية يمارسوها لتعويض نقص ما في شخصيتهم , والبعض يراه مبررا بقصد الخير وحسن النوايا طالما لم يؤذي احدا .
وكان الكذب ومنذ القدم من أهم عوامل النصر بالمعارك , وحينها لم يكن بشكل علمي وممنهج بل كان يرتبط بشخص القائد الذي كان دوما يوصف بالدهاء بغرض خداع العدو والنيل منه. وهناك العديد من الأمثلة لهؤلاء القادة في عالمنا العربي والعالمي , الى أن اصبح علم تتبعه العديد من الانظمة الديكتاتورية , وطبقة رجال الاعمال والمصالح , لتزيييف الحقائق والاحداث , ليس فقط مع الاعداء بل مع شعوبها لتثبيت سطوتها وفرض ارادتها عن طريق سلب العقول وتحييدها عن تطلعاتها بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي ونيل حرياتها. ولنكن منصفين ايضا اذ أن هناك بعض الدول التي تؤمن بالديمقراطية وتمارس الكذب بدواعي عديدة بلغت ذروتها بغزو العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفاءها واستغلاهم لوسائل الاعلام وبأحدث الطرق التكنولوجية . وتزداد خطورته بتكراره الى ان يبقى بالعقل الباطني , كالاعلانات التي تروج لماركات شهيرة ولمنتوجات معينة , فنحن لا نشاهدها بتركيز ولكن عندما نذهب للتسوق نختار تلك المنتوجات تلقائيا من أرفف المحلات بدون ان نعرف لماذا فضلناها عن غيرها.
وكان اول من استخدم الأسلوب المبرمج والممنهج ووظف وسائل الاعلام في الكذب والحرب النفسية هو جوزيف غوبلز وزير الدعاية لدى هتلر وصاحب المقولة الشهيرة في الحرب العالمية الثانية ( اكذب حتى يصدقك الناس) والذي صور للالمان أن أدولف هتلر هو منقذهم...
ومع تقدم العلم وبروز ثورة الأتصالات وعلى قاعدة من يملك وسائل الاعلام يملك القول الفصل, احتكرت الأنظمة العربية ورجال الأعمال تلك الوسيلة لتصبح بوق لسياساتها ومصالحها الاقتصادية , واستخدمت العديد من وسائل الترغيب والترهيب والتدجين لأسكات بعض الاصوات هنا أو هناك التي غردت خارج السرب .
واستمرت هذه السياسة الى يومنا هذا مع اختلاف الاساليب والادوات لتتناسب مع وسائل الاتصال الحديثه , منها المكتوب والمرئي والمسموع , وفي ظل ظهور الانترنت وبروز وسائل جديدة للتواصل الاجتماعي والاعلامي , ضعفت قدرة هذه الانظمة بالسيطرة عليها وأصبح العالم كالكتاب المفتوح لا أسرار ولا خفايا يخفيها على جيل امتهن هذه الوسائل واصبح يديرها بطريقته الخاصة , ومن خلالها استطاع أن يجمع حوله أغلب الناس البسطاء ليخلق حالة تمرد على واقع طالما احتاروا في طريقة تغييره , الى أن استسلموا له والتزموا بيوتهم بعد ان أصابهم الوهن والتوهان والخوف وفقدان الامل بالتغيير ومستقبل أفضل.
الى ان بدأت التغيرات والتحولات في بعض بلداننا الشرق اوسطية , وهنا بدأ الصراع المرير بين فئة من الناس عرفت كيف تجيد استخدام وسائل الاعلام الحديثة في التعبير عن أرائها , والمطالبة بحقوقها الانسانية والاقتصاية والاجتماعية , وبين قلة تدافع عن مصالحها الشخصية باستماتة لان التغيير يعني الانتحار والاندثاروفقدان نفوذها ومصالحها الاقتصادية والشخصية, وبعد أن أفاقت من الضربة التي تلقتها بدأت باستجماع قواها, مستخدمة الأموال والخبرات التي اكتسبتها من تجربتها الطويلة في الحوز على وسائل الاعلام وتوظيفها في صناعة الكذب, ولعلمهم المسبق ان الركيزة الاساسية والقوة الكامنة في القدرة على التغييرهم عامة الناس البسطاء فكانت الرسالة مباشرة وواضحة لهم , ومن اهم الاسباب التي تم استغلالها من قبل تلك القلة في توصيل رسائلهم نسردها كالاتي.
• ما يشهده العالم من تقدم تكنولوجي وثورة اتصالات لم تكن يوما من صنع العرب ووصلت اليهم متاخرا.
• الأمية المتفشية بين شعوبنا حيث تقول أخر الاحصائيات أن حوالي 70 مليون أي بنسبة 27% من سكان المنطقة أميين وتبلغ نسبة الاناث ما يعادل 80% من المجموع الكلي.
• الوضع الاقتصادي المتردي لبعض دولنا ساهم في عدم تمكنها من الاعتماد على وسائل الاتصال الحديثه.
• غياب الشفافية وعدم وجود القوانين التي تكفل حرية استخدام تلك الوسائل.
• الخوف من المستقبل لأن الخوف غريزة اساسية تتحكم في أذكى الناس , حتى الدول الموبوءه بالديمقراطية تستخدم الخوف لتمرير مشاريع بعينها , كخلق عدو مجهول يهدد البلاد بالانهيار اقتصاديا واجتماعيا وامنيا , وهذا ما اعتادت عليه الانظمة في دولنا لسنين طويلة , مما ترك شعوبها فريسة سهلة للتأثر بهذا الاعلام الموجه .
وفي سياق هذه الحرب برزت بعض التنظيمات والمجموعات, ذات التوجهات الايدولوجية والتي طالما حلمت بهذا التغيير لتحقيق سياستها وفرض ارائها على المجتمع, والتي استخدمت كافة الوسائل منها العنيف في كثير من الاحيان للوصول الى أهدافها ولم تنجح , وهناك ايضا بعض الدول الشقيقة والتي رسمت لها صورة على انها نصيرا لتلك الشعوب البسيطة , وداعمة لتوجهاتها ومطالبها في التغيير ,وذلك خدمة لمصالحها الشخصية التي تتلاقى مع نفوذ اّخرين , ناهيك عن الكثير من الدول العالمية, والتي تدرك ان التغيير سيضعف من قدراتها على تحقيق أهدافها في السيطرة على خيرات دولنا , وسيهدد مشروع وجود دولة اسرائيل العدو الرئيسي لنا. ولفشل التدخل عن طريق الاحتلال المباشر والذي بات مرفوض من شعوب تلك الدول . توافق جميعهم على استخدام نفس الأسلوب في صناعة الكذب مستغليين الاسباب التي أوردناها سابقا, عبر امتلاكهم لوسائل الاتصال الحديثه وأهمها المرئية للوصول لعقول الناس البسطاء والسيطرة عليهم وتحييدهم عن مطالبهم .
فالحرب الاّن تستعر والجميع يقف في خندقه ويعلن عن هويته بوضوح , متسلحا بوسائله الاعلامية , مستخدما أبشع أنواع التضليل والتخوين والتلفيق بالصوت والصورة , الانظمة القديمة , رجال المال والمصالح , الدول الشقيقة العدوة, الدول العالمية ومن ورائها الكيان الصهيوني , وجميعهم في وجه شبان بسطاء نالوا قدرا من التعليم , استطاعوا ان يجيدوا لغة العصر, وينقلوا من خلالها مطالبهم ليكسروا حاجز الخوف ويعيدوا الحياة والامل في نفوس الفقراء والبسطاء والطيبين . فالمعركة على كسب العقول ستكون طويلة ومكلفة, ولكن الغلبة ستكون حتما من نصيب هؤلاء الشبان المخلصين ولعدة اسباب اهمها
• كسر حاجز الخوف عند عامة الناس.
• السيطرة الأمنية على وسائل الاتصال الحديثة ليست سهلة كما في الماضي.
• الاستخدام لهذه الوسائل لا يحتاج الى المال الكثير.
• قناعة الناس البسطاء بالتغيير ودفع الثمن حتى لو كان على حساب أرواحهم حيث لا يملكون شيء يخسرونه.
• تشكيل نوع من الوعي الاعلامي عند الاغلبية واصبح بمقدورهم التمييز بين الكذب والحقيقة.
• التصميم والارادة التي يمتلكها هذا الجيل المبدع في ابتكار وسائل جديدة في معركته.
فعلى المثقفين ومناصري الحريات والديمقراطيات وحقوق الانسان في بلداننا والعالم اجمع , مساندة هؤلاء الثوار فالمعركة صعبة وطويلة , وتحتاج منا توحيد الجهود وشحذ الهمم في كشف صناعة الكذب وفضح اعلامهم , ولا نبالغ اذا قلنا أن حرب السيطرة على العقول أصعب من حروب الجيوش في أرض المعارك , لأن من يكسب العقول يكسب الأرض وما فوقها .
أشرف فارس الغول
Ashraf_alghoul@hotmail.com
.


