تابعت أمس السبت 19/10/2013 الخطاب التاريخي لدولة رئيس الوزراء لحكومة غزة إسماعيل هنية ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث جاءت تاريخيته من حيث: التوقيت ليس بالنسبة لحماس كما يبدو للبعض، وإنما للحالة الفلسطينية العامة وما تمر به من تطورات ومتغيرات، والشمولية، والالتزام بنص مكتوب ومحدد، والروح الذي حملها التي حاولت أن تجمع بين طي القديم والتطلع إلى المستقبل. أنا هنا لا أريد أن أضفي مدحا ولا أوصافا على الخطاب، ولكن أردت أن أشير إلى أننا نقف أمام هذا الخطاب بتطلعات جديدة كان قد وضعنا أمامها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" في خطاب مشابه، هذه التطلعات تخالج كل فلسطيني ليس في الأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب بل في سوريا ولبنان والعراق ومشارق الأرض ومغاربها حيث بلغت المعاناة حد يصعب تخيله، والمفاوضات حد يصعب تقبله، والقدس والخليل حد يصعب السكوت عليه، والحصار والابتزاز قدرا يصعب تحمله.
في الخطاب الكثير، وقيل فيه وعنه الكثير، لكن ما يهمن في هذا الخطاب كلمة مفتاحيه هي المدخل الحقيقي بل ولا أبالغ إذا قلت هي الحاسم لكل ما قيل، ألا وهي "المصالحة"، الكلمة الجاذبة، المثيرة، والمفرحة، المقلقة، الغامضة، الواضحة، المريحة، المؤملة والمؤلمة. هذه الكلمة حاولت أن أحصي عدد المرات التي تردد فيها يوميا على لسان القيادات الفلسطينية وغير الفلسطينية عجز "اللاب توب" عن حصر الرقم لطوله، فعزفت عن عدها، وقررت أن أذهب لما هو أهم وأبعد من ذلك.
ما قاله هنية بشأن المصالحة بالمطلق ليس جديدا في مضمونه ولا محتواه، وإن كان يحاول أن يعطي انطباعا بأن ثمة نوايا و توجهات جادة وجديدة في التعامل معها، وهو لحد كبير ورد على لسان الرئيس عباس، وقيادات فلسطينية عدة من شتى ألوان الطيف الفلسطيني، لكنها ظلت تحت سقف الخطاب الإعلامي الاستهلاكي. ولفت انتباهي في هذا السياق التركيز على أمرين هما: الأول الاستعداد لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والثاني إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، هذا إلى جانب أمور أخرى لا محل لذكرها هنا. ورغم أهمية كل ذلك لكن أعتقد أنه ليس المدخل الأنسب للولوج لملف المصالحة في هذه المرحلة، وأنه لا بد من النظر بصورة مخلفة، وفكر إبداعي للولوج في المصالحة مع الأخذ في الحسبان كافة الظروف والمتغيرات المحيطة بالحالة الفلسطينية، والعوامل الضاغطة، ولذلك قررت أن أكتب بهذه الرسالة إلى قيادة الشعب الفلسطيني ممثلة بالرئيس عباس وهنية لطرح مفاتيح جديدة للتعامل مع ملف المصالحة في هذه المرحلة.
نحن ندرك الإشكالات والمعيقات التي تربك الساحة الفلسطينية، وأن حسابات الموقف الفلسطيني الداخلي ليست معزولة عن محيطه، وبالتالي لا بد أن يكون التفكير في التعامل مع ملف المصالحة مدركا ومتفهما لكل ذلك من خلال البحث في صيغ إبداعية تخرجنا من الحرج والألغام الموقوتة. وبناء عليه أضع هذه المقترحات بين يدي القيادة برسم النظر والمناقشة، كما أضعها بين يدي الفصائل والنخب والمهتمين برسم المناقشة والإثراء:
- أدعو الرئيسين عباس وهنية إلى التفكير جديا بالعودة إلى ما قبل الانقسام، وإقامة حكومة توافق وطني من التكنوقراط المستقلين يكون مهمتها محصورة في إدارة ومعالجة الملفين الاقتصادي والاجتماعي في هذه المرحلة باعتبارهما باتا ملفين مرهقين للشعب الفلسطيني، مع الانتباه إلى محاولة توفير غطاء مالي ولو رمزي لمساعدة فلسطيني الشتات. ووفقا لذلك التخلي عن فكرة الذهاب للانتخابات في هذه المرحلة باعتبارها فكرة لن تقدم الحل السحري للحالة الفلسطينية، ولن تكن نتيجتها بعيدة عن الحدود التي ستفرض على كل من حركتي فتح وحماس التفكير في نوع من الشراكة بينهما لقيادة الشعب الفلسطيني واستيعاب كافة القوى الحياة في عملية شراكة خلاقة تتيح الاستفادة من كافة قوى الشعب ومقدراته.
- إعادة المجلس التشريعي إلى العمل بروح جديدة على أسس من التوافق على المبادئ الناظمة للتشريعات باعتبار فلسطين دولة ديمقراطية مستقلة تعتمد الإسلام كمصدر أساس للتشريع، ولا تتعارض معه، وتحترم حقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي، ويركز على النظر في القضايا الملحة للمجتمع الفلسطينية وإدارة شئونه العامة، وتجنب الخوض في الشئون السياسية، واحترام نتائج التصويت وفقا للدستور الفلسطيني والأنظمة واللوائح المعمول بها.
- الوقف السريع والشامل لكل أشكال السجال الإعلامي والتحريض والتعبئة الفصائلية المثيرة، وحصر التعبير عن المواقف السياسية والدبلوماسية في شخصيات وقيادات محددة، ووقف الخلط بين مواقف السلطة والحكومة ومواقف الفصائل والتنظيمات
- العمل على إعادة هيكلة وإصلاح الإطار القيادي للشعب الفلسطيني الممثل في منظمة التحرير، وجعله المرجعية القيادية والسياسية للمواقف والسياسات الفلسطينية، ومراجعة كافة أطره التنظيمية ولوائحه الإدارية والقيادية بحيث يكون قادرا على إدارة الشأن الفلسطيني العام على قاعدة التوافق الوطني، وتمثيل المرجعية الفلسطينية
- اعتبار فترة العودة إلى منظومة ما قبل الانقسام بمثابة اختبار للقيادات الفلسطينية وعلى رأسها قادة فتح وحماس لقدرتها على الاندماج في النظام السياسي الفلسطيني التوافقي، واحترام القيم الديمقراطية للشعب الفلسطيني، والتدوير القيادي والسياسي بناء على نتائج الممارسة الديمقراطية للشعب الفلسطيني.
- وقف كافة أشكال الاشتباك الإعلامي مع الخارج، والعمل على احترام إرادة الشعب الفلسطيني وقيادته ومواقفه الوطنية دون التمييز بين فصيل وآخر، أو قيادي وآخر أو مرجعية وأخرى.
- أدعو الرئيسين عباس وهنية على الضغط على القيادات والقواعد التي تغرد خارج السرب وتعمل على محاسبتهم باعتبارهم يضران بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، ويتسببان في إنهاك الإجماع والتوافق الفلسطيني، كم أدعوهما إلى أن يبادرا إلى تقديم نموج يحتذ إلى التوافق الوطني، واحترام الإرادة الوطنية الفلسطينية، والترفع عن الجراح والآلام كمدخل لدفع توجهات المصالحة والتوافق على الساحة الفلسطينية بكل أشكلها ومكوناتها.


