خبر : خطاب إسماعيل هنية بين فلسطين الشمالية والجنوبية ...محمد يوسف الوحيدي

الأحد 20 أكتوبر 2013 07:04 م / بتوقيت القدس +2GMT
خطاب إسماعيل هنية بين فلسطين الشمالية والجنوبية ...محمد يوسف الوحيدي



إشتعلت حرب القبائل منذ يوم السبت ، بعد أن ألقى الأستاذ إسماعيل هنية خطابا في مركز غزة الثقافي ، بين منتقد و بين مؤيد ، بين من قال لا جديد في المواقف ولا الأسلوب ، و بين من قال بل الجديد كله و الحسم و الرسم و الفصاحة و الحكمة كلها إجتمعت في هذا الخطاب ، و بدأت العملية تتسارع ، و الأصوات تعلو ، و الجدل يتسرب ، و بدأ اللاعبون ، و المنافقون ، و البين بين ، و المنتفعون يتملقون كل طرف بحسب و بقدر ما يستفيد ، فبعض أخذ يرقص لحماس و قيادتها و حكومتها بغزة ، و يطالب فتح و قائدها و قيادتها برام الله أن تستجيب و تلتف حول الخطاب ، و أخرون أخذوا يفلسفون الأمور أكثر ، لنكتشف معجزات في الخطاب ، قضَت منام زعماء العالم ، و حيرتهم ، و أخذ يفسر حتى نغمة الصوت ، و لغة الجسد و مدلولاتها و تأثيراتها .. و بين حانا و مانا .. تواصل إسرائيل جهودها ، و تبني المزيد من المستوطنات و يواجههم مؤيدو فلسطين الجنوبية بالدعاء عليهم ، و الطلب من الناس الإحتشاد و الإنتفاضة عليهم و تخريب سلطة فلسطين الشمالية المتفاوضة العميلة الخائنة و التي يرديدون صدقاً أن يتصالحوا معها !!! و دعم المقاومة و مشروعها الذي سيؤدي حتما إلى تحرير كل التراب و إرجاع الأقصى ، و النظر فيما بعد في مستقبل اليهود ، إما أن نقتلهم و نسبي نساءهم و نطرد شيوخهم ، أو أن نمنحهم الجنسية و نعاملهم كذميين ، و بينما الجدل دائر ، و داحس و الغبراء تشتعل ، تعلن قيادة فلسطين الشمالية أن خلافا حول معابر الأردن و الأغوار قد يسد أفق التفاوض السلمي مع إسرائيل ، و تعلن نقابة الموظفين عن إضراب في فلسطين الشمالية ، و يطالب مبعدو بيت لحم حكومة الشمال بدفع إيجارات مساكنهم رغم التأكيد بأن فلسطين الشمالية ستشهد إنفراجة إقتصادية في 2014 ، و تعلن إسرائيل عن إغلاق الحرم الإبراهيمي في الخليل ، إعمالا في التقسيم و السيطرة على مساجد الإسلام و المسلمين ، و حقوق الفلسطينيين ، و يؤكد متحدثوا فلسطين الجنوبية أنهم للعدو بالمرصاد ، و أن نهج المقاومة هو الطريق ، و أنهم قادمون لا محالة ، و أن أي إطلاق للصواريخ من الحدود الشمالية لفلسطين الجنوبية سيعرض المطلقين للمساءلة و الردع ..

 و غزي رافق والدته للعلاج فاعتقله الاحتلال على معبر بيت حانون ، بينما تنشغل أمريكا و إسرائيل بمعركتهما مع إيران فتضع الأولى الأخيرة في تفاصيل و مستجدات المعلومات و الإتصالات ..و تحلق طائرات إسرائيلية فوق لبنان ، ينتشر عملاء و ضباط أمن وشركات و إستثمارات رجال أعمال إسرائيليين في شمال العراق ،و سورية ،و ليبيا ، و قطر ، وجنوب السودان ، و أفريقيا ،و يتشنج الشماليون ، و يزبد الجنوبيون حول خطاب اسماعيل هنية ، بين من يطالب بالإنتخابات أولا ، و بين من يطالب بالحكومة أولا .. و من يطالب بالتطبيق و من يطالب بضمان أنه لن يخسر تحت عنوان " ضمان الحيادية وعدم التزوير " بمنطق أو لامنطق: على خاطري يا بحرد .. و تعلن فلسطين الجنوبية عن قائمة نهضوية و مشاريع تمت في جميع المجالات ، بإستثناء البحوث الفضائية للاسف ، و تعلن فلسطين الشمالية عن إقامة مؤسسات و الجاهزية للدولة ، و تعلن إسرائيل عن مزيد و مزيد من المستوطنات ، و أعمال التنقيب و الهدم حول و تحت الأقصى الشريف .. و يؤكد ناطقوا فلسطين الجنوبية بكل قوة و حزم أن أوسلو و ماتبعها باطل ، بطلان زواج عتريس من فؤاده ، و يطالبون بفتح المعابر للتمكن من السفر بواسطة جواز سفر منحتهم إياه أوسلو ، و يعلن ناطقوا فلسطين الشمالية أن عملية السلام و التفاوض تحتضر ، للسنة العشرين ، ما أطول روحها ، و انها إذا ماتت ، فإن الخيارات مفتوحة ، أو مضمومة ، أو مجرورة حسب موقعها من أي جملة ، و أي جملة في أي خطاب .. هي مجرد جملة ، هي تعبير ، هي خواطر .. هي إنشاء ..و من يقرأها بجدية و بعين الأقصى و بقلب فلسطيني لا يخطئ ، لا يحكم عليه بأنه خائن أو خائر أو مرتد أو مأفون ، ومن يقرأ و يتابع تصرفات إسرائيل ويرى كيف تقوم بواقع ، تبني و تحتل و تأسر و تقتل ، من الطبيعي أنه سيرفض الخطب و الخطباء ، و سيعرف أن أبناءه و نساءه و أكله و مشربه و كهرباءه و ملبسه وصحته و كرامته و فلسطينه لن تتحرر فقط .. بالدعاء .. فالعلاقات الدولية لا تدار بالتلفون .. و لا بجملة وسط تهنئة و عيدية .. و القتال لا يدار على جبهات مدنية ، و الحروب تقاس نصرا أو هزيمة بما يترتب عليها من مكاسب وطنية ، سياسية و إقتصادية و ثقافية و غير ذلك .. و الدم لا يسفك و لا يسفح إلا في معارك التحرر و التحرير ، و التفاوض لا يقوم إلا بالحق و ليس على حساب الحق ، و إن كانت الحقوق نسبية ..


و جودة الأداء ، و فصاحة اللسان ، لا تعطي للكلمات أي معاني إلا بما تزن بميزان الفعل على الأرض ، و إلا لكان المتنبي و المعري بل و أبو النواس أعظم الحكام و أقوى القادة ..
و الإختلاف بين من يسبق من ، الدجاجة أم البيضة ، الإنتخابات أم الحكومة ، كان أحرى بأن يقوم السيد إسماعيل هنية بالإعلان عن قبوله قرار الإقالة ، ووضع نفسه وحكومته في تصرف الرئيس ، لتعيين حكومة جديدة إنتقالية ، مهمتها الإشراف على الإنتخابات النزيهة و الشفافة تحت إشراف عربي و دولي .. هذا أذا كان الأستاذ هنية يريد أن تجد كلماته طريقا نحو الفعل و الا تبقى أسيرة البلاغة و التعبير ..
كنت أتوقع حديثا عن " حلول " لإشكالية منفذ رفح ، فالواقع يقول أن في مصر حكما جديدا ، لن يتعامل مع منفذ رفح بواسطة حركة ، بل سيتعامل مع فلسطين الدولة .. فما الحل ؟ هل الحل أن نبيض صفحة حماس في الإعلام و القضاء ؟ حتى و إن إبيضت و ظهرت لا شية فيها .. ما لهذا و مصلحة قرابة المليوني أسير فلسطيني محاصر في القطاع ؟؟ يريدون منفذا و متنفسا ، لا يرتبط بمستوى الرضا أو السخط على تنظيم أو فصيل أو حزب معين .. يريدون منفذا مقيد بإتفاق دولي صارم ، و محترم ..


كنت أتوقع " حلول " لإشكال الطاقة و مشتقاتها من غاز و سولار و بنزين و كهرباء .. فالإعتماد على كهرباء العدو الصهيوني الغاشم ، المدفوعة فواتيره من قبل فلسطين الشمالية ، لصالح فلسطين الجنوبية ، لا يكفي .. و الكهرباء الواصلة من مصر لا تغطي ..
كنت أتوقع " حلول " لإشكال الصحة ، و الزراعة ، و الصناعة ، و البطالة ، و التعليم ، و المياه المالحة الممرضة ..
كنت أتوقع " حلول " ربما تبدأ بالإعتراف ، أن الإستراتيجية ثابته ، و الإيمان بالمقاومة المسلحة لا جدال و لا زحزحة عنه ، و لكن " الإدارة " و " السلطة " ستجعلنا عقبة أمام الشعب ، ستحولنا إلى " هم " آخر يتحمله الشعب .. و تشغلنا مشاغل الحكم و السلطة عن البندقية و المقاومة .. فنحن الأغلبية البرلمانية ، و أصحاب التاييد الشعبي الكاسح ، لذلك لن يمر أي مشروع تفاوضي أو خياني من اسفل أنوفنا ..
ما العيب في هذا ؟؟ ما العيب أن يعترف الأستاذ هنية بأن القدرة على الإجارة تتعارض مع القدرة على المقاومة ، و أن حق حماس بعضوية منظمة التحرير لا جدال فيه ، و أنها لن تعترف بإسرائيل ، و أنها تؤمن بالكفاح المسلح ، و بان حقها في خوض أي إنتخابات قائم ، دون الإدارة لأن تجربتها أثبتت فشلا ذريعا ، و عادت بالويلات على الشعب ، فلم يعد قادرا على تحرير سنتيمتر واحد جديد من أرض فلسطين ، و لم يعد قادرا أن يحلم بيوم جديد لمستقبل أطفاله .. هل في هذا إشكال ؟؟>


أكاد أقسم و أنا أتخيل هذا المضمون ، بأن شعبية حماس ، و إسماعيل هنية بالذات ستحلِق في سماء القدس .. و ستخيف إسرائيل أكثر من اي صاروخ أو عملية عسكرية أو جولة ديبلوماسية سياسية في أي محفل دولي ..
لكن ، ليس هذا ما كان ، و يبدو أنه لن يكون ، و ما هو كائن مجرد خطب و جمل ، تعبير و خواطر .. و يستمر التأويل ، و التناحر في تفسير الكلمات ، و تستمر إسرائيل في بناء المستوطنات ، و تجريف التاريخ ،و تدنيس المقدسات من الفرات إلى النيل ..