خبر : لنفترق أحبابا ...لنا شاهين

الخميس 17 أكتوبر 2013 05:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
لنفترق أحبابا ...لنا شاهين



سامحك الله يا نزار ، تبسط الاشياء وتزينها فتبدو جميلة وهي في اقبح وجوهها ، حتى فراق الاحبة تعطه نكهة الشيكولاتة السويسرية وتجعل المرء ينسل من ارادته وهو يسر لنفسه ، يالله ما احلاها ، بدي ادوق ، ولكن كيف يا نزار ، كيف يمكن ان نفترق احبابا اذا كان التنائي قد اضحى البديل الامثل للتداني وتدهورت الامور الى ما صنع الحداد ، ولماذا نفترق اصلا ان كنا لا نزال احبابا !!

اعرف ردك يا نزار ، ستقول لكي اكون دائما جميلة ، وكي تكون اكثر اقترابا ، معذرة يا نزار ، هذا النوع من الفراق رفاهية لا تتوفر للفلسطينيين ، فنحن مقدورنا ان فارقنا ان نفارق فراق غير وامق ، على قولة بنات طارق ، يعني فراق بالتلاته بلا اي تفكير في العودة ، وهل يعود الموتى يانزار !! وهل فارقت تلك الزهرات الفلسطينيات الثلاثة والدهن ووالدتهن وكل احبتهن كي يكن اكثر اقترابا ، او كي يكن دائما جميلات ، وهل يعوزهن الجمال يا عاشق الجمال !!

والله ان صورتهن لا تكاد تفارق مخيلتي لحظة واحدة ، واراها تكبر وتكبر حتى تصبح اكبر من مخيم اليرموك الذي شاء القدر ان اكون انا وهن من لاجئيه ، واراني طفلة في مثل اعمارهن نلعب سوية ونتراكض في ازقة المخيم وشوارعه ، ثم نعود لنستذكر دروسنا على سطح بيتنا في ظل دالية العنب ، وعلى غير انتظار تشتعل الدنيا حريقا من حولنا ، وتنهال القذائف كمطر مدرار تصب على رؤوسنا الموت والرعب واليتم وكل ويلات الحرب ، فنفر من الموت ونحن لا ندري اننا نفر اليه ، وكأن الزمن قد شاء ان يقدم لنا تجسيدا حيا للنكبة التي كان اباؤنا واجدادنا يغرقوننا في احزان تفاصيل ذاكرتها السوداء ، ولا ندري كيف وصلنا الى بلد عربي شقيق فتنفسنا الصعداء ونحن نجدد اللجوء ونكمل كتابة التغريبة الفلسطينية ، ولكن ولا ادري لماذا ولا اريد اصلا ان اسأل لماذا حتى لا اتهم بمعاداة السامية العربية ، هذه التهمة الجديدة القديمة التي تم تفصيلها على مقاس الفلسطينيين وحدهم ، وربما تتفاقم تهمتي وتتضخم فترقى الى حد انكار الهولوكست العربية الا وهي الالاف المؤلفة من الشهداء العرب الذين قضوا من اجل فلسطين وبالتالي من اجلي ، وخراب بيوت العرب وغرقهم في الفقر والحرمان نتيجة الحروب المقدسة التي خاضوها من اجل فلسطين ، وايضا من اجلي ، والحكاية مش ناقصة مبررات جديدة للتحريض والكراهية وكل ما غدا يصب في خانة ان الفلسطيني هو عدو العرب وليس اسرائيل ، وربما بل من المؤكد ان هذا ما اشعل الدنيا حولنا من جديد نارا اشد لهيبا من نار الاقتتال في سوريا فولينا الادبار والقينا بانفسنا في اليم او في التهلكة لا فرق ، اكداس ترتص كالسردين في علبته ، والمركب قد اكل الدهر عليه وشرب ولا علاقة له باي نوع من انواع الصيانة وشروط الامان ، فلا امان مع الهروب والتهريب ، ان كانت محاولة الفرار من القهر والعذاب والاذلال الى ما كنا نحلم بانه عالم اكثر انسانية وبحبوحة من العيش يمكن ان تسمى تهريبا .

الا تزالوا تذكرون حكاية كركي كليلة ودمنة ؟ اتدرون من الاكثر غباء منه بالفعل ؟ انهما اثنان ، من يحاول ان يستعطف النار باقناعها بانه يحبها ولا يضمر لها شرا وهو قابع في جوفها تلتهمه بالجملة او شيئا فشيئا ، ساكن مستسلم كالاضحية لا يفر بعيدا عنها او يعمد الى اطفائها ، لا اضحية مين ، حتى الخراف والماشية قد انتفضت ولم تعد تسير الى حتفها مطأطأة الراس مكتوفة الايدي ، اقصد الاطراف ، واسألوا المئة والخمسة وعشرين مصابا الذين سقطوا في مواجهات مع اضحيات العيد في قطاع غزة وحده ، اما الثاني فهو من يحاول استمالة قلب امرأة معلق برجل اخر

انتظروا ، هناك من هو اكثر غباء وحماقة وسفها من الاثنين ، انه الفلسطيني الذي يحاول استرضاء العرب واتقاء شرورهم باثارة مكامن النخوة العربية واللعب على اوتار الاخوة والمحبة ووحدة التاريخ والحلم والامال والالام .

لا الله الا الله ، المركب قد ناءت بما حملت وبدأت تغوص في الماء ، امسكن بايدي بعضكن البعض يا بنات ولا تفترقن ابدا ، وكم كانت الشقيقات الثلاث مطيعات ودودات يعملن بالنصيحة فلم يفترقن حتى وبراثن الموت تفترسهن تحت الماء ، ولا احد يتنفس تحت الماء يا نزار ، ومن يغرق وهو في عمر الزهور لا يرسل الا رسالة واحدة من تحت الماء ، "فلتكن روحي لعنة على كل العرب "

اتدرون ما المضحك المبكي فعلا ؟ ان النيابة في ذلك البلد العربي الشقيق قررت احالة 116 سوريا وفلسطينيا تم انقاذهم من على متن المركب الغارق الى هيئة الهجرة لاتخاذ قرار ًبشان ترحيلهم الي بلادهم لخرقهم القوانين .. ولا ادري هل سيكملون معروفهم ويخرجون جثث الشقيقات الثلاث من قاع البحر ليرجع بها الابوان الى مخيم اليرموك في انتظار اعادة مشهد الموت من جديد ، فموته واحدة لا تكفي الفلسطيني في عرف العرب العاربة والمستعربة ، ومن غرقت في الماء لن يضير لو احترقت في النار ايضا .

هذا هو الافتراق الذي نعرفه يا نزار ، فرار من الموت الى الموت ، والعجيب ان بلادا عربية تعتقلنا وتلفظنا بعيدا عنها ان حاولنا اللجوء اليها سعيا وراء النجاة ، وبلادا عربية تقتلنا لفرارنا من الموت فيها ، والرصاص الذي اعطب سفينة الهجرة الهاربة من ليبيا فاغرقها قبالة سواحل مالطا لايزال ازيزه يصم اذان الفلسطينيين الذين انقذتهم البحرية الايطالية والمالطية خير شاهد على اخوة العرب ، وبالمناسبة ، كان بين الفلسطينيين الناجين من الغرق عشرين طبيبا ، اي انهم لم يكونوي شذاذ آفاق ولا ارهابيين .

لنفترق احبابا .. فالطير في كل موسم تفارق الهضابا .. لم يعد بمقدوري الضحك وصورة الشقيقات الثلاث تسد علي منافذ اي متعة حسية مهما كانت بساطتها ، ولولا ذلك لضحكت من تبسطك الى حد براءة الاطفال يا نزار ، الطير الذي يفارق الهضابا يعرف انه في كل موسم يهاجر ليعود من جديد الى ذات موطنه في تلك الهضاب دون اعتراض من سلطة هجرة ولا هجوم مباغت من خفر سواحل ، ودون خوف من اعتقال او ترحيل ، اما نحن فحتى عندما نرحل عن بلدنا طلبا للرزق وسعيا وراء اي وسيلة لتحسين اوضاعنا المعيشية ، لا نعرف ان كنا سنرجع ام لا ، او ما اذا كان سيسمح لنا بالعودة ام لا ..

اتدرون ، يبدو ان الحزن كالفرح يفتح الشهية للكلام ، غير ان الكلام في حالة الحزن يسمى فضفضة .. دعوني اذن افضفض لكم بحكاية اخرى من حكايات لنفترق احبابا هذه ، كنت اعد تقريرا عن هجرة الشباب ، وقد هالني الى حد الهلع الغارق في كل انهار الاحزان ما لمسته من تهافت شباب غزة وجيلها الصاعد وبناة مستقبلها على الهجرة الى خارجها ، ورغم انني لا املك ان الومهم على ذلك الا انني قد كتبت ..

"حينما يغدو الرحيل عن الوطن حلما ، وقطع الامس عن الغد املا ، تكون المواطنة قد اضحت مجرد كلمة في بطاقة هوية .. ويكون المطر قد عاف السحاب والشمس قد ادمنت الغيابا .. لهف قلبي على غزة تسألها أفلاذ كبدها الرحيل فلا تجد ما تقول من بين دموعها الا ، لنفترق احبابا"

ترى كم من ابناء غزة الذين افترقوا عنها احبابا عاد اليها ثانية ، وكم منهم قد افادت غزة من رحيله عنها وما حققه من نجاح خارجها ؟ ويتساوى هنا من لم يعد اليها بارادته واختياره ومن حيل بينه وبينها لاي سبب من الاسباب التي لا تخفى على احد

وحياة الله ان هذا النوع من "لنفترق احبابا" هو القهر بعينه ، وهل هناك اقسى على الاحباب من ان يفرق بينهم !! ليس لانهم ملوا او سئموا هذا الحب وانما لان هناك اسباب قاهرة تجعل الافتراق حتميا ، وهل يستطيع احد ان ينكر على شاب حقه في ان يفارق غزة حتى وان كان يهيم بها حبا ، بحثا عن طريق اوضح واقصر الى مستقبل افضل .

لنفترق احبابا اذن ، وارض الله واسعة والحركة بركة ، والشمس تكون احلى عندما تحاول الغيابا ، ليس رغبة في الغياب باي ثمن ، ولكن لكونها تعلم انها ستشرق من جديد في صبح اخر ، ويالشمس غزة وهي تحاول الغيابا وفي قلب البحر .. رقيقة شمس غزة عندما تخلع درعها وتلقي بالسيف والصولجان بعيدا لتستريح استراحة المحارب قبل ان تستأنف رحيلها السرمدي في الجانب الاخر من الدنيا .. تتحلل من كل مظاهر القوة والبطش وترخي شعرها الذهبي على كتفيها وحول وجهها الذي يضفي عليه الحياء حمرة تجعله اقرب من وهج النار الى شاعرية ضوء القمر .. كأنها فارسة من نساء الاساطير تعود الى انوثتها والليل يرخي سدوله، فتحمر وجنتاها خفرا وهي تتحول من مقاتلة شرسة الى حسناء عاشقة ، تذوب رقة وهياما ، وتسمح لعاشقها وحده وفي هذه اللحظات فقط بان يفتح عينيه ويرى كم هي جميلة ، دون ان تخطف بصره وتعميه ، لكنني لن استطيع بعد اليوم ان اشبع نهمي المعتاد لرومانسية غروب شمس غزة وهي تختفي في زرقة البحر رويدا رويدا ، فعيني ستحجب بصرهما دموع الحزن وانا ارى وجوه زهرات مخيم اليرموك الثلاث اللواتي فررن من الموت الى الموت ، يغيبها موج البحر مع قرص الشمس .

أغنيتنا الليلة حزينة ، نعم ومن يعرف اي سبب او مبرر مهما صغر ، لاستبدال كل هذا الحزن باي قدر من الفرح فليأتني به ، وساعتذر له عن تقل دمي الذي اعرف كم يكون مملا عندما اكون حزينة ..

وانا اليوم حزينة .. و .. لنفترق احبابا