خبر : حماس بين حركة مشعل و جمود الغلاة . ...محمد يوسف الوحيدي

الأربعاء 16 أكتوبر 2013 05:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس بين حركة مشعل و جمود الغلاة . ...محمد يوسف الوحيدي



تمر المنطقة العربية ، بكثير من التفاعلات و التصاعد و الهبوط في كافة زوايا الحياة ، السياسية و الأمنية و الإجتماعية ، بل و الثقفية الإجتماعية .. فالتناقض و التضاد أصبح سمة واضحة تميز الشرق الأوسط ، و لا يكاد محلل أو باحث أو مراقب الإنتهاء من الإدلاء برايه و تحليله للوضع ، أو ينهي مقالا أو بحثا يفكك فيه بعض معادلات الشرق الأوسط ، إلا و يجد نفسه في حاجة لتغيير موقفه أو بعضه ، أو تنقيحة زيادة أو إختصاراً أو حتى إلغاءً ما كان يذهب إليه بالأمس .. أصبح المراقب يبني رؤيته على معطيات آنية ، فكيف يمكن أن يستشرف حدثاً أو يتنبا أو يتوقع تطورا في مجال ما ، إلا إذا بنى هذه الرؤية على معطيات معينة ، و بعض الثوابت و الأمور المبدئية ، فإذا إنتفت هذه المبادئ من كونها ( ثوابت ) و تحولت إلى متغيرات ، و إذا تسارعت المتغيرات في عملية التغير و غاب أي تفكير أو بناء لسياسات على أسس رؤي إستراتيجية قصيرة أو بعيدة المدى ، فكيف لمحلل أو مراقب أن يرى أبعد من يومه ؟

و عليه ، أصبح الثابت الوحيد في كل هذا هو ثبوت حالة ( التغير ) ، و الأمر الوحيد المؤكد عند دراسة أو تحليل شئون الشرق الأوسط هو الإنطلاق من حقيقة واحدة و هي أيضا ( التغير ) ، التغير للأفضل أو للأسوأ ليست هذه هي القضية ، القضية هي التغير في حد ذاته .. و عدم ثبات الحال ولو لرؤية قصيرة المدى ، فالتغير السريع ، الذي شهدته مصر ، ليس فقط في أنظمة الحكم ، بل أيضا في التركيبة النفسية الإجتماعية ، و الثقافة الجمعية ، في الذوق العام ، و الراي العام السابق للفعل العام كان أحد أهم سمات المرحلة التي أتكلم عنها .. فلسطينياً و تحديداً في ملف حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) كان و ما زال لي راي ثابت في متغير هذه الحركة ، و يبدو أن التعبير عنها أو البوح باساليبها ، أو التعرف على مواقفها الحقيقة أصبح معضلة مستعصية حتى على بعض ليس بالقليل من أبناءها ، و ترى هذا و ضاحا جلياً في التناقض ليس فقط في أقوال متحدثيها الرسميين و الهواة ، و المتبرعين بالتحدث بإسمها من بين صفوفها ، بل أيضاً في الأفعال و العلاقات المحلية و الإقليمية و الدولية ، ولا أحبذ هنا أن يفهم كلامي على أنه توصيف لحال الحركة بعد أحداث مصر في الثلاثين من يونيه و ثورة إرادة الشعب التي عززها الجيش ، ولكن رؤيتي هذه تتعلق بأمور أكثر أصولية ، و أكثر عمقا من هذا ، فربما كنت شَغوفاً و مازلت في ترقب تصريحات ، و مراقبة تحركات هذه الحركة ، بطبع و طبيعة الصحفي و بغريزة الفلسطيني العربي المسلم ..

 وقد كان لي منذ زمن بعيد تعليق لا أظنه سطحي بقدر ما هو بسيط و بديهي ، و يدعو إلى الدهشة ، و الحيرة ، فانا و كتساؤل أصيل ،لا أحبذ لأي تنظيم أو حزب أو جماعة " دينية" أو تقول أنها بمرجعية دينية و هنا هي بمرجعية ( الإسلام ) لا أحبذ أن تتصف بوصف ( الحركة ) ، فالتفسير العلمي المبسط للفرق بين الحركة و الحزب يقول : الحزب جماعة من الناس تكتلت على فكرة واضحة مفصلة يراد إيجادها في واقع الحياة، وكل الأعضاء يحملون نفس الفكر. أما الحركة فهي جماعة تكتلت على فكرة عامة مثل تحرير الأرض ولكن التفاصيل يحق لكل فرد أن يبتدع فيها وبالتالي يحصل فيها تيارات

 .. من هذا نستطيع أن نفهم ان تكون ( فتح : حركة ) فهي مجموعة من الوطنيين لديهم فكرة عامة و هي تحرير فلسطين أولا ، عبر تحرر الإنسان الفلسطيني ، ليحرر أرضه ، و من ثم يختار بوسائل ديمقراطية نظام الحكم الذي يريده .. و لكن عند النظر إلى ( حماس ) فكيف لي أن أفهم كونها حركة تتبنى فكرة عامة ، و هي تتبنى فكرة خاصة دينية و هي ( الإسلام ) و طبيعة الحركة تنافي الإيمان بمبدأ ثابت ، يتحقق بواسائل مشروعة ثابتة ، الحركة لا تؤمن يثبات الحال و لا الوسائل ، و تتغير وفق تغيرات المناخ و الوسط السياسي و الإجتماعي و الثقافي و الإقتصادي و تُوائِم نفسها لتصل إلى هدفها العام .. بينما الجماعة الدينية يفترض بها أن لا تتغير بل تُغير ، أن تتبع اسلوبا واضحا لا لبس فيه ، و تصل إلى هدف معلن واضح ، و الحركة تعبير عن إرادة وطنية ، و ليس إرادة أممية نتنتفي معها الوطنية ، و من الملاحظ جداً أن حماس لا تحمل إسم فلسطين في إسمها الرسمي ، فهي بذلك تدلل على مبدأ أممي أصيل لا يقف عند حدود وطن ( حركة المقاومة الإسلامية – حماس ) ، بعكس كافة التنظيمات و الحركات و الأحزاب بل و التيارات الوطنية الفلسطينية الأخرى .. 

و كيف لحماس أصلا أن تكون حركة و هي جزء من جماعة الإخوان الملسمين ؟ أسئلة أعتقد أنها بدهية ، و يجب أن نطرحها على أنفسنا .. في كل هذا ووسط كل التساؤلات ، و بمراقبة أحوال حماس ، من حيث الأقوال و الأفعال ، أرى أن الأستاذ خالد مشعل هو الأكثر فهما لطبيعة "حركة" حماس ، و جوهرها ، بينما ، ووفق التقلب و التضارب ، بل و أحيانا التباين في الأقوال و في الأفعال في حماس ، يرى المراقب أن هناك من لا يتفق أو يشترك ، و أحيانا يتناقض تماما بما يذهب إليه خالد مشعل ، بالقول و بالفعل .. بالأصل و بالفرع .. بالإستراتيجي و بالتكتيكي .. تجد أن كثيرا من منتسبيها و حتى قياداتها ، لا يفهمون ما يبدو أن مشعل يفهمة ، و لا سلمون بالحقيقة التي يعرفها مشعل .. و أستطيع أن أضيف ، ولا حتى منهج الشهيد الشيخ يس ، ولا بعض القادة الشهداء أمثال المهندس إسماعيل ابو شنب و غيره الذين كان لهم مواقف و أقوال هي أقرب من توجه مشعل اليوم ..

على سبيل المثال لا الحصر ، و حتى لا أرهق القارئ بالبحث و العودة إلى تواريخ قديمة أو تصريحات لبعض الناطقين و أفعال لبعض المتنفذين ، أريد أن أقف عند المساحة ما بين خطاب خالد مشعل في أنقرة قبل ايام ، و من ثم رد الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته مع مراسل وكالة الاخبار اللبنانية إيلي شلهوب، الذي أعطى إشارات سلبية حول علاقة سوريا أو نظامه مع حماس في المستقبل هو الهدف الذي إستشف من كلمة مشعل في تركيا في محاولة للتهدئة و إصلاح ما يمكن إصلاحه .. كذلك محاولات إعادة الوفاق و الإتفاق مع إيران ، في وقت ، أصبح الرئيس الإيراني الجديد نجم الصحافة و الشاشة الأمريكية ، و يتلقى كلمات إعتذار حتى عن حالة المرور السئ في نيويورك ، فاي دعم و على حساب من و ماذا ذلك المتوقع من إيران في عهدها الجديد ؟؟ و بعد غيبة طويلة عن الأضواء ، عاد مشعل للأضواء ، في محاولة جريئة ، للقياس و الحساب ، و من ثم إتخاذ القرار في أين يوجه بوصلته .. خاصة بعد تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو في رايي هو أكثر من تصريح ، هو طوق نجاة ألقاه الرئيس لحماس ، أو لمن كان له قلب أو الفى السمع و هو شهيد من حماس ، في مقابلته مع الإعلامي ماهر شلبي حول أن حماس جزء من المجتمع الفلسطيني ، و أنها حتما جزء من العملية الديمقراطية المستقبلية .. فحضور الأستاذ خالد مشعل ، إلى سفارة بلاده ، سفارة دولته ، سفارة دولة فلسطين في الدوحة - قطر ، وعدد من أعضاء الحركة المتواجدين في قطر، إضافة إلى مجموعة الأسرى المحررين المبعدين إلى قطر.ليقدم التهاني و التبريكات بحلول عيد الأضحى المبارك ، و من ثم إتصاله بالسيد الرئيس محمود عباس ليرفع له التهنئة و التبريكات بالعيد ، كلها ، تحركات ذات مضمون ، و أسلوب راق من رجل سياسي ووطني محنك ، كلما تابعت تحركاته ، و أسلوبه في الإدارة و القيادة ، أشعر بالحسرة و الألم و أنا أقارن بينه و بين تصرفات ، و تصريحات , وعنتريات ، و قصر نظر ، آخرين ..

 و أتمنى لو أنهم فعلا ، يستمعون و يتعلمون منه . عليهم أن ينهوا و إلى الأبد ، هذا الصلف ، و المعاندة و المكابرة و الرفض للرفض ، و أن يغسلوا هذا الحقد المبرر و المغلف بالدين ، و الجدل المتعب ،و الممل لينطلقوا نحو شعور وطني جامع ، نختلف أو نتفق معهم فيه ، لا يهم ، المهم أنه ( وطني ) و جامع .. بعيدا عن السحج و التبرير و التلوين ، و الإتهام و التخوين .. 

دعوني أدعو الله ، و أتوقع رغم صعوبة التوقع ، أن يحمل خطاب إسماعيل هنية ، معانٍ تتواءم أولا مع مفاهيم و أسلوب رئيس المكتب الساسي للحركة خالد مشعل ، و أن يحمل ما يبشر بالخير ، و أن تخلو كلمته من التخوين و الإنتقاد للتفاوض ببديل شعار المقاومة دون مقاومة حقيقية و قادرة على إرجاع ولو جزء من حق ، ووقف إحتلال و تحرير ولو شبر من الأرض .. دعونا نبتهل إلى الله أن يزيل الغمة ، و يبصر القلوب و العيون . إنه قادر عفو كريم .