خبر : Face book ...بقلم: حسين حجازي

السبت 12 أكتوبر 2013 09:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
Face book ...بقلم: حسين حجازي



10 تشرين الأول 2013

من الجنوب الغربي "أغارُ" من نسمة الجنوب، ومشرّع على الغربي بين الظهر والعصر، في تل يسمى تل الهوى، وفي الأرض التي تسمى بنت الصبح سلامٌ عليك مظفر النواب، والى الشمال الشرقي وحيث الشمس في مقتبل الشتاء كأنها خلقت لتداعب الصبح، وحيث الشروق هنا يقابل الأصيل في تبادل بديع وساحر للأدوار. وحين يخيم الغروب، موت الشمس آخر النهار تحول الرياح مجراها من الشمال الى الشرق، هيا يا صديقي سعيد من بات ليله من دون هموم، وسعيد أيضا من نام الليل يتنفس عطر نسيم الله الآتي من جهة الشرق. آه أريد أن اتجه بنظري صوب الشرق لأعرف الطريق التي سارت عليها الحضارة. الى الشرق اذن علك تستعيض عن غناء الموج بتناغم الجسد والروح في هذا الصمت، الهدوء الداخلي الذي كان منذ القدم مصدر هذه الصوفية الداخلية، صوفية الروح والتي ارتبطت بالشرق. ومن يدري لعلك تصحو يوما في الفجر وترى بأم عينك بزوغ ولادة الشمس، تماما من هنا من جهة الشرق كما رأيتها المرة الأولى، وقد عُدت قبل عشرين عاما.

30 ايلول 2006
في سن الطفولة المبكرة كنت ألاحق الشمس وكانت المقابلة الاولى هي بين ضوء الشمس الساطع، الصباحات المشرقة الدافئة والنهارات الجميلة وبين العتمة، عتمة الليل الموحشة المخيفة الباعثة على التأملات الميتافيزيقية. في الصبا كنت ألاحق ظل الشمس تحت الأشجار الباسقة، وفي ظلال الجدران المنعكسة على الرمال الرطبة قبل ان تتعامد الشمس وتنحسر الظلال الصباحية، مخلفة شمساً حارقة. في سن الرجولة في المنافي كنت ابحث عن اكتشاف سر المدن، عن آثارها القديمة وعن الطبيعة، عن الجبال والأنهار والفيافي، عن ضوء الليل والشوارع الكبيرة، عن القرى والدساكر والغابات وحفلات السهر والشواء، عن الأصحاب والمنافسات والسفر.
وفي سن الكهولة بدأت ألاحق ولادة الشمس عند الشروق، وموت الشمس عند الغروب، بدأت ألاحق حركات الريح الاربع، ارقب انتقالها وتحولها لكي انتقل معها وأتحول. بدأت افهم سر الجسد وكما لو انني انا الشمس التي ذبلت نارها بعد ان أنهكتها السنون، تحولت لأن الملم ضوئي الذي بقى، ناري التي خمدت جذوتها لكي أضيء داخلي على نفسي.
تشدني البدايات والنهايات، بدأت ألاحق ضوء الشمس مرة أخرى كما لو أنني أعود أدراجي مرة أخرى لأن استعيد ذكرى طفولتي، ولم يعد يثيرني العالم، ولكنما نفسي وأحاول فيما تبقى لي من الوقت أن أفهم كنه هذه النفس، روحي التي في انطوائها على ذاتها، تطوي العالم في خباياها.

عود على بدء : شقة للإيجار
على مدى عشرين عاما أعاود في كل مرة تجميع ما تراكم من اثقالي كراكيب الأيام، واحملها على ظهري من شقة الى شقة الى شقة اخرى للإيجار، لأعاود الكرة من من جديد كما لو انني انفذ عقوبة ألهية، كذاك البطل الإغريقي القديم الذي تقول الأسطورة ان الآلهة عاقبته بأن يظل يحمل صخرة كبيرة ليصل بها الى قمة التل، ولكنه حالما يصل يعود القهقرى ادراجه من جديد، الى النقطة التي بدأ منها. اما تعبت؟ واذا لم يسعك بيتك لتراكم فيه كل اثقال كراكيبك، فأي بيت يتسع لك؟ او هل اردت ان تكون حرا على طريقة المسيح، من اراد ان يتبعني فليترك ويتجرد من كل اثقاله ويلتحق بي.
هل كانت هذه الدعوة المسيحانية المبكرة التي تختزل فكرة الخلاص في كلمات اقرب من روح عصرنا، الى ارنستو تشي جيفارا ؟ باشتراط هذا الخلاص بالمعنى الوجودي والفلسفي الديني، بالتخلص من الملكية، التجرد من كل شيء الاثقال المادية وصولا الى الحرية، بلوغ الحرية التامة او المطلقة. ربما في سياق رد الشرق على الغرب في هذا السجال الذي لم ينته، الغرب مجسداً في ذلك الوقت بعظمة روما الامبراطورية العدوانية التوسعية. وحيث هنا المسيح اليسوع المشرقي اقرب الى استلهام زينون الاغريقي ابو الفلسفة الرواقية، وحيث لن تبلغوا السعادة، حرية الجسد والروح الا إذا تخليتم عن رغباتكم التي هي قيودكم او أغلالكم، وهو المعنى الجوهري الذي يصل بالنهاية الى الإسلام، اي التسليم بأمر النفس والوجود الى الله.
من الجنوب الغربي الى الشمال الشرقي كبدوي مرتحل، لكن اذ ناء ظهري من الارتحال وأنا احمل هذه الكتب التي جمعتها وحملتها معي من بلد الى بلد ومن بيت الى بيت، احملها على ظهري وهي كل اثقالي التي جمعتها في الحياة، وظهري ما عاد يقوى على حملها من جديد وما عاد نظري يوجد به ضوء لأعاود قراءتها كلما ضاقت في الدنيا، وراودني الحنين لأن أجلس ليلاً كما كان يفعل مكيافيلي بعد ان يفرغ من لعب الورق والنرد مع الفرّان ليلتقي بأصدقائه القابعين هناك بصمتهم على الرفوف. أكان جاك روسو في منفاه الأخير ووحدته البائسة محقا، حينما القى بكتبه واحرقها، ليكتفي فيما تبقى له من ايام العمر مترحلا زاهدا في كل شيء، ويصب جل اهتمامه في البحث عن الأعشاب بين الطبيعة. لكن لمن اعطي يا جاك المسكين عقدك الاجتماعي، الكتاب الذي تحول إلى انجيل الثورات، ولمن أعطيك يا ادوارد جيبون العزيز لمن أودع ذكرى الامبراطورية وهي في طور الاضمحلال ؟ والذي أوصى اللورد كارادون الذي كتب القرار الشهير 242 بأن يُقرأ على قبره بعض مما احتوته فصوله لا من الانجيل.

22 تشرين أول 2006
بدأت الآن وقد دخلت عتبة الخمسين، أدرك ما الذي قصده يونغ رفيق فرويد في أبوة التحليل النفسي، عن تحول الشمس وقد أخذت قوتها في الأفول الى ان تستجمع ما تبقى لديها من قوة وإشعاع لكي تضيء وتشع على ذاتها. لا يعود لدينا في هذا الوقت وقد بدأت شمسنا في الغروب سوى ان نحاول استجماع ما تبقى لدينا من قوة لكي نضيء ذاتنا، ان نشع على انفسنا بأنفسنا. هذه هي اللحظة التي أعيد فيها اكتشاف الجسد محاولا التكامل مع ذاتي. هذا الصباح الهادئ الرطب والجميل رأيت ما رأته عيناي أول مرة بواكير الأشياء، ضياء السماء وإشعاع شمس الصباح على الفضاء. رأيت كما لو انني استعيد الق أبصاري الأول. الواقع اننا نبدأ اكتشاف الجسد عند الطفولة وفي المرة الثانية عن سن الكهولة، في الطريق الى القبر او قرب الموت، لعلني قد بدأت للتو في فهم جميع الأشياء، الإمساك بأعنة الجياد، لقد مسكتها الآن اذن، ولكن المشكلة المفارقة ان قواي لا تستطيع مساعدتي في شدها والانطلاق.

الفقر 25 تشرين أول 2006
يقول ابن خلدون ان المجاعة حين تضرب مجتمعا من المجتمعات، والفقر هو الاسم الملطف عن المجاعة، فإن الطبقات المترفة الفاسدة والثرية هي التي تتأثر بهذه اكثر من الطبقات الفقيرة. لكن الواقع ان الأغبياء الذين فكروا دوما بقلوبهم هم اكثر الأشخاص تأثرا بالفقر العام حين أخذوا على حين غرة، ولم يصنعوا أسواراً منيعة حولهم لا تخترق حتى إزاء كوارث ومصائب عامة من هذا النوع. إن المسألة بالأخير هي الطريقة التي نقرر بها كيفية التآلف مع الحياة لا الحياة نفسها.
- الفقر هو أن لا تستطيع القيام بواجبك الابوي في تقديم العطاءات لأولادك يوم العيد، كما تتخلى عن لعب هذا الدور ازاء الاولاد الآخرين من رحمك.
- الفقر هو شعور خاص وفريد، تستطيع من خلاله التعرف على المعنى الكامن بحياة الانسان ازاء وضع معين، هو الادراك بأنك لم تعد تساوي الوزن المعنوي الذي تمثله ازاء نفسك، ولكن الوزن المادي الحقيقي، وهذا معادله الوضع صفر.
- الفقر هو ان تعرف ايضا في لحظة محددة ان الله حق وان الحياة، ما الحياة الا سير على المنحنيات صعودا وهبوطا، وهكذا فيوم حلو ويوم مر، يوم لك ويوم عليك.
- الفقر هو التفكير في امر الشراكة، الفريق الذي تنتمي له وترتبط به، ان الفقر هو مرحلة ارتدادية نحو اكتشاف الرواقية.
- الفقر هو ان تشعر بأن ثمة قوة تدفعك نحو الهامش بحيث ان الآلة الصماء للرأسمالية لم تعد بحاجة الى قوتك الشرائية، او الفقر هو العودة الى زهدك الاول، المعنى الفطري والطبيعي للحياة.
- الفقر هو محصلة مسار من الترفيه والثراء غير الطبيعي، وهي ازمة يمر بها كل اقتصاد الدول كما الافراد حين لا يكون لدينا مخطط عبقري كيوسف، يدّخر من السنوات السبع السمان لمرحلة السنوات السبع العجاف والله اعلم.