ما زال الشعب الفلسطيني المهجّر في الدول العربية منذ النكبة، في العام 1948، يجرّ ذيول نكبته في الدول المضيفة، وأصبحنا في تعاملنا مع الأنظمة العربية وقوى المعارضة كالذي يسير فوق حدّ السيف إن مالَ على أي جهة أصيب، أو كما يقول مثلنا الشعبي الفلسطيني "الملدوغ من الأفعى، يخاف جرّ الحبل"!
ولقد تعلّمنا من تجربة غزو الكويت درساً قاسياً.. دفع فيه مئات الآلاف من الفلسطينيين ثمناً أكبر بكثير ربما من الموقف الذي حاول البعض تسجيله ضد الفلسطينيين، أو ربما مواقف فئة محدودة تجاه ذلك الغزو. رغم تأكيدنا الواضح في حينه أننا مع شعب الكويت وحرية دولة الكويت وضد الغزو مهما كانت المبررات.. وما زالت أعداد كبيرة من الفلسطينيين تدفع ثمن تلك التجربة.
وفي "الربيع العربي" يبدو أننا مرشحون لدفع "فاتورة" ليست لنا فيها "ناقة ولا جمل"، في أكثر من دولة.. ولعلّ مواقف جزء من القيادات السياسية الفلسطينية هي السبب في ذلك.. فالعلاقة مع الشعب المصري في لحظات معينة مرّت بمشاهد سوداوية، والسبب هو تدخل حركة "حماس" في الشأن المصري، وانحياز إعلام "حماس" بشكل واضح إلى طرف ضد آخر، ومحاولة البعض تحت عباءة الدين، والدين من ذلك براء، جرّ الشعب الفلسطيني إلى ما لا تحمد عقباه.. نحن بحاجة إلى البعد العربي وإلى الشعوب العربية وإلى مواصلة إبقاء شرعية القضية الفلسطينية وأبعادها الثقافية والسياسية والأخلاقية لدى الجماهير العربية بحدّها الأدنى.. ولا نريد أن يُنظر إلى الفلسطينيين في أي بقعة عربية على أنهم أعداء أو أشخاص غير مرغوب فيهم.
هناك موقف فلسطيني واضح تبنّاه الرئيس محمود عباس والقيادة منذ اللحظة الأولى لبداية التحوّلات في الدول العربية على قاعدة أن ما يحصل في هذه الدول شأن داخلي، وما تراه الجماهير والشعوب في مصلحتها سنكون معه.. هذا الخيار وضعنا في موقف حماية، وحدّد توجهاتنا بمناصرة الشعوب.
ونتيجة لمواقف "حماس" فإن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يدفعون ثمناً باهظاً.. ويتحملون وزر مواقف سياسية ترفضها الغالبية المطلقة من الشعب الفلسطيني.
موقف القيادة الفلسطينية والسلطة الوطنية من أحداث سورية كان واضحاً منذ البداية: نحن مع مطالب الشعب السوري.. وبهذا فإن كثيراً من وقفات التضامن في المدن الفلسطينية كانت مع الشعب السوري والدعوة لوقف كل العذابات التي يتعرض لها أطفال وشيوخ وشباب ونساء هذا الشعب، بصرف النظر عن الجهة المسؤولة.. بمعنى أن انحيازنا هو للشعب السوري.
في سورية، أيضاً، مجموعة فلسطينية منبوذة حاولت إغراقنا في هذا الصراع الدموي المدمر سواء بالتحالف مع النظام أو مع المعارضة الدينية (إذا جاز هذا التعبير).. وكان موقف منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني هو: ليست لنا علاقة بهؤلاء الذين لا يمثلون الشعب الفلسطيني، وما زلنا عند مواقفنا.. حتى عندما ذهب وفد منظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق كان الهدف واضحاً، حماية اللاجئين الفلسطينيين وتحييد المخيمات الفلسطينية عن هذا الصراع.. ولكن بعد زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي إلى دمشق، والتي جاءت، أيضاً، في هذا الإطار، أي تحييد اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة وقف الاعتداءات عليهم وتهجيرهم القسري، في ظل تزايد عدد الشهداء المدنيين من الأطفال والنساء الذين يسقطون يومياً في هذا الصراع الدموي.
هدف زيارة زكي كما تؤكد حركة فتح، وهو شخصياً، لا يأتي مطلقاً في ظل ما يحاول البعض تسويقه من دعم النظام.. لا علاقة لنا بالنظام أو المعارضة، ولا علاقة للشعب الفلسطيني بشلال الدم المتواصل.. ولكننا مع إنهاء عذابات الشعب السوري ومع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أماكن سكناهم.. ولا يمكن القبول بنكبة ثانية وثالثة لهؤلاء الذين لم يذوقوا طعم الاستقرار يوماً وعيونهم ترنو إلى فلسطين.
يجب ألا تحمّل زيارة الأخ عباس زكي أكثر مما تحتمل، ومن يفسّر التصريحات التي أعقبت زيارة الأسد بأنها تأييد للنظام مخطئ، ومن يفسرها على أنها ضد المعارضة مخطئ؛ لأن خلاصة الموقف الفلسطيني هي أنه ليست لنا مصلحة إلاّ في أن نظل محايدين تجاه مجريات الأحداث الداخلية والانحياز فقط لشعوبنا العربية، فنحن جزء منها وهي جزء منا..! ولا نرغب في أن نفتح صفحة الماضي الأليمة والمواقف الماضية منذ الستينيات أو السبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي، وبهذا فإن محاولة بعض الكتّاب العزف على وتر وجع الماضي لن تزيد الأمور إلا تعقيداً.
abnajjarquds@gmail.com


