خبر : البحث عن الزعيم المخلص....! ...أشرف فارس الغول

الجمعة 11 أكتوبر 2013 03:17 م / بتوقيت القدس +2GMT



أتذكر جيدا منذ بدأ وعينا يتشكل كيف أننا كبرنا على سير الزعماء ,قصص عديدة نسجت منها الخيالي ومنها الواقعي مع هالة التقديس على زعماء قادوا شعوبهم لنيل استقلالهم وحريتهم من الاحتلال وبنوا دولا وغيروا مجرى التاريخ , تعلقت بهم قلوبنا وأصبحوا قدوة نقتدي بها الى حد التأليه أحيانا , الى أن أصبحنا أسرى لفكرة المخلص الزعيم القائد المغوار البطل الفذ وغيرها من الالقاب التي تفيض بها لغتنا العربيه, وانعكس ذلك على حياتنا اليومية من زعيم المدرسه وزعيم الحي وزعيم القبيلة والخ من مسميات الزعماء.
في قديم الزمان نسجت العديد من الاساطير والحكايات وكانت في أغلبها تدور حول فكرة البطل المخلص , وكان هذا ضروري لشحذ الهمم وزرع روح القتال بين ابناء القبائل و الطوائف والأديان والأعراق, للدفاع عن ارضهم وعرضهم وقومياتهم , الي ان اصبحت جزء من تركيبة الشخصية الانسانية على الارض , لتتجلى بوضوح في ارتباط تاريخ الامم بشخصيات بعينها يتم تكريمها حتى وقتنا هذا.
وكنا نحن الفلسطنيون من أكثر شعوب الارض تواقين لفكرة الزعيم الملهم , لما وقع علينا من ظلم وجور من قبل احتلال كريه لم تعرف البشريه مثله على مر العصور , من تهجير للسكان الاصليين وتغير للتاريخ والجغرافيا وتزييف للحقائق .
والسؤال المهم هنا هل نحتاج الان لزعيم مخلص يلتف الناس من حوله من بعد ما سادت الفرقة بين جناحيه وأوهن التناحر من همم أهله , ووضعنا أنفسنا وجل طاقاتنا في تفاصيل صغيرة مرهقة لكلا الجانبين في شطري الوطن , وتركنا مشروعنا الاكبر وهو تحربر الأرض وأقامة دولتنا ليجهز عليه الاحتلال ويفرض علينا مشروعه البغيض , أم ان التغيرات الدوليه والأقليمية والمحلية والتطورات التكنولجية من الاستخدام الحديث لادوات الاتصال بكافة أنواعها تجعلنا بحاجة لزعيم من نوع أخر. ولنعرف صفات الزعيم المرتقب دعونا ننظر الي المتغيرات من حولنا.
أولا الدوليه
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وما مني بها العالم من خسائر بشرية واقتصادية , بدأت الخارطة السياسية والاجتماعية والأقتصادية والعالمية تتغير وبدأ افول الزعماء يتراجع , وتغير تفكير البشر بنظرتهم للحروب والقتال لصاح التعايش السلمي والتقدم الاقتصادي , الا أن تراجع دور أوروبا في العالم خلق حروب اخري بين دول جديدة مثل أميركا والاتحاد السوفيتي ودخولهم فيما سميت الحرب البارده والتي استمرت لمدة 46 عاما , وخلال هذه الفترة كانت الندية بين المعسكرين من خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الاسلحة وتقدم التكنولوجيا والتسابق الفضائي , الي ان انتهت لصالح الولايات المتحدة الامريكية في عام 1991 ليس بنصر على يد زعيم مخلص بل بالتفوق التكنولوجي والتقدم الاقتصادي وحرية الرأي والديمقراطية وحقوق الانسان , واستمر التقدم الامريكي في كافة المجالات واستمرت روسيا الجديدة بعد التفكك تتعثر بطريق التقدم لان معتقد الزعيم لا زال المؤثر المهم في عقول الروس وهذا ما جعلهم يعيدون بوتن للحكم مرة أخري , غير ان الامريكان تخلصوا من هذا المعتقد منذ زمن بعيد وأصبح من يدير الحكم هي مؤسسات تحكمها المصالح الاقتصادية , ناهيك على أن اروبا تخلصت نهائيا من فكرة الزعيم بعد تجاربها المريرة في الحروب التي مرت بها لتعلي الشان الاقتصادي والأجتماعي وتنكفيء على ذاتها سياسيا .
الي ان جاءت احداث 11 سبتمبر لتضرب الكرامة الامريكية بمقتل ,وعاد الناس الى فكرة الزعيم المخلص ليلتقطها جورج بوش في محاولة منه لاستعادة الكرامة المهدورة وطرح نفسه كزعيم , وأستخدم كافة انواع البطش والقوة العسكرية المدمرة مدعوما من أغلب الشعب الامريكي وخاض حربين خاسرتين لم يحقق من أهدافها شيئا يذكر, فأدخل البلاد بعدها في أزمة سياسية وأخلاقية طاحنة وعادت امريكا مرة أخرى تبحث عن الزعيم المخلص وتجلى ذلك بأنتخاب باراك أوباما بالرغم من الكثير من المعيقات التي كانت من قبل تمنع انتخاب رئيس بصفاته ولونه , وحينها اعتقد الجميع اننا امام زعيم جديد سيحق الحق لاهله وينصر المظلومين في أرجاء الارض وكنا نحن الفلسطنيين أأول المتفائلين بقدومه , وماذا بعد ؟نحن الان امام مدير شركة لا اكثر اختارته المؤسسات النافذة لحملة علاقات عامة وانقاذ الدولة اقتصاديا واجتماعيا , خاصة مع بروز الغول الصيني كقوة اقتصادية وبدون زعيم ايضا .
اذا لا وجود لزعماء مخلصين بالعالم أجمع وفكرة الزعيم انتهت من عقولهم في ظل هذا التقدم من التكنولوجيا والاتصالات التي باتت توفر كافة المعلومات للجميع ليصبح الناس زعماء أنفسهم تتوفر لهم كافة امكانيات المعرفة وتوصيل اراءهم أسوة بأي زعيم من الماضي , هم بحاجة فقط لمدير ادارة ناجح لا أكثر ولا اقل لينظم حياتهم اليومية ونجاح باراك اوباما خير دليل على ذلك.
ثانيا الاقليمية والمحلية
نحن العرب كنا أكثر المتأثريين بفكرة الزعيم المنقذ لما تعرضت له كافة دولنا من استعمار وتقسيم بعد الحرب العالمية الاولى وتوزيع التركة العثمانية بين الدول المنتصرة , ناهيك على ان ثقافتنا الدينية والتاريخية مليئة بقصص الزعماء, وكلما تعرضنا لغزو خارجي كان دائما يظهر هذا الزعيم المنتظر ليخلصنا من شرور الاعداء ويلم شملنا, وصلاح الدين الايوبي كان خير مثال على توحد العرب من خلفه ليحرر بيت المقدس ويطرد الصلبيين.
وفي عصرنا الحديث وما تعرضت له دولنا من استعماراستمرالبحث الدائم عن هذا المخلص وظهر العديد منهم في اغلب دولنا , الامير عبد القادر الجزائري سنة 1832 الذي استطاع أن يشعل فتيل الثورة في الجزائر ويلهم سكانها لخوض نضال طويل سقط على اثره ما يقارب مليون ونصف من الجزائيين لينالوا بعدها استقلالهم, وفي ليبيا ظهرالزعيم عمر المختار الذي حارب الايطاليين لاكثر من 20 عاما لينتهي به المطاف بالاعدام شنقا على يد المحتل. وبعد تحرر معظم الدول العربية ودخولها بعد ذلك في حروب مع العدو الصهيوني وكانت الهزائم في عام 48 و67 ومن ثم الصراع علي السلطة مما أدي الي انقلابات عسكرية جاء على أثرها العديد من الزعماء في الوطن العربي ,وكل كان يطرح نفسه كزعيم مخلص .
وكانت القضية الفلسطينية هي الوسيلة لأخماد الشعوب وقمعها لتثبيت أقدامهم وفرض سطوتهم , الى ان جاء الرئيس الزعيم جمال عبد الناصر بثورة 52 التي سميت بثورة الضباط الاحرار ردا مباشرا على هزيمة 48 وفقدان معظم الاراضي الفلسطنية وانشاء الكيان الصهيوني تحت مسمى اسرائيل, وحينها تعلقت الامال وأتجهت الانظار الى هذا الزعيم الملهم للم شمل العرب وتحرير فلسطين, وحاول وكان صادقا الا ان زعماء الدول العربية لم يقدموا العون له وتجربة الوحدة مع سوريا عام 58 باءت بالفشل , الى ان جاءت حرب 67 وهزيمة العرب ليعلن الزعيم جمال عبد الناصرعلى أثرها التنحي ثم التراجع عن قراره بعد ان خرجت الجماهير في الوطن العربي كافة تجدد له البيعة وكيف لا والامال لا زالت معلقة عليه كزعيم منتظر الى ان وافته المنية في عام 1970.
وبموت الرجل فقد العالم العربي اّخر زعيما لهم ولم يتبقى غير من أسموا انفسهم زعماء ليمارسوا هوياتهم المفضلة في قمع شعوبهم , ولم يكن الحال الفلسطيني بعيدا عن هذه التحولات والتغيرات بل كان هو المحرك الرئيسي لها فانكفأ الفلسطنيون على ذاتهم للبحث عن زعيمهم المخلص فوجدوا ضالتهم متمثلة بمناضلهم الشاب ياسر عرفات الذي استطاع أن يجمع الفلسطنيين في الداخل والشتات تحت مظلة واحدة ويسير بالثورة الفلسطنية الى الامام ويضع قضيتهم على اجندة المحافل الدولية بعد ان نسيت, ويحافظ على وحدتهم في ظروف غاية الصعوبة من تعقيدات دولية واقليمية , الي ان تم اغتياله بعد أن رفض تنفيذ المشروع الصهيوني الامريكي وبموت الزعيم الراحل سادت الفرقه الشعب الفلسطيني وانقسم الى شطرين .
وفي غياب الزعماء وفقدان الامل وقمع الحريات جاء الربيع العربي وبدون زعماء هذه المرة لتكون الشعوب زعيمة نفسها فاستطاعت ان تحسن استخدام التطور التكنولوجي ,من اتصالات وأدوات التواصل الاجتماعي لتعلي كلمتها و مطالبها باصواتهم جميعا لا بصوت واحد يعبر عنهم, ولا بايدولوجية معينة ولا يمكن لنا ان نسمي ما حصل بدول الربيع العربي بثورات , فزمن الثورات بوجود القائد الملهم بالمفهوم القديم قد ولى , فما هو الا مطلب لتغيير الواقع , وأمل بحياة كريمة في ظل الحرية والديمقراطية المنشودة , وما زال الطريق أمامهم طويل وتعتريه كثيرا من المصاعب منها وأهمها أن البعض لازال يبحث عن الزعيم لما تركته ثقافتنا في عقولهم, ويعتبر ان الثورات لن تنجح بدونهم ,ومنهم من يحاول أن يستغل هؤلاء الناس بفرض زعامة عليهم متمثلة بشخص ما او ايدولوجية معينة وكل منهم يحاول ان يقفز علي الثورات بطريقته ,ولكن بدراسة التغيرات العالمية والمحلية وسيرورة التاريخ ستكون النتيجة هي الانتصار لارادة الشعوب التي اصبحت تجيد لغة العصر ولا تقبل بالوصاية علي عقولها..

مما ذكرناه سابقا بات علي الشعب الفلسطيني أن يدرك أن البحث عن زعيم يوحدهم ويحقق احلامهم بدولة مستقلة بات من المستحيلات, عليهم ان يكونوا جميعهم زعماء يرفعوا أصواتهم يجمعوا قوتهم يحددوا أهدافهم وطرق نضالهم لتحقيق حلمهم الموعود.

Ashraf_alghoul@hotmail.com