خبر : هل عُقد الحلف بين "القاعدة" والإخوان؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 10 أكتوبر 2013 08:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT



مؤشرات هذا الحلف تظهر تباعاً، ويبدو انها ستظهر لاحقاً بصورة اكثر جلاء او اقل غموضاً مما هي عليه الآن.

اذا صحّ هذا التقدير (ويبدو انه صحيح مع كل اسف) فإن مصر الدولة والمجتمع والدور والمكانة ستجد نفسها على مفترق طرق جديد.
ثمة فرق وفرق كبير بين ان يستخدم الاخوان بعض خلاياهم العسكرية لازعاج مسيرة الحكومة الجديدة في مصر والتشويش على خارطة المستقبل، وبين ان يدخل "الاخوان" في حلف سياسي وعسكري مع تنظيم القاعدة.
الحلف الجديد (اذا صحت التقديرات) يعني ان حركة الاخوان المسلمين لم تعد تثق بقدرة ظهيرها الدولي على الدعم والاسناد الكافي لعودتهم الى الحياة السياسية، ناهيكم طبعا عن عودتهم الى الواجهة السياسية في مصر.
كما ان هذا الحلف يعني من باب اولى ان الظهير الاقليمي المعلن والمستتر وحيث ان قطر مثال على الحالة الاولى والسودان مثال على الحالة الثانية.. هو اعجز من ان يستطيع نجدة الاخوان او انقاذهم من الازمة الخانقة التي باتت تطبق عليهم.
والحلف الجديد مؤشر على ان "الجماعة" باتت تسابق الزمن. فالدستور اصبح بحكم المنجز، والاتفاق والتوافق على الانتخابات بأسبقية الرئاسية على البرلمانية او بعدمها هي ايضا تدنو من الابواب، اما علاقات قوة المارد المصري والتي تتعزز كل يوم عبر تكريس علاقة الشعب بالجيش والشرطة واجهزة الامن وما يعنيه ذلك من اعادة احياء وبناء الوطنية المصرية فإنها تحولت الى عنوان للمرحلة وجوهر ومضمون الثورة المصرية.
لهذا فإن الجماعة بحكم معرفتها بهذا الواقع وبحكم قناعتها بأن الثورة المصرية تجاوزت مرحلة القلق على مسارها وعلى وجهتها النهائية اختارت حل الارهاب.
اختيار حل الارهاب بالتحالف الرسمي مع الجماعات السلفية الجهادية ومع مصنفات تنظيم القاعدة يعني من بين ما يعنيه ايضا ان الجناح القطبي قد نحى كل "التيارات" التي قيل عن وجودها داخل الجماعة، واصبح التيار القطبي في الواقع ضد التيار السائد في الجماعة.
الجماعة لن تعترف ابدا بهذا الحلف، وهي من اجل التغطية عليه قامت باستدعاء التنظيم الدولي الى استنبول بهدف استخدامه وتوظيفه في خدمة "الاستراتيجية" السياسية للجماعة، في حين هرعت الى صور لترتيب اوراق الحلف الجديد ولتحديد مهماته وتوفير مقومات نشاطه واعماله العسكرية.
المفترق الجديد للثورة المصرية اصبح واقعا بحكم هذا الحلف الجديد وبحكم ما سيترتب على قيامه من اعباء ومشكلات وصعوبات لا يجوز لاحد التقليل من شأنها واثرها وما يمكمن ان تحدثه من خسائر واضرار.
ومن اجل مواجهة ناجحة وانتصار حقيقي على هذا الحلف الجديد للارهاب .. فإن الثورة المصرية باتت تحتاج - كما ارى - الى بعض الاستدارات الضرورية، وقد تضطر الى بعض المرونة في حركة المناورة السياسية والعسكرية الامنية.
واضح ان القوات المسلحة المصرية تتقدم بصورة كبيرة في سيناء وواضح ان مسألة تطهير شبه الجزيرة المصرية اصبحت مسألة شهور قليلة.
المدخل المركب الذي اختارته الثورة المصرية للتعامل مع مشكلة سيناء هو مدخل صحيح، الحسم العسكري بكل قوة وحزم والتنمية الاقتصادية واستثمار البعد الاجتماعي المتمثل بالبنية القبلية كبنية "صديقة" على المدى المباشر والى بنية وطنية اصيلة، - كما كانت دائما - في المدى المتوسط والبعيد.
النجاح في سيناء، يعني بالضرورة ان خلايا الارهاب ستكون مجبرة على اللجوء اما الى قطاع غزة او الهروب للاختباء في الصعيد المصري بل وحتى المدن الكبيرة.
اي ان الارهاب لم يعد قادرا على "حماية" نفسه في سيناء وان سيناء ستتحول من منطقة تواجد عسكري وامني الى منطقة عمليات كأي منطقة اخرى وهو الامر الذي سيزيد من عبء القوات المسلحة والقوى الامنية المصرية.
الارهاب في مصر سينتقل من "ضرب" القوات المسلحة والامن الى ضرب المرافق والناس كلما نجحت القوات المسلحة وقوى الامن في تدمير مقومات هذا الارهاب.
سرعة انجاز خارطة المستقبل اصبحت ضرورية وملحة اكثر من اي وقت مضى، وترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية هو السلاح الاقوى في مواجهة الارهاب.
الانجاز الاقتصادي وخصوصا في الريف وفي الصعيد وفي سيناء سيحول الارهاب من وسيلة مواجهة في يد الجماعة الى وصفة مضمونة للانتحار الجماعي.
لا يجوز ان تبقى الحكومة المصرية في هذه الظروف الجديدة والمستجدة مسترخية كما تبدو عليه الان، ولا يجوز ان تكون ثقافة الإقدام مستعصية الى هذه الدرجة التي نراها اليوم.
لم يعد ممكنا التعامل مع مجريات الارهاب واخطاره على الدولة وعلى المجتمع بالروية التي تتعامل بها الحكومة مع التقدير الاكيد لاهمية التروي في الحالة الطبيعية.
لن يستطيع الارهاب ان يحل ازمة الجماعة لان الازمة اعمق من ان يستطيع احد حلها.
موجة الارهاب الحالية والقادمة هي اشبه بالحمى التي تدب في الجسد قبل لحظات ما قبل الموت بقليل.
الارهاب ليس له مستقبل والارهاب هو الابن الشرعي للغرب وفي الحالة المصرية الارهاب قديمه وجديده صناعة اميركية كما كان في افغانستان وباكستان، والعراق وسورية واليمن وفي كل مكان.
وعندما ينحدر الاسلام السياسي الى مستوى الارهاب وعندما تتورط جماعة بحجم الاخوان في هذا الارهاب وتتخندق معه فإن هذا بحد ذاته هو وسام شرف على صدر الثورة المصرية وهو نيشان الوطنية للقوات المسلحة المصرية وقوى الامن في مصر.
وعندما تدخل اية جماعة دينية او سياسية في هذا المستنقع فإنها تكون قد حكمت على نفسها وقررت مصيرها بأيديها.
مصر تبني اول دولة عربية ديمقراطية حديثة في العصر الجديد ولذلك بالذات فإن قدر مصر -كما كان دائما - ان تدفع ضريبة الدور والمكانة والقيادة والريادة.
وفي النهاية فإن العزيمة لا تأتي الا من أهلها.