خبر : أي شرق أوسط تريد أميركا؟...طلال عوكل

الخميس 10 أكتوبر 2013 08:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أي شرق أوسط تريد أميركا؟...طلال عوكل



الغموض الذي غلفت به الولايات المتحدة الاميركية، مقولاتها خلال العقد الاخير حول الشرق الاوسط الكبير، والجديد، والفوضى الخلاقة، هذا الغموض بدأ يتكشف يوما بعد آخر، لكن ابعاده ومقاصده الكاملة لم تتكشف بعد، بعيدا عن الارتهان للشكوك ونظريات المؤامرة، في تقييم ما جرى ويجري في طول المنطقة العربية منذ نهاية العام ٢٠١٠، ونقصد ثورة الياسمين، بامكاننا اليوم ان نضع ايدينا على بعض فصول الدور الخارجي، والاميركي خصوصا، هذا الدور الذي اتخذ اشكالا مختلفة من التدخل في الصراعات الداخلية والبينية العربية.
ابتداء من المؤكد ان الظروف الداخلية في معظم البلدان العربية، قد باتت ناضجة تماما لانطلاق عمليات التغيير الشعبية، التي تستهدف استعادة الكرامة والحرية والاستقلال ولتحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن العوامل الداخلية كانت هي التي قررت اشكال ووسائل التحرك نحو اسقاط انظمة الحكم الاستبدادية. ولكن الا ما ندر كانت هذه العوامل الداخلية هي الحاسمة في تحقيق الهدف الاول وهو اسقاط الانظمة الاستبدادية، فلقد سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون للتدخل حسبما يقتضيه الموقف المتناسب مع مصالحها، ولضمان تحقيق اهدافها، من خلال التدخل الفاعل في صياغة الانظمة البديلة.
لقد سعت الجماهير الشعبية التي تجاوزت حواجز الخوف من القمع السلطوي، لاقامة انظمة تحقق التغيير، وتفتح الطريق امام المستقبل، على نحو يلبي تطلعاتها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، في حين سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها لاستبدال الأنظمة الموالية لها، بأنظمة اكثر ولاء، واكثر استعدادا لخدمة المصالح والأهداف الأميركية الإسرائيلية على المدى الاستراتيجي.
اذا كانت مظاهر الفوضى الخلاقة، ظاهرة للعيان، وظاهر للعيان دور الولايات المتحدة في مواصلة صب الزيت على النيران، او الرماد العربي بما يؤدي الى انهاك كل المجتمعات العربية، او تدمير إمكانياتها، وصولا الى تفكيك الدولة القطرية العربية فإن بعض ما يصدر من اعترافات أميركية المنشأ، يشير الى بعض الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة وراء تحقيقها.
اول هذه الاهداف ويندرج في سياق تظهير وتفسير معنى الشرق الاوسط الكبير والجديد هو ما يتصل بتمزيق الوحدات الجيوسياسية العربية، على طريقة مؤامرة سايكس - بيكو، فهو اي الشرق الاوسط كبير، لأن الفوضى الخلاقة تشمل الإقليم بأكلمه ولأن عدد الدول التي سيشملها ستكون اكثر، وهو جديد لأنه يخلق معادلات وتحالفات، وشروطا جديدة، تسمح بتعميق وتوسيع سيطرة الولايات المتحدة على ثرواته.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نشرت خارطة تظهر تقسيم خمس دول عربية الى اربع عشرة دويلة جديدة، لافتة الى ان خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي يعد المحور السياسي الاقتصادي للنظام الدولي في حالة يرثى لها.
المحلل في الصحيفة "روبرت رايت" نشر يوم السبت الثامن والعشرين من شهر ايلول المنصرم، رؤيته للتقسيم، وقراءته للخارطة واشار الى ان سورية ستنقسم الى ثلاث دويلات، والسعودية الى خمس دويلات، وليبيا الى اثنتين او ثلاث، ثم العراق، فالسودان فاليمن.
وقال رايت بحسب ما نقلته وكالة معاً الإخبارية، ان رسم خارطة مختلفة سيكون تغييرا استراتيجيا في اللعبة للجميع، ومن المحتمل ان يكون التقسيم الجديد هو إعادة تشكيل التحالفات والتحديات الامنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم.
من الواضح ان مصر ليست مشمولة ضمن خارطة رايت والنيويورك تايمز، ذلك لان الخارطة نشرت بعد قيام الثورة الشعبية الثانية في الثلاثين من حزيران هذا العام والتي قطعت الطريق امام هذا المخطط بالنسبة لمصر على الاقل. فقد ذكرت صحيفة "وورلد تريبيون" الاميركية على موقعها الالكتروني، ان رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الاسبق الجنرال المتقاعد هيو شيلتون قال ان ادارة الرئيس باراك اوباما تعمل على زعزعة الاستقرار في كل من مصر والبحرين.
وحسب وكالة سما التي أعادت نشر الخبر ان شيلتون اعترف بأن مصر نجحت في ايقاف الحملة التي قام بها اوباما خلال عام ٢٠١٣ لافتا الى ان وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي كشف المؤامرة، ويضيف شيلتون انه لو لم يتم الإطاحة بالرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي لكانت مصر تحولت الى سورية اخرى، وتم تدمير الجيش المصري بالكامل. وبعيدا عن المؤامرات والخرائط والتصريحات، والاعترافات فإن الوقائع الملموسة على الارض تؤكد هذا الاتجاه، يعرف الجميع ما حصل في السودان من انقسام، وما يمكن ان ينتظره من انقسامات اخرى، وما يجري في اليمن من محاولات لفصل جنوبه عن شماله، ويعرف الجميع الى اين تتجه البوصلة في ليبيا، المهددة بالتمزق الى ثلاث دويلات، فزان، برقة وطرابلس، وما يجري في العراق، كما يعرف الجميع ما الذي تتعرض له الدولة السورية.
اذا، معظم البلدان العربية ستتعرض اما للتقسيم القزمي، واما للتدمير الذاتي.
ثانيا: هذه المخططات التقسيمية التدميرية تقدم افضل الخدمات للأمن الاستراتيجي الإسرائيلي، وتفتح الأبواب مشرعة ليس أمام مصادرة ما تصادره إسرائيل من حقوق الفلسطينيين والعرب وإنما لتحقيق اطماعها التوسعية في المنطقة بضمان غياب القوة القادرة على مجابهتها.
ثالث هذه الأهداف حل القضية الفلسطينية على نحو لا يؤدي الى قيام دولة فلسطينية على الأرض المحتلة منذ عام ١٩٦٧، وذلك في اطار الحل الاقليمي الذي حذر منه مرارا وتكرارا الأستاذ محمد حسنين هيكل، بحسب هذا المخطط وبدون استدعاء بعض الشهادات الإسرائيلية، والادعاءات المصرية، فإن الدولة الفلسطينية التي كانت تستوعب اللاجئين، يفترض إقامتها في غزة المتوسعة في سيناء، على ان فشل هذا المخطط، بعد ثورة الثلاثين من حزيران في مصر، لا يعني ان ليس لدى اسرائيل بدائل ليس من بينها السماح باقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧.
رابع هذه الأهداف، يتمثل في منح الشرعية لإسرائيل لكي ترتكب ما تشاء، من مجازر ضد الشعب الفلسطيني، بدون ان ننتظر حتى الإدانة من قبل المجتمع الدولي. ففي ظروف سبقت الحراك العربي، ارتكبت إسرائيل مجزرة بحق سكان قطاع غزة ذهب ضحيتها اكثر من خمسة آلاف جريح، واكثر من ألف وخمسمائة شهيد بدون ان تتلقى إسرائيل العقوبة التي تستحق، الآن واذا كان العرب في صراعهم من اجل التغيير، يدفعون أثمانا باهظة، حيث يقتل عشرات ومئات الآلاف من الناس، كما وقع في ليبيا وما يقع في سورية، فكيف لإسرائيل ان تفعل في مواجهة أعدائها الفلسطينيين والعرب؟.
يحتاج العرب الساعون من اجل التغيير، والمعاندون ضد التغيير، والمتصارعون على السلطات الجديدة، والقديمة ان يفتحوا عيونهم على ما يجري حولهم، وان يتقوا الله في دولهم وشعوبهم، بأن يتبينوا طريقهم الى التغيير الحقيقي الذي يلبي تطلعات الجماهير المقهورة نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وان يكفوا عن تدمير الذات هكذا بدون هدف الا الانتقام والثأر، وخدمة المخططات الأميركية الإسرائيلية.