خبر : بين مكة والقدس .. الواجب المسكوت عنه....عمر قاروط

الأربعاء 09 أكتوبر 2013 01:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين مكة والقدس .. الواجب المسكوت عنه....عمر قاروط



بقلم...... عمر قاروط

لقد زرت القدس في العام 1980، وصليت فيها ما شاء الله لي، وزرت مكة في العام 1982للمرة الأولى، وزرتها من بعد عدة مرات. في المدينتين تكتشف عالم آخر، في ظاهرة صورة لمكان من عالم الأرض المخلوق، وفي الحقيقة إدراك لعالم لا تدركه إلا بالإحساس والتخيل، إنه سر الله الذي يخص به مكان ما من خلقه عن غيره، يضع فيه قدسيته وبركته ويجعله قبلة لمن يعبدونه ويقصدون بالطاعات. في مكة وفي القدس لا يمكنني أن أميز أين كانت الرهبة والقشعريره، فالمكان في الذهن كله مقدس، وكله مكان مخصوص للعبادة، لكن لم يغب عن الذاكرة أن في القدس تاريخ مخصوص مزدحم بالصراعات والجهاد والرباط رغم أن مكة عرفت ثلاثة اعتداءات وحشية في زمن أبره للبيت رب يحميه، وفي زمن قريش أصنام من دون الله طوقت البيت، وفي زمن البرامكة حيث خطف الحجر الأسود.

في الذاكرة بين مكة والقدس كانت هبة المسلمون من مشرق الأرض ومغربها تخلصهما من العدوان والفساد والغزاة والمستكبرين والكافرين والمشركين، الطهارة كانت تزحف على النجاسة وتكنسها كنسا لا تبقي منها ولا تذر. في الذاكرة من مكة للقدس رحلة واحدة في دقائق معدودة طوت الأرض والإنسان والتاريخ ووحدتهما في صعيد واحد، إنها عظمة الله التي أجل بها ما حب من مخلوقاته المكانية وجعلها على صعيد واحد تبدأ برحلة الـ 100000 درجة وتنتهي بوقفة الـ 500درجة . وفي الواقع يبكي المسلمون في العالم على القدس وكأنهم يرونها هي الأرض المقدسة التي خصها الله الواجب الحج لها، لأنها غائبة الغيبة الكبرى عن حاضر المسلمين، وفي التراث الفلسطيني من لم يقدس حجته لا حجة له"أي من يحج عليه أن يعقبها بزيارة للمسجد الأقصى والصلاة فيه كي تكتمل حجته".

في الحاضر اليوم بين مكة والقدس ألم وحسرة، دموع وشجون، آهات ومرارات. المسلمون حائرون، تُرى الصلاة في القدس اليوم جائزة أم آثمة، الصلاة في القدس مقبولة أم مردودة، في القدس منزلة أم سقطه، في القدس من أبونا، في القدس من ربنا، في القدس من جدنا، في القدس من خلقنا، في القدس من ورثنا، في القدس من وضعنا، في القدس من لمن، في القدس..

بالأمس نزلت علينا مكرمة، منظمة الأمم المتحدة ممثلة في المجلس التنفيذي لليونسكو قررت إرسال بعثة تقصي حقائق لمدينة القدس ومدن فلسطينية أخرى للتحقق من انتهاكات الاحتلال فيها بحق التراث الثقافي والإنساني، مكرمة وان جاءت متأخرة بعد 65عاما من سيطرة وانتهاكات وعبث الاحتلال الا أنها جاءت على قدر، وهو القدر الذي ضغط على الكيان لوقف مشروع الحديقة التراثية في القدس ريثما تنقشع هذه الغيمة من الهبة الدولية لإنقاذ تراث القدس. نقول مكرمة لأنها جاءت من أناس ليسوا بأهلها، وليسوا مسئولين عنها، مكرمة لأنها جاءت في زمن العجز الفلسطيني والعربي والإسلامي.

في القدس أنا مجهول الهوية، لا بل بلا هوية، لا أنا من أنا، أنا فلسطيني، لا بل عربي، لا بل مسلم، لا بل من بلاد الصين لا بل من بلاد الأندلس لا بل من بلاد الإغريق بل من البيزنطينيين بل من خلق الله خلقهم وهو يعرفهم، ونحن ننتظرهم. في القدس الكل يبكي، والقدس وحدها رابطة الجأش، عصية على الغزاة على الطغاة على الغدارين على الخاذلين على الجهلاء على المستنكفين، والقدس تقول أنا لست مكة لكن من يصلني سيبلغ منزلة وقدرا على من مكه، فانا طريق الساعين إلى الخلود، والباحثين عن منازل الأنبياء من أولي العزم.

بين القدس ومكة لا فضاءات تفصل، ولا تاريخ ينسى، ولا تمييز يضل. فمكة والقدس ولدتا من رب واحد، وعاشتا في بطن واحد، لكن من يقول مكة ليست القدس، والقدس ليست مكة، لم يعرف أن الخالق واحد، والمخلوق واحد، والدرجات منازل شرف للأنبياء لا للمخلوق المكاني. في مكة والقدس حزن ينتظر الفرح، و ألم ينتظر الشفاء، وغائب ينتظر أن يعود.

بين مكة والقدس  لا تميزون، لا تفصلون، لا تنسون. فالخالق واحد، والرسول جامع، والناس إخوة. بين مكة والقدس نداء واحد، إلى متى نظل نبكي، إلى متى نظل تائهون، إلى متى نظل نجلد، إلى متى نظل أشقياء.

بين مكة والقدس انتظار هبة الأمة، في انتظار مسح الدموع، في انتظار عرس الخلود.