خبر : هوية مصر المركبة بين الدين والجيش...! ..أشرف الغول

الثلاثاء 08 أكتوبر 2013 02:02 م / بتوقيت القدس +2GMT



ما تمر مصرالاّن من أزمه سياسيه هي من أصعب مراحل تكوين الدوله منذ نشأتها الحديثه , صحيح أن مصر دخلت من قبل في مشاكل صعبه , منها الحروب المتعدده مع العدو الرئيسي الكيان الصهيوني وأخري اقتصاديه واجتماعيه في غياب الديمقراطيه والعداله منذ زمن طويل ،لكن أزمتها الاّن تعد الاصعب والاخطر حيث هناك انقسام حاد بين أطراف المجتمع وهذه المره الخلاف ليس علي موقف بعينه من قضيه بعينها , الانقسام علي هوية الدولة .
وبالرغم من أن الشعب المصري مسالم يميل للصبر وحب الحياة الا انه متدين بطبعه يؤمن بالقوه التي يعشقها ويعتبرها دائما الملاذ الاخير للحفاظ علي هويته التي رسمتها العلاقة المتبادلة بين التاريخ والجغرافيا ,ليصبح الدين والجيش هما العاملان الاساسيان في تكوين الشخصيه المصريه وهما محل الخلاف, ولفهم مدي تأثيرهم علي ما يجري الان فلنعود للوراء قليلا.
الجيش
العصر العتيق من 3500-3200قبل الميلاد" مينا "موحد القطرين وبعد ان كانت الدوله الفرعونيه القديمه مفتته بين الشمال والجنوب جاء هذا الملك الفذ ليوحدها بعد ان قام ببناء جيش قوي لتزدهر الدوله وتترعرع في عهده , واستمر بعد ذلك بناء الجيش مع اقوي الأساطيل البحرية والذي خاض حروب ضخمه ومتعدده علي مر العصور منها حطين وعين جالوت والمنصوره , وفتح عكا ومرج الصفر وغيرها ضد المغول والصليبيين , واستطاع ان يغير مجري التاريخ بعقيدة عسكريه اعترف لها الأعداء قبل الأصدقاء.
الى أن قام محمد علي باشا ببناء الدوله الحديثه وكان عمادها الأساسي جيش قوي أوكل تدريبه وتحديثه للقائد الفرنسي سليمان الفرنساوي , والذي استطاع باني الدولة من خلاله أن يقوم بالعديد من الحملات والغزوات ليؤسس لامبراطورية عظيمة داخل مصر وخارجها ممهدا لنهضة اقتصادية علمية واجتماعية تركت تأثيرها علي مصر ليومنا هذا . وحين دخلت مصر الحروب الحديثه مع الاحتلال الصهيوني وما مرت به من هزيمه في حرب 48 كانت العوده للجيش واعلان كلمة الفصل ,لتلتف الناس من حوله بثورته المجيده علي يد الضباط الأحرار وليخوض بعدها حربين ضروسين ويعلن أخيرا ملحمة البطوله في حرب 73 وليعيد للامه كرامتها ولمصر هيبتها وثقتها بجيشها ونفسها .
هذه كلمة السر في الارتباط الوجداني والمصيري للمصريين بجيشهم فهو بالنسبه اليهم المخلص والحارس الأمين لدولتهم ومحظور الاقتراب منه او المساس به , فكل أخطاءه مغتفره ورصيده يسمح له بهذا كما قال أحد ضباطه بعد ثورة 25 يناير واستلامه السلطه من الرئيس المتنحي الأسبق مبارك برغم الاخفاقات التي مربها في فترة توليه الحكم ما بعد الثوره ناهيك عن أن الاغلبيه الساحقه هنا تؤمن بأن لولا وقوف الجيش مع الشعب لما نجحت الثوره اصلا. فعندما يشعر المصريين ان جيشهم مهدد أو يتم التربص به تتراجع الي الخلف كافة الاهتمامات الاخري من عداله وعيش وديمقراطيه .
الدين
المصريون بطبعهم متدينون بالفطره كانوا مسلمين او مسحيين, ويعد الدين من أهم مكونات الشخصيه المصريه لما له أهميه كبري مستمده من عصور الفراعنه , فقدماء المصريون كانوا يؤمنون بالاساطير بعمقها الفلسفي بشخصيات من الالهة , وتواجد البشر كان فيها مكملا , تحكي عن نشأة الكون وخلق الانسان وكان من أشهر الأساطير الفرعونيه ايزيس وازوريس وست وحورس , الي ان تحولت مصر الي التوحيد في عهد أخناتون ثم سيدنا يوسف عليه السلام ومن بعده قصة موسي وما ذكر عنها بالقرأن الكريم , مرورا برحلة مريم وطفلها عيسي عليه السلام ومكوثها بمصر ثلاثة اعوام وما تركت هذة الزياره من أثر روحي ممتد من سينا الي الصعيد وتقديس الأماكن التي زارتها ومكثت بها هاربة من بطش ملك اليهود هيرودس .
الي أن تم فتح مصر في عهد الخليفه عمر بن الخطاب علي يد عمرو بن العاص الذي أحسن معاملة أهلها من الأقباط واستطاع نشر الدين الاسلامي بها , ومن بعد جاء حكم الفاطميين اصحاب المذهب الشيعي لمصر وبالرغم من اختلاف مذهبهم مع السكان في مصر , الا أن المصريين تمكنوا من التعايش معهم وشهدت تلك الفتره تقدم العلوم والفنون وكانت القاهره محط الكثير من طالبي العلم والمعرفه من كل ارجاء العالم , وبنيت بها دار الحكمه الازهر الشريف , وارتبطت الكثير من العادات والتقاليد والطقوس بالدوله الفاطميه الي عهدنا هذا .
وهنا نلحظ خصوصية المصريين بتعلقهم الشديد بالدين وكيف استطاعو أن يتعايشوا مع كافة الاديان والمذاهب ويجمعوا بين الاساطير الفرعونيه والديانات السماويه , وهذا ينعكس بجلاء علي ممارستهم كافة الطقوس كانت فرعونية أم مسيحية أم اسلاميه بطريقة بسيطه وسهله لا يغلب عليها الغلو والتطرف .

من التحليل السابق لمكونات الشخصيه المصريه وتأثرها بالجيش والدين بدات أزمة مصر بصعود الاخوان المسلمين الي سدة الحكم , وبعد ثورة 25 يناير أصبح هناك فراغ سياسي ومجتمعي , لم يعهده المصريون من قبل اّخذين بالبحث عن مخرج له , وما كان أمامهم الا العوده لأكثر المؤثرين بحياتهم اما الجيش أو الدين , الجيش والمتمثل بالمجلس العسكري ومن ورائهم وتم رفضهم لعدة اسباب
• رأي البعض أن الجيش كان له دور بالسكوت أو التاّمر مع النظام القديم
• قيادات الجيش كانت قد شاخت وفقدت بريقها ولم يعد لها كاريزما أو تأثير علي المجتمع المصري
• انكفاء مصر نحو الداخل وهذا أفقد الجيش بعض من اهميته
• ادارته السيئه للبلاد في الفتره الانتقاليه مع حملة التحريض والتركيز على أخطاءه من قبل الخصوم وكانت ذروة النيل من هيبته في الشعار الذي رفعوه "يسقط يسقط حكم العسكر"

ليتجه المصريون الخيار الثاني وهو الدين والمتمثل بالاخوان المسلمين حيث نجح الاخوان في تقديم انفسهم علي أنهم المخلص , ولما كانوا يتمتعون به من تنظيم جيد ومؤسسات ناشطه في المجتمع داعمه للفقراء وخاصة في الاحياء الفقيره ذات الكثافة السكانية والمزدحمة , فكانت الانتخابات الاولي للبرلمان والتي تمكنوا من الفوز بأغلبيتها وبسهوله هم وحلفاءهم من الاسلاميين من أحزاب أخري , ومن ثم الانتخابات الرئاسيه ليفوزوا بها ولكن بصعوبه هذه المرة ليمر عام علي حكمهم تخلله الكثير من الارهاصات والمصاعب أدى في النهاية الى فقدانهم الحكم علي يد الجيش وبتاييد جارف من قبل الشارع الذي جاء بهم ولمعرفة الاسباب التي قادت الي هذا التغيير الدراماتيكي السريع نلخصها بالاسباب التاليه.
• اعتقاد الاخوان أن ارتباط الشعب بالجيش قد تراجع.
• التصادم مع الجيش والغاء المبادرة التي دعا اليها الجيش للحوار الوطني
• خوف المصريين الحقيقي علي هويتهم الخاصه بهم وتراجعها مقابل المشروع الاسلامي الخاص بالاخوان "أخونة الدولة والمجتمع"
• تخوف الاقليه المسيحيه علي وجودها واعتقادها بان الاخوان المسلمين باتوا يهددون وجودها.
• ارتباط الاخوان بتنظيم عالمي قد يهدد خصوصية الدولة المصريه ناهيك علي تفضيل مصالح التنظيم عن الدولة
• عملية الاقصاء التي مارسها الاخوان وتفردهم بالحكم
• ظهور بعض الوجوه علي الساحه السياسيه مما كانت داعمة للارهاب بالماضي
• الدعوات للتطرف وتكفير الاخر من علي شاشات الفضائيات والمنابر

وتجلي هذا الخوف بكتابة الدستور الذي هيمنت عليه الاغلبية الاسلاميه ,ولنكن منصفين أيضا ان الدوله العميقه وضعت الكثير من المصاعب في طريق الاخوان , غير أن السبب الحقيقي لهذا التحول هم الاخوان أنفسهم , فكل سياساتهم خلال وجودهم في الحكم من اقصاء الاّخر وأخونة الدوله والقرارات غير الحكيمه لمؤسسة الرئاسه عززت الخوف علي هوية الدولة, وكانت تسير عكس طبيعة فهم المصريين للدين, وقد يقول قائل أن مدة العام غير كافية للحكم علي مشروع الاخوان , ناهيك عن حجم المشاكل التي تعاني منها البلاد والكثير من المؤامرات الداخلية والخارجيه لافشال هذه التجربه , قد يكون بعض الشيء من هذا صحيحا , ولكن الأهم أن الاخوان هم من أوقعوا انفسهم بتلك المعضلة حيث بدأت الفجوة تكبر بينهم وبين عامة الناس وللاسباب التي ذكرناها سابقا ,.
بعض المعارضه الليبراليه كانت ضد مشروع الاخوان منذ البداية ولكن لصدمتها بالنتائج الضعيفه التي حققتها بالانتخابات والتي جاءت طبيعية لان ما تطرحه كان خارج الدين والجيش , كانت في البداية ضعيفة , ومع تغير الاوضاع علي الارض استطاعت أن تشتد شيئا فشيئا , وساعدها بذلك التغيرات في الجيش من مجيء قيادات شابة ذكية , استطاعت ان تعيد العلاقة الوجدانية مع الشعب وتمحي الاخطاء السابقة لقيادتها وهنا لاح بالأفق فرصة التغيير لادراك الجيش صاحب الخبرة العميقة والمؤسسة الوحيدة التي تملك تقدير الموقف بطريقة علمية مستمدة من خبراتها المتراكمة أن التغيير أصبح واجبا.

وكان ما حصل في 30 يوليو من نزول الأعداد الغفيرة للشوارع وادراك الجيش مسبقا للامور ,اتخذ الموقف بعزل الرئيس وانهاء حكم الاخوان حفاظا علي هوية الدولة مدعوما من قطاع عريض من الشارع والمؤسسة الدينية الرسمية الممثلة بالازهر والكنيسة لما لهذه المؤسستين من ارتباط وروحي عند الصريين لا تقل عن الارتباط الوجداني بالجيش.
واذا ما اعتقدنا أن كافة مشاكل الدولة المصرية ستحل وتزول بهذه الخطوة سنكون مخطئين فأزمة الهويه تتفاقم يوما بعد يوم والانقسام تزداد فجوته اكثر وأكثر فلا بديل لنهضة مصر الا التصالح بين الركنين المؤثرين الجيش والاسلام السياسي المتمثل بالاخوان والأحزاب الاسلامية الأخري , الجيش الاّن في كامل جهوزيته استعاد مكانته بين أغلب المصريين له وبقي أن يتقدم خطوة اخري لاستيعاب شريحة ليست بالقليلة من المجتمع المصري , وعلي هذه الشريحه أن تتقدم كثيرا من الخطوات للمصالحه وأن تعتذر عن كافة الاخطاء التي وقعت بها , أن تتصالح مع الشارع وتتجنب كافة الاخطاء السابقه وتتفهم خصوصية فهم الدين والارتباط بالجيش .

Ashraf_alghoul@hotmail.com