لم تنته الزوبعة التي أثارتها إقالة وكالة معا لجميع موظفيها في قطاع غزة ولا أظن أنها ستنتهي قريبا ولن تتوقف تداعياتها على الموظفين الثلاثة عشر الذين وجدوا أنفسهم دون مقدمات بلا دخل يعد أن نظموا حياتهم على أساس أنهم يعملون في وكالة أنباء رصينة وثابتة ،بعضهم تزوج وآخرين تورطوا بقروض مع البنوك وجزء يتحدث عن مشاريعه للعام القادم ، بل أن الأمر سيطال مصداقية الوكالة نفسها وهي رأسمال أية مؤسسة إعلامية حتى تصبح مؤثرة وقادرة على توجيه الرأي العام .
فإقناع المواطن بأن يتلقى وجبته الإعلامية من هذه الوسيلة أو تلك هو حلم كل وسائل الإعلام وهي عملية ليست سهلة في ظل العرض الهائل والمنافسة الشرسة ومكلفة أكثر كثيرا من تلك الرواتب التي أرادت وكالة معا توفيرها وأظن أن ما أقدمت عليه الوكالة ضد موظفيها في قطاع غزة وجه ضربة قاصمة لتلك المصداقية وهذا ما كان واضحا من جميع الذين تداعوا لاجتماعات كنت حاضرا فيها لمناقشة الأمر واعتقد أن معا ستجد صعوبة كبيرة في ترميم صورتها أمام زوارها .
عدا عن الفعاليات والاحتجاجات هناك جملة إجراءات عقابية يتم تدارسها ضد الوكالة منها وقف اشتراكات الخبر العاجل والدعوة لعدم زيارة موقعها الإلكتروني وأغلب الظن أنها ستجد طريقها للتطبيق ليس فقط بفعل التحريض على الوكالة بقدر ما أن المؤسسة نفسها قامت بالمس بمصداقيتها أمام جمهورها وأساءت لصورتها التي حظيت بالاحترام لسنوات طويلة سابقة جعلتها تتبوأ موقع الصدارة في عدد الزوار بين وسائل المواقع الإلكترونية الفلسطينية .
ولكن في ذروة الانفعال والفعاليات ضد وكالة معا يجب تحميل حركة حماس وحكومتها في قطاع غزة مسئولية إلى جانب الوكالة عن التسبب بقطع أرزاق الموظفين ويصبح السؤال لماذا غابت هذه الفعاليات حين قامت حكومة غزة بإغلاق مكتب غزة وهو القرار الذي كان لا بد وأن ينتهي بالاستغناء عن خدمات الموظفين ففي النهاية وكالة معا ليست مؤسسة خيرية حتى تنفق على أسر لا تستفيد من خدماتها فبينها وبين الموظفين عقد عمل وليس عقد إجارة .
لذا يجب أن توجه الاحتجاجات ضد وكالة معا وحكومة غزة ومطالبتها بفتح المكتب لسببين ، الأول هو رفض تكميم الأفواه والنضال من أجل حرية الكلمة وهو السبب الذي غاب أثناء النقاشات التي أخذت طالبا إنسانيا والثاني هو عودة الموظفين لعملهم فما قامت به الوكالة من فصل الموظفين هو نتيجة وليس سبب وبالتالي يجب علاج السبب وليس التركيز على النتائج التي حتما تتغير إذا ما نغير السبب .
فهذه ليست المؤسسة الأولى التي تتسبب بإغلاقها حركة حماس وتلقى بالموظفين في الشارع فقد سبقها الكثير من المؤسسات ولكن الصدى الذي أحدثه فصل موظفي معا كان أكبر ربما لأنهم صحفيون ومعروفون في الأوساط الإعلامية وهذا فرض على الكتاب التفاعل مع الحدث بشكل مختلف أو ربما لأن الحدث يتعلق بحرية الكلمة لكن إذا كان الحديث يدور عن البعد الإنساني ينبغي مراجعة قائمة المؤسسات التي أغلقت في قطاع غزة وإلحاق موظفيها إلى طوابير البطالة .
لو كانت السلطة قطاع خاص أو منظمة غير حكومية لتسببت حماس بقطع أرزاق عشرات الآلاف من الموظفين بمغامرتها بالسيطرة المسلحة على قطاع غزة ولكان مصيرهم مثل مصير موظفي مؤسسة شارك الشبابية ووكالة معا والعديد من المؤسسات التي لم تجد جدوى في دفع رواتب لموظفين يجلسون في بيوتهم بسبب مصادرة أو إغلاق مؤسساتهم .
فقد أغلق مكتب معا في نهاية تموز الماضي بسبب غضب حكومة غزة من خبر نشرته الوكالة نقلا عن موقع تيك دبكا الإسرائيلي يتحدث عن تواجد أحد قيادات الأخوان في قطاع غزة وهو الخبر الذي كانت تتناقله كل وسائل الإعلام قبل الوكالة الفلسطينية وأذكر أنني قرأته في كل الوكالات المصرية قبل أن تعيد نشره معا لكن بات من الواضح أن الحكومة كانت تتربص مكتب الوكالة بغزة فقد سبق الإغلاق استدعاءات لموظفي المكتب من قبل الأمن والبعض كان يتحدث عن مضايقات وأجواء من الخوف مع كل خبر تنشره الوكالة عن غزة سابقا .
كان من حق وكالة معا أن تعيد نشر خبر والمهنية تتطلب ذكر المصدر فقط وهذا ما فعلته ومن يريد أن يفتش في وسائل الإعلام التابعة لحركة حماس سيجد عشرات وربما مئات الأخبار المنشورة عن السلطة ومسئوليها منقولة عن صحف أو وسائل إعلام إسرائيلية دون العودة للسلطة للتأكد أو للرد وهذا حقها وليس كما طالبت هنا في غزة بأن يتم العودة للحكومة قبل نشر أية أخبار تتعلق بالقطاع فهذا تدخل سافر في عمل الصحافة ووضع قيود على حرياتها وهذا ما كان يجب الوقوف ضده بحزم منذ إغلاق المكتب في الخامس والعشرين من يوليو لا أن تبدأ فعاليات التضامن لحظة إقالة الموظفين بشكل غير لائق .
ما فعلته وكالة معا يستدعي الرفض والإدانة حتى ولكن من المحزن ان تختفي هذه الفعاليات ومن ضمنها الاعتصام المقرر اليوم الأحد أمام مكتب الوكالة احتجاجا وغابت حين قامت حكومة غزة بإغلاق المكتب كلهم تسلحوا بحكمة "السكوت من ذهب" فلا كتاب ولا فعاليات ولا اعتصام واحد حتى ولا اجتماع لمناقشة الأمر والآن تدب الجرأة الغائبة دفعة واحدة لا بأس كعادتنا في غزة والمأساة أكبر حين كنا نسمع من بعض زملاءنا الصحفيين وهم يبررون للحكومة قرارها بإغلاق المكتب .
أزمة إنهاء معا لخدماتها بغزة وضعتنا أمام إشكالية مركبة سواء على صعيد الإقصاء وتكميم الأفواه والثانية هي بشرى التحاق دفعة جديدة للعاطلين عن العمل وهؤلاء يتحمل مسئوليتهم حكومة غزة أولا ومكتب معا ثانيا مثلهم مثل كل الذين شاء قدرهم أن يعملوا في مؤسسات ذات لون ورائحة مختلفة عن لون حركة حماس سواء سياسيا أم ثقافيا فغزة التي تعيش ترف الاقتصاد والوظائف تتحمل خسارة فرص عمل هل قام أحدكم بإحصاء المؤسسات التي أغلقت لنعرف كم وظيفة خسرنا بأيدينا؟
Atallah.akram@hotmail.com


