خبر : بواب بن ....لنا شاهين

الجمعة 04 أكتوبر 2013 06:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
بواب بن ....لنا شاهين



16 في 3 =48 لسه باقي كتير .. ما الحل اذن ؟ هذا البرج الذي يستقر مكتبي في الطابق الرابع عشر و ليس الاخير منه هو الاعلى في غزة او قد يكون ، لكنه يظل قزما لا هو في العير ولا في النفير اذا ما قيس ببرج خليفة ذي المئة والثلاثة وستين طابقا بارتفاع 828 مترا .. مالنا ومال اعلى برج في العالم ، انا لم اتحول الى العمل في مقاولات البناء بعد ، وان كان ذلك يبدو غير مستبعد الان ، فانا في النهاية صحفية ، يعني بنت السلطة الرابعة وقد افقد عملي في اية لحظة واضطر للبحث عن اي سبوبة تكفيني مذلة السؤال ، ولا ادري في اي عصر كانت الصحافة هي السلطة الرابعة بالفعل ، ربما عندما كانت اداة تخدم اغراض السلطة الاولى ، يعني هي والسلطة على الشعب ، اما اليوم فلا هي رابعة ولا ام اربعة واربعين حتى ، وليست سوى مطية وملطشة ومساحة محدودة جدا لتلقيط الرزق ، كلا ، حتى اكل العيش هذا لم يعد مضمونا في العمل الصحفي ، واسألوا من اصبحوا في يوم وليلة بلا مصدر للرزق ..

يا الهي ، صدق من قال بيموت الزمار وصوابعه بتلعب ، حكاية الصحافة والصحفيين هذه لم تكن في نيتي ولا خاطري عندما بدأت كتابة هذا المقال ، ولكنه الحس الصحفي كالدوامة في بحر متلاطم الامواج تجرك الى حيث تريد فاما ان تزهق روحك واما ان تقذف بك ايضا الى حيث تريد .. مش اشكال ، دعوني احاول الفكاك من الدوامة والعودة الى موضوعي الاساس ، فانا على كل الاحوال وحتى لو فصلت من عملي كصحفية كما حدث لغيري في طرفة عين فلن اعمل في مقاولات البناء لانني لا املك الامكانات المادية لاكون انا المقاول ، ولا اعتقد ان امكاناتي الجسمانية تؤهلني للعمل طوبارجية مثلا .

باختصار ، وباختصار هذه تعني في العادة ان القصة الطويلة ستبدا ، انا لا تعنيني الابراج وارتفعاتها في شيء ، ولكن ما يهمني هو الساعة ، نعم الساعة او المزولة بالعربي الفصيح ، والتي تعلو البرج ، وبالتالي فبرج خليفه خارج دائرة الاهتمام ، ويبقى برجان قد اشتهرا بساعتيهما ، برج بج بن في لندن ، وبرج الساعة او برج مكة كما يسمى ، وهو احد مجموعة ابراج البيت التي أنشئت حديثا في مواجهة بيت الحرام وعلى ما يسمونه وقف الملك عبد العزيز آل سعود ، وبصراحة كلمة واقفة في زوري ، الا تعني عبارة وقف الملك عبد العزيز ان الارض هذه كانت ملكه شخصيا ووهبها لعمل خيري ؟ بلى هذا هو المعنى ، طيب افهم يعني ، هل ورثها عن اجداده الذين اشتروها بحر مالهم من ابي لهب ام من بني امية ، او من اسماعيل ذاته بعد ان بلغ سن الرشد ؟ ام ان كل ذرة تراب في اي شبر من ارض المملكة تخرج من ملكية الله عز وجل وتدخل في دائرة املاك جلالة الملك المعظم بحكم كونها مشاعا !! في هذه الحالة مرحى للربيع العربي ، حتى لو كان الكلأ فيه شوكا ..

لا حول ولا قوة الا بالله صرت بناطح آل سعود مرة واحدة ، الحكاية هذه المرة يا سادة يا كرام فيها ساعة وتوقيت وبواب ، لا تستغربوا ، انا ابحث عن برج مرتفع باعلى ما تستطيع غزة ان توفر لي من ارتفاع لاضع فوقه ساعة كبيرة جدا يمكن رؤيتها من السلك للسلك. وقد تاكدت بعد طول دراسة وتمحيص انني من سابع المستحيلات ان اصل بما اريد عمله الى اي حد من حدود المنافسة مع برج الساعة في مكة المكرمة ذي المئة والعشرين طابقا بارتفاع 601 مترا ، وايضا لا مجال لمنافسة الساعة ذاتها فهي قد صنعت بملايين الدولارات وبمواصفات اكثر من عالمية ولا يوجد لها مثيل في الدنيا ، ويكفي ان تعلموا انه يمكن رؤيتها ومعرفة الوقت من على بعد 17 كم ليلا وهي مضاءة ، و 12 كم نهارا ..حلوة اتناشر كيلو متر هاي ، بتكفيني وبتزيد وتخدم الغرض تماما ، ودعنا من باقي المواصفات ، وايضا دعنا من استحالة ان تنافس ساعتي المقترحة ساعة مكة في فرض نفسها كتوقيت عالمي وحيد بديل لتوقيت جرينتش ..

اتدرون ، لا اجد مناصا من الخروج عن الموضوع الاساس الذي لم اذكر شيئا عنه حتى الان ، لا استطيع هنا الا ان ابدي اعجابي بالعقل العربي عندما يركز على شيء ما ، العالم اعتمد توقيت جرينتش على اعتبار ان تلك القرية البريطانية تقع على خط طول صفر ، اي اننا لو رسمنا خطا يقسم خريطة العالم قسمين متساويين فسيمر بقرية او بلدة جرينتش ، كلام سليم لا جدال فيه ، لكن عرب الجزيرة العربية فكروا وقدروا ودبروا فوجدوا الحل ، لماذا نرسم خطا يقسم الكرة الارضية كلها بما فيها من مياه على طرفي الخريطة ، وبالمناسبة فان المياه تغطي 70 % من مساحة الكرة الارضية ، مالنا وللمياه فنحن لسنا من البلاهة بما يكفي لان نشتري سمك في بحر ، احنا خلينا في اليابسة ، وبقدرة قادر اصبحت مكة التي تقع على خط طول 39 درجة هي خط الصفر اي مركز اليابسة.

ومنذ عام 2009 والدعوة قائمة على قدم وساق وبقيادة الشيخ الجليل اياه ، يوسف القرضاوي لاعتماد توقيت مكة عالميا بديلا لتوقيت جرينتش ، وهنا لا بد ان اتوقف لابدي شيئا من الدهشة المشوبة بالاعجاب ، كيف تنازل عرب الجزيرة لعرب الخليج العربي عن المركز الاول في ارتفاع الابراج ، ابراج البيت هذه بدأ انشاؤها بعد برج خليفة ، اي انهم في السعودية كانوا يعرفون ارتفاع برج خليفة وكان يمكن ان يجعلوا برج الساعة اعلى منه ويفوزوا بالمركز الاول ، ربما كان السبب ان المنافسة مع الامارات وهي محسوبة على السعودية وبتمون ، ولو كانت قطر لاختلف الامر بالطبع ، وهذا يقودني الى الشق الثاني من الدهشة والاعجاب ، فأنا ارى هنا الشيخ القرضاوي يقود حملة ذات نفع للاسلام والمسلمين والعرب ولو معنويا فما الذي دهاه بعد ذلك ، ايكون قد حسب ان الله قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تاخر ايضا بثواب هذا العمل ؟!-

ام ياسر ، مالك ناسية الدنيا كلها وسرحانه في الكتابة ؟

- شو في ؟

- في انك راح تنزلي اربعتاشر طابق على رجليكي اذا ما لمتيش اغراضك وجريتي الان على المصعد.

لم يقطع هذا الزميل حبل افكاري فحسب ، بل قطع ايضا كل كوابح اعصابي وعقلي فانفلتت من عقالها ، اغلقت اللاب توب وصحت في وجهه وانا ألملم شتات نفسي وما تناثر على المكتب من متعلقاتي واسرع باتجاه المصعد وكان صاروخا قد شوهد يتجه الى برجنا :

- الله اكبر ، ياعمي لسه باقي عشر دقايق على موعد اغلاق المولد.

رد زميلي ببرود اصبح عادة مكتسبة في التعامل مع هذه المواقف

- قولي الكلام هادا للبيه البواب

- ايوه راح اقول للبواب ، يعني هو بده يحكمنا بالمولد يشغله ويطفيه وقت مابده.

هبط المصعد الى الطابق الارضي بسلام فاندفعت منه الى حيث مولد الكهرباء وكان البواب يقف بجواره وكل الشواهد تدل على انه يستعد لاغلاقه ، صحت به

- ليش بدك تطفي المولد هلا ؟

اجاب ببرود دون ان ينظر باتجاهي

- ليش بتسالي ، بدك ترجعي تطلعي ، ممكن ، قدامك دقيقتين بتكفي ، بس اعملي حسابك تنزلي على رجليكي عشان ما اظنش المولد هادا راح يشتغل من هنا لحد ما ندبر سولار.

زاد عدم اكتراثه بالموقف من غضبي فصممت على ان انهي هذه القضية معه حيث اصبحت تتكرر كثيرا وبشكل يسبب لنا جميعا كل انواع الازعاج ، قلت له بنفس الحدة في التعبير

- يا اخي القصة مش قصة سولار ومولد ، القصة التزام بالمواعيد ، لسه باقي عشر دقايق تقريبا على الموعد المحدد لاغلاق المولد...

اجاب بشيء من الاستخفاف :

ياسلام ، يعني فرقت هالكم دقيقة ، ماهو راح يبقى واقف من غير شغل الى ماشاء الله ولحد ما نلاقي سولار او الكهربا تشرفنا.

استفزني اكثر بلا مبالاته على هذا النحو فاردت ان ألقنه درسا في احترام المواعيد ، قلت وانا امد يدي بجوالي وعلى شاشته بيان الوقت :

ايوه بتفرق معنا وفي شغلنا وبتفرق كتير ، والقضية كمان مش قضية مولد وسولار وطلوع الدرج ونزوله بس ، القضية قضية التزام واحترام للمواعيد عشان الواحد ما يتفاجأ ان حساباته مختلفة

استمر على نفس المنوال من عدم الاكتراث ..

قال بذات البرود ودون ان ينظر الى الوقت على شاشة جوالي

- ومين اللي قالك اني مش ملتزم ، على ساعتي انا لازم اطفي المولد الان بالظبط

منطقه مفحم ولكنه كان غريبا ومفاجئا بالنسبة لي ، قلت وانا اميل اكثر الى محاولة التفاهم وليس اللوم والتقريع

- طيب كيف احنا بدنا نعرف الساعة كام معاك .

اجاب بنفس النبرة

- وكيف انا بدي اعرف الساعة كام معاكو ، انا بمشي على ساعتي وبس

لم انبس ببنت شفة كما يقولون بالفصحى ، وبصراحة هيك موقف صار بده فصحى وفصاحة بكل المقاييس ..منطق البواب معقول بغض النظر عن ميله الى الصفاقة ، هو لا يعرف الا ساعته وهي يمكن ان تقدم او تؤخر كأي ساعة اخرى في الدنيا ، ايكون الحل هو ان اضبط ساعتي على ساعته ، و الله فكرة ، التفت اليه وانا في طريقي الى سيارتي وصحت :

- الساعة كام معاك الان

رد بنبرة تدل على انه قد فهم القصد ، وان ما فهمه قد ملأه بالزهو حتى الانتفاخ

- الساعة على ساعتي اللي هي ازبط من بج بن ، خمسة الا دقيقتين بالملي.

تمتمت لنفسي وانا ادير محرك السيارة

- مش مهم تكون اظبط من بج بن ، المهم انها ساعتك اللي بتطفي المولد عليها وبتشغله ، خلص هاي ساعتي كمان صارت خمسة الا دقيقتين.

شعرت براحة نفسية وكأن المشكلة قد حلت فانا والبواب لن نختلف بعد اليوم في تقدير الوقت ولن اتعرض للمواقف المحرجة والمثيرة للاعصاب والضارة بالصحة ايضا ، استخدام الدرج صعودا او نزولا من والى الطابق الرابع عشر في مكان عملي ، وسبعة طوابق من والى بيتي ، واهم من ذلك اضطراري لقطع عملي بشكل مفاجئ ، معاناة لا يستوعب فظاعتها الا من يجربها ، ونحن في غزة اهلها ولا يفتى في تلك المعاناة ونحن في المدينة .

- راجعه مبدرة يا ام ياسر ، ما انتي عارفة ان المولد معاده الساعة خمسة ونص بالزبط..

نظرت في ساعة جوالي وانا اكتم غيظي من هذه الاستهلالة غير المريحة ، انا بالطبع اعرف موعد تشغيل مولد عمارة بيتي ، ولذلك تلكأت في العودة واضعت كثيرا من وقتي الذي احتاج كل دقيقة فيه بلا طائل حتى اصل في الموعد المحدد .

قلت للبواب

- ياسيدي بستنى هالدقيقتين

رد البواب باستغراب

- دقيقتين ايش يا ام ياسر ، الساعه لسه خمسة وتمنتاشر دقيقة ...

كدت اصرخ باعلى صوتي ، اي والله جننتوني ، لكنني اثرت ضبط الاعصاب ومددت يدي له بالهاتف وانا اقول

- ياعمي الساعة خمسة وتمانية وعشرين دقيقة ومزبوطة على ساعة بواب عمارة المكتب اللي هي ازبط من بيج بن .

القى البواب نظرة عابرة وعلى سبيل المجاملة ليس الا ، قال وهو يحاول ان يكون مؤدبا بقدر الامكان

- يا ام ياسر يا بركة انا مالي ومال ساعة بواب عمارة المكتب او حتى بج بن ذاتها ، انا اللي في ساعتي انا ، اللي بزبط الوقت مع كل السكان عليها ، معلش بيعينك الله في هالعشر دقايق ، اجيبلك كرسي وللا تستني في سيارتك ، او بيعينك الله وتطلعيها واحدة واحدة زي الشباب.

حدجت البواب بنظرة لا اظنه قد كلف نفسه عناء التفكير في مغزاها ، ليس تسامحا ولا تخوفا مني او تقليلا من شأني وانما لاعتياده عليها الى حد يجعله ينشغل بالتفكير فيها لو افتقدها في عيون السكان الذين في غالب الاحيان لا يجدون سواها وسيلة للتعبير عن استيائهم ان لم يكن سخطهم الناجم اصلا عن انقطاع الكهرباء ..

بحركة لا ارادية استندت بيدي على الحافة الحديدية للدرج وارسلت عيوني الى اعلاه ، حلوه ارسلت عيوني هذه ، تذكرني بالشاعر عبد الله الفيصل ومن اجل عينيك ، بالنسبة لي لو ان آل سعود لم يقدموا للدنيا غير ابنهم هذا لكفاهم ذلك ، عدنا الى آل سعود ، احنا في ايش وللا ايش يا لنا شاهين ، استعيذي بالله واستعيني به وتوكلي عليه وقولي كل ما يقوله العاجزون المغلوبون على امرهم والذين يعلقون كل مآسيهم على شماعة القدر ، ولكن لا تفعلي ولا احسبك اصلا ستجدين ما تفعلينه او حتى تجرؤين على التفكير في عمله سوى مواجهة مشكلتك الآنية ، وحدها وليس كجزء لا يتجزأ من مشكلة اكبر او من مجموعة مشاكل قد تنتهي حلقاتها ، او تمر احدى حلقاتها بالوضع العام سواء في غزة او في ما حولها وبالتاكيد ستكون الانظمة الحاكمة جزءا من ذلك ، مشكلتك الان هي هذه الطوابق السبعه وهذا الدرج ، وشعورك بالانهاك الذي هو جزء من طبيعة عملك وبعد يوم تصوير خارجي و لقاءات ، مشكلتك الان هي انقطاع التيار الكهربائي وتوقف المولد عن العمل .

شعرت بحاجة لالتقاط الانفاس في الطابق الثالث ، استندت او القيت بجسدي المتداعي على حائط الدرج وشخصت ببصري الى اعلى ، لا يزال امامي ما فيه الكفاية لاستنزاف ما تبقى من طاقتي ، انا اعلم ان صعود درج بسبعة طوابق او اكثر ليس معضلة ولا هو نهاية العالم وقد مارسته كثيرا كغيري من الغزيين والغزيات ولكن تاتي على الانسان لحظات يشعر فيها انه خائر القوى لسبب او لاخر ، وهذا ما كان ينتابني في لحظتي تلك ، استراحة طالع الدرج هذه لم تمر كسحابة صيف ، فصيف غزة مع انقطاع الكهرباء لا سحاب فيه ولا حاجب او واق من القيظ الشديد ، جسدي يتصبب عرقا يغرقني في لجة شعور بالحنق والرغبة في الانفجار ، لماذا نستمر في المجاملة وايثار السلامة واعتناق مبدأ خليك في حالك حتى ونحن نرى ان حالنا الذي يجب ان نخلينا فيه لم يعد يسر عدوا ولا حبيب ، مجازا طبعا ، فعدونا يسره بالتاكيد ما نحن فيه ، اما حبيبنا فلم يعد لنا احباب اصلا .

ابتسمت رغم ارادتي ابتسامة لا لون ولا طعم لها ، يقولون ان منع التجول في بعض البلاد يسهم في تحسين العلاقات الاسرية بما يفرضه على الجميع من البقاء معا في البيت مدة اطول ، ايكون هذا هو السبب الحقيقي لقطع الكهرباء ونقص الوقود ، الحد من حركتنا لبقائنا في البيت مدة اطول ؟ لا الله الا الله ، هو قطاع غزة ناقص زيادة سكانية او تدني انتاج على مستوى العمل !!

عموما فان طول ملازمة المشاكل والازمات يساعد على خلق حلول شخصية وعامة ايضا لها ، الوقود قد اصبح توزيعه بالبطاقة ، اما الغاز فبحمد الله قد اقتربت ساعة الخلاص من مشكلة نقصه او انقطاعه الكامل ، عقول شبابنا لا تتوقف عن العمل ولا يستطيع الحصار ان يسد الافاق امامها مهما بلغ احكامه.

ضحكت هذه المرة من قلبي وفي قلبي طبعا حتى لا يظن من يراني انني قد جننت واضحك بلا سبب وانا وحدي على الدرج ، ليس استخفافا بما اكتشفه شابان غزيان ولكن اعجابا ببساطة ادوات الاكتشاف او الاختراع رغم اهمية نتيجته وحيوية ما سيوفره لنا ، غاز الطهي ، وهو ذاته غاز التدفئة في فصل الشتاء ، والحكاية كلها تبدأ بمخلفات عادية كالقمامة المنزلية مثلا ، وجرة غاز صغيرة وموقد وجهاز بسيط يحول هذه المخلفات الى غاز ، وتسقط طوابير الانتظار امام محطات تعبئة الغاز ، والبكاء على اطلال انابيب الغاز الفارغة ، واجري يما شوف جيرانا طلعوا زبالتهم ولا لسه ، بدنا نلحق نطبخ

غاضت ابتسامتي التي لم يكن لها مكان ولا اوان اصلا حين قادني التفكير في هذا الاختراع الذي قد يكون له شأنه على كل بساطته وتندر البعض عليه ، الى التفكير في البواب من جديد ، الا يعزز هذا الاختراع اهميته ويجعل من الحكمة التقرب اليه وربما استمالته بنفحة مالية من هنا ومكافأة عينية من هناك ؟

ولا احسبكم ستسألون عن السبب ،فكلكم نظر، ومن الواضح اننا سنكون بحاجة الى دفعه لايثارنا باكبر قدر من مخلفات العمارة حتى نضمن مخزونا كافيا من المواد الخام اللازمه لانتاج الغاز . قادني هذا الخاطر الاكثر ميلا للدعابة الى جانب اخر من مآساة واقعنا ، كل هذا الغاز في قاع بحرنا بمن نستجير ومن ينبغي ان نستميل والى من نتقرب حتى يسمح لنا بالافادة منه ولا نبقى كالعيس في الصحراء يقتلها الظما .. والماء فوق ظهورها محمول.

استعنت بالله واستانفت صعودي وانا اتسلى او احاول ان اشغل تفكيري بعد درجات السلم بعيدا عن التركيز في المعاناة ذاتها ، لم تفلح هذه الحيلة المعروفة والتي لا احسبكم الا قد ما رستموها كثيرا منذ بداية عهدنا بانقطاع الكهرباء ..

الا تزالوا تذكرون متى بدأ ذلك ؟ لا ادري لماذا اشعر وكانه كان منذ بدء الخليقة او منذ موت الشعور بالامان والاستقرار وضمان روتينية الحياة بما في ذلك استمرار كل الخدمات وتوفير كل الاحتياجات الاساسية ، يومها قصفت اسرائيل محطة توليد الطاقة في غزة وبدأت المأساة التي لم تجد من ينهيها حتى الان ، وفتحت ابواب جهنم بانقطاع الكهرباء وايضا لم تجد حتى يومنا هذا من يغلقها ، مع الاعتذار لبيان وكالة معا الذي اختتمته بكلمات لنزار قباني من اغنية متى ستعرف كم اهواك ، وعلى الله ( يتمر ) كل هذا الحب في من فقدوا مصدر دخلهم الوحيد نتيجة فصل وكالة معا لهم من وظائقهم في غزة ، وفي اعتقادي ان الرسالة المقصودة من ذلك الاقتباس لكلمات نزار هو " انا احبك ، حاول ان تساعدني " يعني ايش بدكم اكتر من هيك يا ناس ، حاولوا تساعدوا الوكالة التي شردتكم بان تبتسموا وانتم تشكرونها على هذا الصنيع.

بصراحة ، العمل الصحفي متعب جدا ومعدش يجيب همه ، دعونا نتكاتف معا ، معا هنا تعني مع بعضنا البعض وليس وكالة معا ، ونبدأ مشروع انتاج الغاز المذكور اعلاه ، وراح تكسبوا دهب ، وجمع المخلفات في غزة مش صعب ، وبلا صحافة بلا هم .

لم يبق غير طابق واحد ، بدأت اشعر بانني كمن استنزفته السباحة ويكاد الموج يبتلعه ، شخصت ببصري الى الطابق الاخير حيث شقتي وكانني استمد القوة اللازمة لانهاء مشوار الالف ميل .. ولماذا الاستغراب ، لقد كان فعلا مشوار الف ميل ولم ينته رغم اننا نسير عليه بكل ما اوتينا من صبر وجلد منذ زهاء سبعة اعوام ، وما تعبناش ، لا بصراحة تعبنا ومللنا ولم يعد في قوس صبرنا منزع ولكن الله غالب ، وهل يمنع كون الله غالبا ان نفكر جديا ومليا لماذا كان كل ذلك ، ولماذا لم تجد المأساة من ينهيها فعلا ، بسيطة ، دعونا نستعرض الامر سويا ، سويا وبلاش معا حتى لا تؤخذ على محمل اخر ، اسرائيل قصفت محطة توليد الطاقة ، مفهوم وبدون اي تعليق فاسرائيل عدونا اللدود وهذا متوقع من العدو ، ثم ماذا ؟ دائرة مغلقة تبدأ من حيث تنتهي وتعود تنتهي من حيث تبدأ ، حكومة غزة مادفعتش ، حكومة رام الله ما بعتتش ، اسرائيل منعت ، مصر اوقفت ، او ، نقول كمان ومن وجهة النظر الاخرى ، حكومة رام الله ما دفعتش ، حكومة غزة ما بعتتش ، مصر منعت ، واسرائيل اوقفت ، فخمتو يا خبيبي ، مش مهم ، هذا ما يسميه الغزيون حدوتة الدبانة ، ديرها وحولها ، اعيدها من اولها ..

مالك يا لنا شاهين ، هل فقدت البوصلة ام فقدت الحرص المعتاد وبدأت تنحرفين الى خانة " دبور زن على خراب عشه " ياعمي مناطحة آل سعود لسه اهون . فلنعد الى اصل الموضوع واساس المشكلة ، البواب .. يا سبحان الله ، البواب قد اصبح الان هو لب القضية واساس المشكلة وربما يكون هو من بدأ المأساة وفتح الابواب ولم يغلقها ، ايكون البوابون في غزة هم ضالة وكالة معا ، وهم من ينبغي ان ينهضوا بمسؤولياتهم ويضعوا حدا للازمة ، اي ازمة وكل ازمة ، المهم انهاء المأساة واغلاق الابواب .

اغلاق ابواب مين ، افتحو الباب لالقي بنفسي على اقرب كرسي او حتى على البلاط ، ولا يسألني احد ما ذا بك ، فقط اريد شوية هوا ، جاءني الرد سريعا وبلا كلمة واحدة ، ابنتي امسكت بكرتونة او بقايا صندوق كرتون وبدأت تهوي على وجهي ، نظرت في الساعة المعلقة على الحائط امامي ، يبدو انني قد استغرقت وقتا طويلا في صعود الدرج ، او هي تاملاتي التي لا نهاية لها في واقع الحال ، المفترض حسب تقديراتي المبنية على ما تشير اليه الساعة وما يقوله جدول تشغيل المولد ان يكون البواب قد قام بتشغيله منذ عدة دقائق

- ليش مو مشغلين المروحة

جاءني الرد ايضا سريعا وكانه كان جاهزا في انتظار السؤال

- اتصلنا بالبواب وقال انه حاول يشغل المولد لكن الظاهر انه عطلان وبعت يجيب الفني المختص .

الحمد لله انني لم استمع الى كلام البواب و انتظر تشغيل المولد يعني كنت رح اطلع الدرج رح اطلعه لا مفر .

هو البواب ثانية ، ما الذي يحدث في غزة ، او ما الذي حدث حتى اصبح البواب هو البداية والنهاية ، وهو لب القضية ، ولا تمر جملة مفيدة واحدة عن واقع حالنا وسير حياتنا اليومية دون ان يؤتى فيها على ذكر البواب .

ماشي ، مادام البواب هو اصل المشكلة ، وهو المتسبب في انقطاع الكهرباء من اساس الاساس ، وهو الذي يمكن ان ينعم علينا بخيراتها ان شاء ، اي انه باختصار ، المذل المنعم والقادر المحتكم ، واسرائيل ليس لها علاقة بالامر لا من قريب ولا من بعيد ، ومصر مالها ومالنا اصلا ونحن بحسب تصريح لجهة سيادية فيها قطاع محتل ومسئولية توفير احتياجاتنا الاساسية تقع على عاتق من يحتلنا ، يعني اسرائيل عدونا اللدود ، وحكومة رام بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، وحكومة غزة اكثر براءة من دم يعقوب ذاته ، ومادام الحال كذلك فلابد مما ليس منه بد ، اعطني الكالكيوليتر يا ابنتي ، او المعداد كما يحلو للبعض تسميته في لفتة تعريبية لا يسمح الوقت بالتعليق عليها .. 16 طابق في 3 للطابق الواحد = 48 مترا هي ارتفاع البرج الذي يقع فيه مكتبي ، قد تزيد او تنقص بما لا يؤثر على الهدف الاسمى .

ياسيدي خير وبركة ولا ينقص كثيرا عن برج بج بن ذاته او برج سانت ستيفن حسب تسميته الرسمية الاصلية والذي اصبح منذ عام 2012 يسمى برج الملكة اليزابيث الثانية تكريما لها في عيدها الماسي على كونها لا بتهش ولا بتنش وتم بلا لسان على راي ستي ، وياريت كل الملوك والرؤساء العرب على هذه الشاكلة ، برج بج بن هذا يبلغ ارتفاعه 97 مترا اول عن اخر ، اي اننا بكل بساطة يمكن ان نضع ساعتنا على برج حديدي يرتفع خمسين مترا اخرى فوق البرج الاسمنتي ويصبح بذلك اعلى من برج بج بن ، ويمكننا بعد هذا ان نبحث لنا عن قرضاوي اخر ، نص عمر على قد فلوسنا ، يروج لتبني توقيتنا عالميا ، وان كانت جرينتش تقع على خط الصفر فنحن ايضا لدينا خطا لا يتوفر في اي مكان على ظهر الكرة الارضية الا وهو خط اريحا ، اي ادنى الارض ، يعني سهله وميسرة باذن الله ، ولن يكون هناك مجال بعد ذلك لاستغلال فروق التوقيت من اي طرف كان ، فالكل سيرى ذات الساعة من كل مكان في غزة ومستوطنات غلافها ايضا ، ويضبط ساعته بموجبها ،ويرتب مواعيده حسب توقيتها ، ووداعا لمشكلة انقطاع الكهرباء وتوقف المولدات ونوم المصاعد في العسل وزحمة السير على سلالم العمارات ..

آه ، نسيت ان اقول لكم ان ساعة بج بن مكتوب عليها " ليحفظ الله الملكة فيكتوريا " وساعة مكة منقوش عليها " بسم الله " ونحن ايضا نستطيع ان نكتب ما نريد على ساعتنا ، يعني ساعتنا واحنا حرين فيها ، مارايكم لو كتبنا على ساعتنا المقترحة " يارب ما تنقطع الكهربا " ؟!.

سألتني ابنتي وكانها كانت تقرأ افكاري او انني كنت افكر بصوت عال

- حتى لو نجحت في مشروع برج ساعتك هذه فما هو التوقيت الذي ستتبعه ، مكة ام جرينتش ؟

ملت براسي الى الوراء في شيء من الزهو وانا ارد عليها بنبرة حاسمة

- مكة مين وجرينتش مين ، سيكون التوقيت الذي تتفرد به غزة ، بواب بن

رفعت ابنتي حاجبيها دهشة وادارت ظهرها لي وهي في طريقها للتخلص من قطعة الكرتون بعد ان ثبت عدم جدواها في تخفيف اثار الحر اللافح .

صرخت فيها

- وين رايحه ، هاتي الكرتونه ، خليني اشوف وين ابدا التخزين ، قد نحتاج اليها مستقبلا في انتاج ما يلزمنا من الغاز

ردت ابنتي وهي بين المصدق والمكذب

- بتحكي جد ؟!

سارعت بالقول وانا انتزع قطعة الكرتون من يدها

- طبعا جد عاودت ابنتي الاستفسار وليس الاستنكار هذه المرة

- ومتى سيكون ذلك حسب تقديراتك ؟

قلت وانا امسح العرق عن وجهي بفوطة مبلله بالماء

- لا يهم متى ، المهم انه سيكون حسب التوقيت الغزي .. بواب بن