خبر : السيد الرئيس! ....محمد يوسف الوحيدي

الخميس 03 أكتوبر 2013 08:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
السيد الرئيس! ....محمد يوسف الوحيدي



 لذيذ هو الشعور عندما يتخيل الإنسان أنه أصبح " السيد الرئيس" و خاصة بالمقاييس و الأبعاد العربية للكلمة، فالسيد الرئيس يمكن أن يكون الزعيم الملهم، المنتصر، القائد المظفر، الإمام، أمير المؤمنين، المهيب، كما يمكنه أن يحوز على كل أوسمة البطولة و الشرف في العالم، و دروع الامتياز و شهادات الدكتوراه، و كل النساء و المحظيات و الجواري و المعجبات، و الزوجات، و السلطات بضم السين أو بفتحها إن كان جائعا.. كثيرون منا حلموا بهذا يقظة أو نوما، دعابة أو صدقا.. أنا تحقق حلمي.. نعم،كنت السيد الرئيس.. 
 في بيروت.. تنعقد القمة العربية للمرة المليون، ولكن هذه المرة يقولون إنها الحاسمة القاصمة الفاصلة التي لا تصد ولا ترد، فعنها سيصدر المشروع العربي للسلام العادل و الشامل في المنطقة و الذي سيتكفل بهجوع العنف و زوال الحروب ، و بزوغ شمس السلم و العدل و القسطاس المبين في أرجاء المعمورة، كيف لا و قد أعد هذا المشروع، الخطة، المبادرة، في أقدس و أطهر أرض و حاز على موافقة و مصادقة و مباركة أعظم قوة.. - سالم ؟؟ " ناديت همسا - من؟!! محمد الفلسطيني ؟ يا هلا " يعانقني بشدة وحرارة" كنت قد التقيت سالماً اليمني في شوط طواف حول البيت الأبيض قبل عامين من قمة بيروت و التقت وجهات نظرينما في كثير من القضايا، وظل التفاهم بيننما يتعزز حول قضايا الإنسان العربي إلى أن بلغ حد التطابق و الانسجام و التوحد عندما طبقنا هذه التفاهمات في إغاثة الملهوف و على موائد صغيرة في لقاءات ذات إيقاع سريع تتجلى فيه حور عين و يسقى فيها المجتمعون كؤوسا، تؤكد تلاحم المفاهيم حول قضايا العروبة و الوحدة و التنمية و التكامل..  
- كيف حالك يا سالم، أأنت هنا في بيروت منذ زمن؟ - نعم، أنا هنا مع الأخ الرئيس حفظه الله و رعاه.. - كم أتمنى أن أقابل الرئيس علي عبد الله صالح، و الله إن مكنتني سأكون من الشاكرين.. - ولم لا، إنهم الآن كما ترى في خضم الجلسة، إذا ما شارفت على الانتهاء تتبعني إلى حيث يجلس و تصافحه و تتحدث إليه.. - موافق.. 
 كانت رغبتي كصحفي ، و كشاب في الثلاثينات من عمري لمصافحة علي عبد الله صالح على أساس المثل القائل ( جاور السعيد تسعد )، و ربما طانت لدي رغبة دفينة ، و شغف و رغبة جامحة في بناء علاقات هامة قد تخدمني في المستقبل وبالمرة علني أضيف صورة إلى مجموعة صوري مع الزعماء و المشاهير..  
و قد كانت رغبة الصور هذه – للأسف حينها – آخر الهموم ، فلم يكن الفيس بوك معروف وقتها ، وهو منبر يستخدم أحيانا للتفاخر ، و العرض .. جلست أنا و سالم اليمني مدة نهمهم ببعض الذكريات ، و نتحرك بخطوات محسوبة إلى أن سمعته يناديني طابا مني أن أضبط ربطة عنقي و اتبعه، فأبديت إستعدادي التام و لحقت به إلى داخل قاعة الإجتماع الكبرى بخطوات واسعة و بهمة و ثبات مثبتا ناظريَ على وجه الرئيس القائد علي عبد الله صالح، راسما ابتسامة مملوءة بمعاني الإعجاب و الاحترام.. بضع خطوات قبيل مصافحة الرئيس القائد،شئ ما يضرب على أذني فلم أعد أسمع الضجيج و الهمهمات التي تسود القاعة،ولا أرى كلوك و أمراء و شيوخ و روساء الأمة العربية ،و بدأت أشعر وكأنني أتحرك بتصوير بطئ مشرعا ذراعي، فاتحا يدي متلهفا على المصافحة التاريخية.. حيث قام صديقي سالم بتقديمي مع بعض كلمات الإطراء و المدح للقائد فيفرج الرئيس علي عبد الله صالح عن ابتسامة رضا تتوج بمد اليد للسلام.. - سيدي الرئيس، هذا شرف عظيم لي أن ألتقيك و أصافحك.. - أهلا يا أخ محمد، هل أتيت مع وفد فلسطين ؟ - في الحقيقة يا سيدي الرئيس أنا مع وفد الرئيس، أنت تعلم أن السيد الرئيس لم يُمَكن من الحضور.. فأبدى الرئيس علي عبد الله صالح ملامح الأسى و الاستنكار و قبض على ذراعي و سار بي متوجها إلى خارج القاعة.. يتنحنح ، يتمتم ، يكاد سالم يصرخ خلف رئيسه منوها أن البوابة التي سيخرجون منها هي فقط للملوك و الرؤساء و الأمراء و الشيوخ و السلاطين، أما التابعين بإحسان من وفود و أعضاء و ملحقين فيخرجون من البوابة الثانية.. 
 ولكن السيد الرئيس علي عبد الله صالح المعجب جدا بإعجابي به لا يستمع لنصح مرافقه سالم، و يستمر إلى أن يستقر به المقام في طابور القادة العظام.. و أنا مرتبك خلفه..لا أعرف كيف أتصرف ولا يمكنني ترك الطابور لطول المسافة العائدة ، ووجود حراسات و كاميرات ، و لحالة إرتباط و إحراج لم أعرفها ، ولا أعتقد أنني سأعرف مثلها ما حييت ، فأنا الآن في زمرة صفوة الصفوة من البشر، مع قادة الأمة، كتف بكتف، أختلس خالد النظر إلى أعضاء وفد فلسطين ، كمن يطلب النجدة و الخلاص فوجدت بعضهم ممن أعرفهم يحدقون إليَ بإستغراب و ترقب.. نظرت خلفي، فرأيت ملكا من ملوك العرب، ينظر أمامه فيرى رئيسا و أمام الرئيس رئيس و امامهما أمير، و خلف الملك شيخا و خلف الشيخ رئيس..  
حينها أخذت أحدث نفسي " أنا الآن رئيس" " أنا الآن السيد الرئيس" ولو لبضع دقائق، وعلى أن أتصرف على هذا الأساس.. و عشت في الدور .. تقمصت الشخصية .. رئيس .. رئيس من لا يهم ، كيف لا يهم .. أنا في وضع ، وعلي أن أتعامل معه ،نفخت صدري و فردت كتفيَ،و أخذت أتبسم بتعالٍ .. كانت لكاميرات المسعورة حولي و أمامي و عن يميني و يساري.. 
 و أحسست أنها جميعا قد إستهدفتني ، و شعرت أن أحداً سيصرخ قائلا : ها هو ، أمسكوه .. بخروجي من الباب الرئيسي للقاعة كان لزاما علي ، أن أفعل كغيري من ( الزملاء ) القادة و الرؤساء بأن أصافح قيادة الدولة المضيفة، لبنان ، و أن أكرر نفس العبارات التي كررها سابقيَ، بصوت جهوري ثابت, ويرد عليَ السيد رئيس الجمهورية اللبنانية ، و دولة رئيس الوزراء و عدد من الوزراء المصافحون التحية بأحسن منها و يذيلون ردهم بأي لقب من الألقاب وأيها على أي حال هي أكثر مما كنت أحلم به، بالطبع لعدم معرفتهم بي، فتارة، سيادتكم، سموكم، معاليكم، و تارة أخرى فخامتكم، سعادتكم، كل منهم يطلق اللقب الذي يشبه به علي ، و يعتقد أني هو .. بعد أن يتمخض الباب الرئيس، ليلدني، أخذت أنظر حولي، كغريق ، أنقذته موجة ، فدفعته لحسن حظه إلى الشاطئ ،لأرى سالما في استقبالي و على وجهه علامات الغضب و التأنيب..  
أخذت أنظر في عينيه، وقبل أن أنطق أي حرف ليبرر ما حدث ينفجر صديقي اليمني ضاحكا، ومهللا، أهلا سيادة الريس ..ولكن قل لي بالله عليك كيف كان الشعور؟ - شعرت بأنني رئيس فعلاً، بل إن أحدهم ناداني "سموك".. - وهل أحسست فعلا أنك رئيس ؟ نظرت في وجه صديقي اليمني سالم ، و قبل أن أجيبه ، سالته قائلاً : - يا سيدي، أتساءل أنا، الآن، إن أذنت لي ؟ - تفضل.. - كيف يسميني كل هؤلاء القادة الذيم صافحوني بهذه التسميات و الأقلقاب وهم لا يعرفونني أصلا؟ فجاءت إجابة سالم ، باسرع ، و أوقع ، و أكثر تلقائية مما كنت أتخيل قائلا : - بسيطة، تماما كما يسمون قضية فلسطين بكل التسميات !!! قضية العرب ، القضية المركزية ، قضية العروبة و الإسلام ، القضية المقدسة .. إلخ إلخ .. 
 تبدد الابتسام و تسود هنيهات صمت علينا و كأن على راسينا الطير، و نأخذ بمراقبة القادة و روؤساء الوفود وهم يغادرون كل إلى جناحه، وأبقى أنا و صديقي اليمني في فراغ..