في الصباح طالعت تصريحات مدير عام الإدارة العامة للمعابر بغزة والتي أبدى فيها استيائه من عمل معبر رفح بعد فتحه أمس السبت 28-9-2013بعد إغلاق ثمانية أيام متتالية حيث تمكن 130 مواطنا فلسطينيا من السفر فقط من أصل بضع آلاف مسجلين للسفر من الفئات الأربع التي حددتها السلطات المصرية قبل إغلاقه بسبب تعطل شبكة الحاسوب كما جرت العادة، كما قرأت بعض التصريحات لمسئولين فلسطينيين يتهمون فيه الحكومة هنا بتعطيل سفر الطلبة، وآخر يقول بأنه يرفض عودة حرس الرئيس للمعبر.
وفي السياق دبلوماسي أجنبي مطلع على سير المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قال بأنها وصلت إلى طريق مسدود بعد رفض الجانب الإسرائيلي مناقشة فكرة تبادل الأراضي.
وتصريحات منسوبة لقيادات في حركة فتح والسلطة تقول بأنها أرسلت رسائل لحماس عبر وسطاء لحماس بشأن المصالحة، وتحذيرات لها بضرورة النزول على متطلبات المصالحة كما تراها "القيادة الفلسطينية" حيث ذكرت التقارير بأن القيادي عزام الأحمد حمل شلح بعد لقاءه في بيروت رسائل إلى حماس بضرورة المضي قدما في اتجاه المصالحة والعمل على التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية، وضرورة عدم التدخل في الشئون المصرية.
هذه عناوين النشرات الإخبارية والتقارير الصحفية الفلسطينية اليومية، معبر فتح وأغلق، المفاوضات تقدم وتعثر، المصالحة تحرك وجمود، وبين هذه العناوين يضخ العشرات من التصريحات والتقارير والقصص والتسريبات المنسوبة لقيادات ومسئولين هنا في فلسطين، وفي عواصم عربية وأجنبية، وعلى الإيقاع المواطن الفلسطيني يموت ويذبح ويخسر دون أن يكون لذلك تأثير على هذا المسئول أو ذاك، وعلى هذه الجهة أو تلك، وانتقل الحديث من المعاناة مع الاحتلال إلى المعاناة مع المعبر، أو السجال بين فتح وحماس، أو المفاوض الفلسطيني عابث أم مثمر.
وسط هذا الزحام، والتكرار، والرتابة، لكم أن تتصوروا تأثير كل ذلك على ذهنية ومعاناة المواطن الفلسطيني. في خضم ذلك تسوق لنا المكارم الإسرائيلية بزيادة عدد المسموح لهم بالعمل لدى دولة الاحتلال "عمال"، وزيادة عدد الشاحنات التي تنقل البضائع إلى غزة مع زيادة في عدد السلع والبضائع المسموح بدخولها وزيادة كمياتها، وتحسين العمل على معبر الكرامة، وخطة إنعاش اقتصادي للأراضي الفلسطينية يبشرنا مسئول فلسطيني بأنه في حالة إقرارها سيكون بمقدور السلطة الاعتماد على نفسها والاستغناء عن دعم الدول المانحة.
هذا يعني ببساطة أن وضعية الاحتلال أفضل للمواطن الفلسطيني من وضعية الخضوع لسيطرة فتح وحماس، ووضعية المرور عبر الحدود العربية. فالاحتلال يوفر كل متطلبات الحياة الفلسطينية بدون قيود، ويشبع الرغبات والحاجات الفلسطينية من السلع والمستلزمات.
إنها مقارنة معكوسة بين الأخ والأخ، وبين الصديق والعدو، بين القريب والبعيد، بين الممكن والمستحيل، بين الواقع والمطلوب، وهكذا ندفع المواطن الفلسطيني إلى الكفر بوطنيته، وقضاياه العادلة، وهمومه ومعاناته تحت الاحتلال. فطالما أن القصة كلها تحولت إلى منظومة من التسهيلات يحصل عليها المواطن للنقل والتنقل، وسلة من السلع تلبي متطلبات حياته اليومية، فإن الحياة تسير بذلك على ما يرام، وان الأمور تمضي من غير شوك أو مرار.
هذه معتقدات باتت تتسلل إلى أوساط شبابنا، والأجيال الواعدة من أبنائنا الذين ملوا وتعبوا من التصريحات والتسريبات والمهاترات الاعلامية، التي يصدمون بها في كل يوم. فقد تعبوا من الحديث عن الرواتب، والحديث عن التعليم، وعن الخدمات الصحية، وعن المن الاجتماعي، وعن الشراكة، وعن، وعن..الخ، وباتوا ينتظرون شخصا يبشرهم بفرصة عمل، أو هجرة لبلد أوربي، أوسفر إلى بلد خليجي، أو رحلة لبلد رأها في الصور يريد أن يراه على الطبيعة.
قد يرى البض أن الصورة محبطة، أو مبالغ فيها، أو كسر للكرامة الوطنية. لكن الحقيقة أن الصورة هذه مبسطة، وسريعة، لكنها في الحقيقة أكثر قسوة، وأشد مرارة، وتفطر الإنسان الفلسطيني الذي عاش عقود طويلة يرقب الانتصارات الوطنية، والحياة الكريمة، والحرية المسروقة، والإخوة العزاء.
إنه المشهد كما ترسمه الصورة من المعبر إلى رام الله إلى المفاوضات إلى واشنطن إلى جنيف إلى بروكسل إلى أوسلو، إنها الصورة التي يشاهدها المواطن الفلسطيني في محبسه الكبير، المحبس الذي طال عقله وخلجات فؤاده وليس جسده فقط.
وهنا نقول هل يمكن لنا أن نرحم المواطن الفلسطيني، ونكف عن تفكيك وحدته، وتشتيت تفكيره، وتحطيم وجدانه، والاستمتاع بمعاناته وعذاباته؟!
Omar_60_66@hotmail.com


