خبر : مرحلة الممرحل وتقسيم المقسم ...بقلم: د.عاطف أبو سيف

الإثنين 30 سبتمبر 2013 01:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
مرحلة الممرحل وتقسيم المقسم ...بقلم: د.عاطف أبو سيف



ليس أصدق لتوصيف الانقسام من العبارة السابقة حيث أضحت الضفة الغربية وقطاع غزة كيانين مختلفين متصارعين.

والنتيجة الأولى في ذلك أنه على صعيد الممارسة الكيانية فإن الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني المتاح المتمثل في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو ما عرف بالحل المرحلي، تحولت هذه الممارسة إلى اقتراحات عملية لإدارة كيانين، بالطبع ليسا مستقلين بشكل كامل، ولكن يبدو أن حالة الصراع على الحفاظ على كل كيان تقترح بأنه يسعى لاستقلالهما بطريقة منفصلة.
والنتيجة الثانية وجود خطابين مختلفين حول المفاهيم والظواهر نفسها لدى التنظيم الواحد منطلقاً من الجغرافية والضرورة السياقية التي يعيش فيها. وبالتالي ثمة وعي غير مسنود بتعابير وتصريحات إلا قليلة يجعل من قبول الوضع الراهن بوصفه وتوصيفه الآني أفضل من تدهوره.
وبكلمة العنوان فإن ما يجري هو عملية تمرحل للفكرة المرحلية وتقسيم وتفتيت المقسم في الخطاب السياسي المعلن والمترجم لحالة الانقسام.
وفق النتيجة الأولى فإن الحفاظ على السلطة في غزة بصرف النظر عما يحدث في الضفة من تهويد ومصادرة وممارسات عدوانية من قبل "فتية التلال" وقطعان المستوطنين، وبالطبع مع وضع عصابة عين كبرى وسد الأذنين بقطع من الفلين المحشو بالحديد كي لا نرى أو نشاهد ما يحدث في القدس، كل هذا يعتبر جزءاً من الحفاظ على كيانية غزة.
فالاحتلال يمكن له أن يهاجم غزة لكن علينا أن "نقاوم" العدوان، وعدم مقدرته على تدمير السلطة في غزة بحد ذاته انتصار كبير يجب أن يحتفل به وفق الخطاب السائد في غزة.
ليس مهماً إذا ما كان الاحتلال يمنع الصيادين من عبور البحر لأميال تكفي لالتقاط رزقهم، وليس مهماً أن يُمنع المزارعون من الوصول لحقولهم على طول الحدود، وليس وليس وليس.
أشياء كثيرة، المهم أن لا يسقط الحكم في غزة.
وعليه فإن أي "مقاومة" للمساس بوضعية الحكم هي في حد ذاتها تعزيز للمزيد من الاستقلال.
كما أن مقدرة السلطة في رام الله على مواجهة التحديات التي تفرضها حالة الاشتباك اليومي مع الاحتلال من مضايقات ومقدرتها على الاستمرار في دفع فاتورة الرواتب وتحمل عبء مصاريف مؤسسات السلطة الضخمة، وتجاوزها للأزمات أزمة أزمة كل ذلك يعني أن ثمة تمكينا لوضع السلطة. إنه المنطق نفسه الذي جعل سلام فياض في تقريره قبل سنوات يجعل من بناء المؤسسات تجسيداً للاستقلال وكأنه لم توجد حواجز ونقاط تفتيش وحجز على أموال المقاصة.
سياسياً فإن حالة الانقسام التي تجعل التفكير في استعادة غزة الضائعة من كنف الكيانية الفلسطينية، تجعل أي إنجاز في ملف المفاوضات أمراً كبيراً حتى لو كان رفع حاجز أو الخروج من شارع.
ووفق النتيجة الثانية فإن التنظيم الواحد يتبنى خطابين مختلفين واحدا يستخدمه في الضفة الغربية والآخر يستخدمه في قطاع غزة وفق الحالة الجغرافية التي يعيشها.
فالتنظيمات المختلفة تستخدم خطابا مناهضا للسلطة في رام الله ولسياساتها فيما يقال عنه في منع المقاومة وملاحقتها فيما تبرع في خلق أعذار لكبح السلطة في غزة للمقاومة.
وفيما في الحالتين في الضفة الغربية وقطاع غزة ثمة جنوح لدى أجهزة الأمن على اختلافها للحد من عمليات الاحتكاك المسلح مع الاحتلال، فإن تنظيمات اليسار والجهاد الإسلامي تحديداً تعتبر ما يحدث في رام الله كبحاً للمقاومة وما يحدث في غزة كأنه نتيجة وفاق وطني على ذلك، رغم أن وسائل الاعلام تتناقل بين فترة وأخرى اعتقال مجموعة من مطلقي الصواريخ على يد أجهزة الأمن في غزة مثلما حدث في مجموعات الجبهة الشعبية في ذكرى رحيل الكبير أبو على مصطفى.
بكلمة أخرى فإن هذه التنظيمات التي ليست من "طرف الانقسام" تعيد انتاج خطاب الانقسام بامتياز وفق عملية تكييف هي فعلاً مادة خصبة لدراسات علم النفس السياسي.
كأن هناك من يقترح أن هناك تقسيما لمفهوم الكفاح المسلح فهو في غزة "مقاومة" وفي الضفة يجب أن يكون "هجوما".
في غزة نحن "نقاوم" إذا ما اعتدي علينا.
لاحظوا أن هذا ما يحدث في غزة في السنوات الأخيرة وكأن حالة الاشتباك مع الاحتلال مقصورة على ردة الفعل والدفاع عن النفس.
فاللغة ليست بريئة. أسهل شيء أن نأتي بالتبرير لأي شيء ندافع عنه ولكن الصعب أن نكون منطقيين.
ودليل ذلك أن اتفاقات التهدئة الأخيرة تشمل قطاع غزة فقط ولا تشمل الضفة.
لاحظوا أن سياسات اسرائيل في الضفة ودخول القدس وعربدة المستوطنين لا تستدعي أي صاروخ من غزة، وكأن لسان الحال يقول إن ثمة اتفاقا على توزيع المهام.
ربما ليس الأمر بهذه الصورة من الوضوح ولكن النتيجة الفعلية هي "تقسيم المقسم" بفعل الانقسام.
فالنضال المسلح ضد الاحتلال بات يعني شيئاً في الضفة الغربية وشيئاً آخر في قطاع غزة، وبات التنظيم الواحد يتبنى خطاباً مختلفاً حول العمل المسلح واحدا للضفة الغربية وآخر لقطاع غزة، بحيث يصار إلى تكييف هذا الخطاب وفق مقتضيات الحال.
الخطر أن هذا المنطق يمس ليس بثوابت النضال الوطني بل أيضاً في نتائج هذا النضال ومخرجاته على الأرض، وهو وكما سيكتشف الكثير من الفصائل سيترك بصمته على بنيتها التنظيمية لأنه يخلق بوناً شاسعاً في فهم العمل الوطني وفي ممارسته.
وهي نتيجة حين تدرك سيكون قد فات القطار.
المؤكد أن ثمة تعاملا مزدوجا مع الأمر وليس المطلوب الاصطفاف مع وجهة نظر دون الأخرى ولكن يجب بداية أن ندرك حجم المغالطة التي نقع فيها.
بالطبع ثمة أغنية بات تذكرها يؤلم تقول إن "الصلح خير"، لكن هذا الخير لم يعد يمكن أن يتحقق على ما يبدو.
والنتيجة النهائية أن الحال الفلسطينية لا تسر صديقا ولا تغيظ عدواً، لكن البشرى السارة لعشاق الانقسام أن استمرار هذا الوضع سيعني المزيد من التمرحل والتقسيم داخل الجسد الممزق.