"نصر كبير للمجتمع الدولي" هكذا وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما تبني مجلس الأمن الدولي، قراراً هو الأول الذي يصدره منذ بدء الثورة السورية قبل حوالي عامين ونصف العام، يلزم بشار الأسد بإزالة كافة أسلحته الكيميائية خلال أقل من عام واحد، ذلك أنها المرة الأولى التي تتفق فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على قرار مثل هذا النوع، بعدما فشل مجلس الأمن طوال الوقت في اتخاذ أي موقف إزاء الوضع السوري، نتيجة للانقسام في إطاره، ومعارضة كل من روسيا والصين المواقف التي اتخذتها بقية الأعضاء في المجلس.
نجاح مجلس الأمن في اتخاذ هذا القرار، من المفترض أن يوفر فرصة أفضل لعقد مؤتمر جنيف ـ 2، إذ إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، علق على القرار، بالدعوة إلى عقد هذا المؤتمر في منتصف تشرين الثاني القادم، غير أن فرصة عقد مثل هذا المؤتمر الذي ينظر إليه باعتباره الحل السياسي الضروري لإنهاء الوضع الدموي المتفجر في سورية، فرصة محدودة للغاية، إذ مع نجاح مجلس الأمن، والمجتمع الدولي في إقرار القرار المذكور، فإن من يحسم كافة الأمور، هي التطورات الميدانية في سورية ذاتها، فالقرار المشار إليه ينص على ضرورة تسهيل مهمة وصول لجان التفتيش الدولية إلى كل المناطق السورية من أجل القيام بمهامها، النظام السوري، كرر التزامه بهذا الأمر، ولكن ما مدى التزام القوى الثورية وجيش سورية الحر، والأهم، القوى ذات الطبيعة الدينية الارهابية، بمثل هذا الالتزام، وقبل ذلك كله، فإن هذه القوى المتفرقة والمتشاحنة لها رأي آخر، أو آراء متباينة إزاء عقد مثل هذا المؤتمر، في وقت يكرر النظام السوري، موافقته على عقده، وعلى هذه الحال، فإن "النصر الكبير للمجتمع الدولي"، يبقى نصراً محدوداً ونظرياً، في ظل الوضع المتشابك والمتصارع على الأرض السورية، ومن شأن ذلك إفشال كافة المساعي الدولية، حتى في ظل توافقات مجلس الأمن، في التوصل إلى صيغة يمكن بموجبها عقد مؤتمر جنيف ـ 2، وهي الصيغة الوحيدة المطروحة حالياً لوقف نزيف الدم في سورية.
ويشهد "الربيع السوري" ربيعاً مختلفاً كل الاختلاف عن نظيره في التجارب العربية التي تكاد تكون متماثلة، خاصة إزاء نجاح القوى الدينية بحدود واضحة في التهام الثورة وسرقتها حتى قبل الاطاحة بالنظام، بينما نجحت هذه القوى في ذلك في التجارب المصرية والتونسية وغيرها، بعدما تمكنت شعوبها من الاطاحة بأنظمتها الاستبدادية البائدة، وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت المناطق الحدودية السورية مع تركيا، قتالاً عنيفاً بين جيوش هذه القوى، مع الجيش السوري الحرّ، للاستيلاء على "المناطق المحررة"، هذه القوى لم تعد في واقع الأمر، تقاتل نظام الأسد لإسقاطه، بل باتت أكثر انشداداً إلى الاستيلاء على المناطق التي حررها الجيش السوري الحر، خاصة في شمال سورية، حيث المجابهة، أيضاً، كانت مع القوى الكردية الأكثر ميلاً للجيش السوري الحر، وبالفعل، فقد نجحت هذه القوى في الاستيلاء على العديد من المدن والقرى والنواحي، خاصة مدينة "اعزاز" التي تشكل إحدى أهم طرق إرسال الأسلحة والمعدات من كل الأنحاء، عبر تركيا إلى الجيش السوري الحر، وأكثر من ذلك، فقد أقامت هذه القوى، ما تسميه الأحكام الشرعية، وبالفعل، وعلى سبيل المثال، فقد منعت التدخين تماماً في أي مكان يقع تحت سيطرتها على جميع المواطنين.
هذه القوى، تآلفت في جبهة واحدة في منظومة واحدة، متحدة تضم جبهة النصرة ولواء التوحيد ولواء الإسلام وحركة أحرار الشام والفرقة التاسعة عشرة ولواء الأنصار، وكافة القوى المنحدرة من القاعدة في اطار إسلامي، قالت عنه في بيان مشترك إنه "يقوم على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع" ذلك كله قبل إسقاط النظام الذي ادعت هذه القوى أنها قامت من أجل إسقاطه، وواقع الأمر، أن هذه القوى، تمهد الطريق للسيطرة المسبقة على النطاق السوري من خلال مواجهتها الحتمية مع كل عناصر الثورة السورية وقواها المطالبة بنظام مدني في سورية على أشلاء نظام الأسد.
وعلى قاعدة أن تأتي متأخراً أفضل مما لا تأتي أبداً، تنبهت متأخرة بعض القوى الثورية المدنية لهذا الخطر الداهم الذي لا يقل خطورة عن نظام الأسد على مستقبل سورية وشعبها، وتداعت لتشكيل ما بات يعرف بـ "اتحاد الديمقراطيين السوريين" يضم مختلف أطياف الشعب السوري الرافضة لهيمنة القوى والتنظيمات الدينية الإسلامية المتطرفة، وانطلقت فعاليات هذا المؤتمر، أمس، في اسطنبول، بهدف التخلص من كل من نظام الأسد وكافة أشكال التطرف وفي مواجهة قوى الارهاب التي تهدف الى وأد المشروع الوطني السوري.. هذا التجمع ليس بديلاً عن "الائتلاف الوطني" بل متعاوناً معه، ويلتقي معه في المواجهة مع النظام السوري، الأمر الذي من شأنه عدم وسم الحراك الثوري السوري بالارهاب، وإزالة المبررات التي وضعتها بعض الدول لعدم الالتزام بتعهداتها بمساعدة الجيش السوري الحر ومدّه بالسلاح.
إن ما يجري في الميدان فعلاً على الأرض السورية، هو الذي يحدد مستقبل البلاد، وكافة الجهود ذات الطبيعة الخارجية ستظل محدودة التأثير، بينما الواقع هو الذي يرسم الخارطة السياسية المقبلة لسورية!!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net


