خبر : الشك : القوانين المادية و الأخروية (1)....محمد يوسف الوحيدي

الخميس 26 سبتمبر 2013 02:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
الشك : القوانين المادية و الأخروية (1)....محمد  يوسف الوحيدي



قوانين عالمنا المادي ، تفسر نتائج التكوين ولكنها لا تستطيع أن تُعرَف الكيان ذاته .
و الخروج من هذا القانون أو النظام ، يعني إنتفاؤه ، و بالضرورة الخضوع لأحكام وضوابط قوانين أخرى ، و إلا فإن الفناء و العدم هو المصير .
فتعريف " القيمة " لا يأتي إلا بمعرف ، و التعريف ضمن " معرفات وضوابط " منبثقة من قوانين و أحكام تشكل في مجموعها " نظام " .
إذن القيمة لا يمكن أن تدرك إلا وفق ما يقيمها . و التقويم هنا يأتي على اسس تختلف من " نظام " إلى آخر .
فالوزن و الزمن و الكتلة ، و المساحة ، و الطول و العرض و المسافة تختلف بإختلاف القوانين و الأحكام المشكلة لنظام معين ، و للتبسيط نضرب مثالا : لو افترضنا أن رائدا للفضاء غادر الأرض وعمره 25 سنة آنذاك، وترك أخاه الصغير البالغ من العمر 22 سنة وغاب في رحلته الفضائية مدة عشرة سنوات بحسب توقيته على الصاروخ المسافر بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء بحسب ما يرصد أخوه، فإنه يجد عند عودته من رحلته في سن 35 سنة أن أخاه الذي كان أصغر منه عمراً قد أصبح في سن الأربعين أو الخمسين على حسب سرعة الصاروخ التي تحرك بها.( ويكيبيديا) ، و هذا بالطبع يستدعي مراجعة ودراسة نظرية النسبية المتعلقة بالزمن و الأحجام للعالم آينشتين . حيث أسهب إعتمادا على مبادئ و تفسيرات إقليديس و لوباتشفسكي ، و ويليام كليفور على قوانين الزمن .
هذا أيضا يجب أن ينسحب على الأحجام و الكتل و الأبعاد . ولكن يجب الإنتباه أن هذه التفسيرات و النظريات ، إعتمدت على رؤى ، و حسابات مقتبسة و مفسرة لتفصيلات القوانين المادية ، و النظام المعاش . ولم تتطرق إلى ما بعد إنهيار هذا النظام !! فيما نسميه يوم القيامة و ما بعده .
ولكن و جدلا ، يمكننا أن نتخذ من الإختلاف في النسب ، و القياس ضمن القانون الحاكم في حياتنا ، و الذي يطلق عليه القانون المادي ، كنقطة ( سابقة ) أو ( مثال أساسي ) لإمكانية الإختلاف بين الأزمنة حسابا ، و الأوزان و الأحجام بعد إنفراط و إنتهاء القوانين الحاكمة المعاشة في الحياة . فلا أحجام الأجساد و لا قدراتها و لا أبعادها ستبقى على حالها و لا الأشياء الأخرى ستكون هي ذاتها من حيث الوزن و الحجم .إلخ .
بل إن ( قيم ) أخرى ستضاف أو تختزل ، للتلائم مع ( النظام ) الآخر ، ما بعد الحياة الدنيا .
فما هو ( معنوي ) و غير محسوب وليس ذي ( قيمة ) حسية ، قياسا بقوانين المادة ، قد يتحول إلى ( قيمة ) محسوسة تضاف إلى أبعاد الأشياء و الإنسان و غيره من الكائنات . و للتوضيح :
كم يبلغ ( حجم ) الأخلاق لدى الإنسان ؟؟ ، الأخلاق في عالمنا هي قيمة معنوية لا وزن لها ولا أبعاد حسية ، و هي إن قلت أو زادت ، لا تقبل القسمة على أحكام و حسابات قوانينا الإنسانية المادية لتعطي في النتيجة زيادة في الوزن المحسوس لصاحب الأخلاق ، أو تقلل من " طول " قليل الأخلاق .. ولكنها – قد – تكون قابلة للحساب في ظل نظم و قوانين أخرى ، و هي ما أشير إليه في نظام ما بعد الحياة أو يوم القيامة و ما بعدها . فالأخلاق ، و الشرف ، و الإيمان ، و المحبة ، و الخير .. وكل ما نطلق عليه في عالمنا المادي ( أوصاف ) معنوية لا قيمة محسوسة لها ، قد تتحول إلى قيم حسوبة بأبعاد و أحجام و أوزان .. ففي سورة الحديد – الآية 12 يقول الله تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، حيث أنه من المعلوم أن يوم رؤية هذا المشهد ، لن تكون هناك ضياء ، فلا شمس و لا نجوم ، و لا جاذبية أرضية ، و تنتفي ، بل تنعدم تماما كل القوانين المعمول بها . فكيف و من أين يأتي هذا النور الذي يسعى بين أيدي المؤمنين ، و الذي يراه الجميع ؟ كثيرة هي التفسيرات ، و الأرجح منها في رأيي ، أنها عملية تحول القيم المعنوية إلى محسوسات ذات أوزان و أبعاد . فالنور الساعي بين أيدي المؤمنين هو كمية الإيمان و الأخلاق و المبادئ التي إكتنزوها ، و شحنوا ذاتهم بها ، ولم تكن في الحياة الدنيا سوى ( أوصاف حميدة ) لا ترجمة حسية لها ، وفق قوانين العالم المادي ، سواء بمنظور المادية اليالكتيكية أو الديالكتيكية التاريخية، و أصبح لها قيمة فعلية محسوسة عند البدء بالعمل بقوانين تحتسب هذه القيم و تعطيها تفسيرا بالحجم و الوزن و البعد . و يتضح هذا جليا في قول الله تعالى في آيات 124-126 في سورة طه (ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) ، الواضح أن الشاكي هنا من العمى ، إنما هو يشكو من عدم وجود أي مخزون كان يعتبر ( معنويا ) في قياسات الحياة ، وهي أنه نسي أيات الله ، أي أنه لم يعمل بالقيم و المبادئ و الإيمان ، ولم يدخر اي خامة ستتحول في ظل قوانين الآخرة إلى قيم ذات ملامح و أبعاد و أوزان ..

و أعتقد ، أننا كلنا كمخلوقات ، ستتغير مقاساتنا حجما ووزنا و أبعادا وفقا لما ستؤهلنا مكتنزاتنا من قيم معنوية بالتعريف المادي ، و لكنها قيم محسوبة وازنة وفقا للتعريف في ناموس ما بعد القيامة ، و الله أعلم . ليس هذا فقط بل إن عناصر أخرى تضاف إلى الحجم و الوزن و الأبعاد .. ستضاف إلى الحجم المادي و الحيز الدنيوي بعد التحرر منه و الإنطلاق إلى العالم الآخر ، و أعتقد أن في قصة رؤية رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام ، لجبريل الأمين عليه السلام مثالا وضاحا ، فجبريل الذي وصفه الله تعالى بأنه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) ،
أي أن جبريل الأمين عليه السلام شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه و أنه { ذُو مِرَّةٍ } أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن. هذا الملاك ، بهذه الصفات العظيمة ، أعطت له حجما ليس فقط معنويا ، بل و ماديا ، بأبعاد و ووزن مختلف عن دنيانا و مقاييسها . ففي الرواية أن النبي رأى جبريل على هيئة رجل يشبه إلى حد كبير أحد الصحابة و يدعى ( دحية الكلبي أو دحية بن خليفة ) .. و رآه بشكله المجرد من القانون الأرض المادي ، فما أستطاع إدراك حجمه الذي سد الأفق . و قد أكدت آيات القرآن الكريم رؤية رسول الله عليه الصلاة و السلام للأمين جبريل مرتين . كما ورد في أول سورة النجم .
وهذا يعطي دلالة ، أن المخلوقات إذا خرجت من " نظام " و دخلت إلى " نظام " آخر ، تختلف مقاييسها حجما ووزنا و أبعادا بإختلاف ما تحمل من قيم معنوية إيجابا أو سلبا . و هذا يبدو أنه ينسحب علينا نحن كبشر ، فطبيعة أحجامنا و أوزاننا الدنيوية تتناسب مع طبيعة القانون الخاضعة له ، مطروحا منها كل الزيادات التي ستضاف عند الدخول في " منظومة " الحياة الأخرى . و الأمثلة في الأثر و الرواية كثيرة ، و أكثر من أحصيها في هذه العجالة ، كجناحي جعفر الطيار ، و ثقل أرجل عكاشة التي رآها صحابة الرسول عليه الصلاة و السلن ضعيفة و دقيقة في مقياسهم الدنيوي و ضحكوا منها ، و هي ( بثقل ) جبل أحد يوم القيامة ، بما يضاف عليها من قيمة معنوية . و المقصود هنا ، أنني أفسر الإضافة و ترجمة ما هو معنوي بتعريفنا إلى حسي ملموس بتعريف النظام الأخروي ، لا يتوقف عند المعنى فقط بل يتجاوزه ليصبح حقيقة .