خبر : أكبر انقلاب ....بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 26 سبتمبر 2013 09:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT



دخلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر في نفق مظلم بعد قرار القضاء المصري بحظر الجماعة والجمعية والحزب، وبعد أن أصبح هذا الحظر هو المقدمة الأولى لحل الجماعة في أكتوبر القادم.

صحيح أن هذا الحظر قد دخل حيّز التنفيذ على الصعيد الشعبي منذ الأيام الأربعة التي هزت العالم، الأيام التي تسمى اليوم ثورة الثلاثين من يونيو إلاّ أن القرار القضائي لا يعني في الواقع العملي سوى أن الجماعة والجمعية والحزب أصبحوا مطاردين وملاحقين على كل الصعد والمستويات التنظيمية والإدارية والمالية واللوجستية بانتظار قرار المحكة الإدارية بالحل الرسمي لهذا الثالوث.
وبدخول الجماعة في هذا النفق المظلم تتهيأ الظروف على مستوى الإقليم العربي على الأقل لدخول جماعات الإخوان المنتشرة والمتواجدة فيه للدخول في نفق معتم، ذلك أن انهيار الجماعة في مصر ربما لها من مكانة في اطار التنظيم الدولي للجماعة إنما يعني وبالضرورة تصدعات كبيرة في بنى الجماعات ومؤسساتها في البلدان العربية. أولى توابع الزلزال المصري (الذي يسميه الإخوان انقلابا عسكريا) ستكون في تونس على ما يبدو وربما تكون السودان مرشحة قوية لسقوط نظام الإخوان المستتر هناك.
أما الإخوان في سورية والأردن وغيرها من البلدان بما في ذلك النسخة المغربية والليبية فإن الأمر يتعلق هنا بالتحجيم والترميم وقد يصل الأمر إلى القصقصة والتقليم. المهم أن الزلزال المصري سيجتاح بلدان الإقليم باتجاه المشروع الحقيقي والولوج الفعلي لإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس ديمقراطية جديدة إيذاناً بعصر نهاية الدولة الاستبدادية وبداية التحول الديمقراطي والانتقال من حقل الثورة السياسية على النظام إلى الثورة الوطنية بمحتواها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي العميق.
كما أن الزلزال المصري ولأول مرة في تاريخ هذه المنطقة منذ مئات السنين سيفتح الطريق واسعاً أمام منع قيام أحزاب على أسس دينية، وبما يمنع استخدام المقدس أو توظيفه في خدمة مصالح هي في الجوهر مصالح سياسية واجتماعية مغلّفة بالدين.
والزلزال المصري بهذا المعنى ينتصر في الواقع لفكرة المصلح العظيم محمد عبده الذي قال بفساد السياسة إذا دخل عليها الدين وفساد الدين إذا دخلت عليه السياسة.
مصر تفتتح عهداً جديداً للعقد الاجتماعي في كامل منطقة الإقليم العربي قائما على التلازم العضوي ما بين الشرعية والديمقراطية من جهة وعلى التنمية الوطنية القائمة على المصالح الوطنية العليا من جهة أخرى. أي أن مصر في ثورة يونيو العظيمة كمرحلة عليا من ثورة الخامس والعشرين من يناير تحدث حالة من الوعي الوطني ـ القومي من رفع مستوى السياسة والثقافة السياسية الوطنية إلى نفس مستوى مصالح الوطن ومصالح الشعب العليا.
للمرة الأولى منذ عهد عبد الناصر وللمرة الأولى تضع مصر القوات المسلحة أمام مسؤولية حماية الثورة والدفاع عنها والاستعداد لخوض معركة مصير نجاحها.
وللمرة الأولى أصبح الأمن والمخابرات وأمن الدولة (الأمن الوطني) وكل أجهزة الأمن القومي جزءاً فاعلاً وأصيلاً من معركة الدفاع عن الدولة الوطنية وليس الدفاع عن النظام السياسي لهذه الدولة أو في هذه الدولة.
وللمرة الأولى دشنت الثورة المصرية العظيمة كثورة متجددة من ثورة يناير مرحلة المساهمة والمشاركة الشعبية في تقرير مصير التحولات السياسية والاجتماعية و الثقافية والاقتصادية وتحديد مسار وطريق ومستقبل هذه التحولات، وهو الأمر الذي يعني أن الثورة المصرية هي ثورة شعبية عارمة يستحيل على أحد مهما كان ومهما بلغ ومهما امتلك من أدوات ووسائل وموارد أن يقف في طريقها.
الثورة المصرية هزمت الخوف وهزمت الاحباط وفجرت طاقات شعب ظن الخائبون أنه شعب استكان لظلم الحاكم وجبروته وجشعه وفساده، تماماً كما ظن الكثير من الخائبين أن المتاجرة بالدين يمكن أن تحجب عن الشعب قدرته عن البصر والبصيرة.
هزم مشروع الرجعية الداخلية وهزم مشروع الاستعمار الخارجي على يد شعب قرر أن يخوض معركة مصير ثورته ليعيد بناء خارطة الوطن المصري كاملة.
بكل هذه المعاني فإن ما حدث في مصر وخصوصاً بعد قرار القضاء المصري بحظر الجماعة والجمعية والحزب هو أكبر انقلاب في تاريخ المنطقة كلها بعد عبد الناصر.
إنه الانقلاب العظيم الذي لا يشبه أي انقلاب في التاريخ المعاصر غير سرعة الإنجاز ودرجة التغيير المذهلة والارتفاع العظيم في منسوب الوعي الوطني وفي وحدة الشعب في الحفاظ على ثورته وتحقيق أحلامه المنشودة في الاستقلال الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مهما كانت صعوبات الواقع ومهما كان ثقيلاً إرث الماضي القريب والبعيد على حد سواء.
الانقلاب المصري هو أكبر انقلاب عرفته البشرية المعاصرة وهو شيء أعمق من الثورة السياسية وأبعد مما عرفناه عن الثورات من تحولات ذلك أننا أمام حدث تاريخي له طابع الزلزال الوطني العظيم الذي يهز أركاناً واصناماً كان يستحيل إسقاطها وتدميرها إلاّ من خلال هذا الزلزال.
تحولات الزلزال المصري هي انقلاب فعلي ولكن باتجاه ما هو أبعد من الثورات المعهودة وما هو أعمق من التغيير السياسي وما هو أهم من مجرد نجاح ثورة. إنه الانقلاب الذي يؤسس لدولة جديدة في تاريخ المنطقة.