حين يتحدث وزير الخارجية المصري السفير نبيل فهمي عن استعداد مصر حتى للقيام بعمل عسكري ضد حركة حماس، في حال المساس بأمن مصر القومي على الفلسطينيين، أن يضعوا أيديهم على قلوبهم، وأن لا يتجاهلوا مدى خطورة الوضع في مصر، وانعكاساته على حماس وقطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني.
السفير فهمي يمثل رأس الدبلوماسية المصرية، وهو رجل هادئ بطبعه وصاحب تجربة طويلة في العمل الدبلوماسي، وهو بالتأكيد يدرك أبعاد ما يقول، ولا يمكن أن يكون ما ينسب إليه على أنه زلة لسان، أو فشة خلق كما يقال.
تصريح وزير الخارجية المصري، الذي أدلى به أول أمس، الثلاثاء، جاء بعد سلسلة طويلة من الرسائل، التي قدمتها حركة حماس في الآونة الأخيرة، ونفت من خلالها، كل الاتهامات الموجهة إليها، بالتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن الداخلي المصري.
أكثر من مرة، خرج الناطقون باسم الحكومة المقالة، وباسم حماس ينفون الاتهامات والادعاءات الموجهة إليهم من قبل مصادر أمنية وعسكرية وإعلامية مصرية، وكان نائب رئيس الحركة الدكتور موسى أبو مرزوق قد نشر مقالاً في الأيام الأخيرة، رد فيه على الاتهامات الواردة تفصيلاً.
وأشار في المقال، إلى السياق العام لسياسة حركته، إزاء علاقاتها بالمحيط العربي والإقليمي، ونحو تأكيد سياستها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وعلى الصعيد الإعلامي، هدأت تصريحات المسؤولين في حماس تجاه الجاري في مصر، وأزالت قناتا القدس والأقصى شعار "رابعة العدوية"، وتراجعت التغطيات والأخبار الخاصة بمصر والتي تنطوي على تحريض، وانحياز واضح لجماعة الإخوان المصرية.
على الصعيد العسكري الأمني، أجرت كتائب عز الدين القسام اربعة استعراضات عسكرية، وربما أكثر، كان أولها، وهو الذي أثار حفيظة المصري، ذلك الاستعراض المحمول الذي وقع على الشريط الحدودي عند رفح، ورفعت خلاله شعارات الإخوان، ورابعة العدوية.
بعد أيام من ذلك الاستعراض وفي محاولة لتصحيح الرسالة التي خرجت عن استعراض رفح، جرى استعراض عسكري في شمال قطاع غزة، ليؤكد أن سلاح القسام والمقاومة موجه لإسرائيل ولكن مرة أخرى وقع الاستعراض في خطأ، حين رفع البعض شعارات رابعة العدوية. استدعى ذلك، إجراء استعراض ثالث في شارع النصر، تبعه تصريح صادر عن كتائب القسام يشير فيه بوضوح إلى أن سلاح المقاومة موجه فقط لإسرائيل، وأن الكتائب لا تفكر ولا تقبل أي انحراف في هذه الوجهة. ولتأكيد الرسالة التصحيحية، جرى استعراض آخر في منطقة الشاطئ بغزة، حضره رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، وعدد من المسؤولين ولتأكيد البعد الرسمي للحكومة والحركة، للموقف الذي أعلنته كتائب عز الدين القسام. وإزاء معبر رفح، كان المستشار السياسي للحكومة المقالة الدكتور يوسف رزقة، قد أبدى الاستعداد، لقبول مبدأ إدارة مشتركة مع حرس الرئيس للمعبر، ولكن بعيداً عن تفاهمات 2005، التي اعتبرها ميتة، فيما ذهب الدكتور ابو مرزوق إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أبدى خلال هذا الأسبوع استعداد الحركة لقبول عودة حرس الرئيس إلى المعبر، ولكن بدون تفاصيل حول ما إذا كان يقصد ما قصده رزقة، أم أنه يقصد انفراد حرس الرئيس بإدارة المعبر.
بعد هذا الاستعراض، لأهم ما جاء في ردود حركة حماس وحكومتها، بغرض تصحيح العلاقة المتدهورة مع الشقيقة مصر، جاء تصريح وزير الخارجية نبيل فهمي، ما يعني، أن كل هذه الرسائل لم تغير من الموقف المصري قيد أنملة، ولم تؤد إلى تبديد الغيوم السوداء التي تلف الوضع.
في هذا السياق، نلاحظ مرة أخرى، مدى ارتباك موقف حماس، ذلك أن التوتر الشديد القائم في العلاقة بينها وبين مصر، يعكس في الوقت ذاته توتراً لا يزال مستمراً في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية. بعد التصريح الذي أدلى به سفير فلسطين في القاهرة الدكتور بركات الفرا، أو نسب إليه، بشأن بقاء معبر رفح مغلقاً "حتى عودة السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، وحرس الرئيس محمود عباس إليه، وأن المطلوب من حركة حماس أن تعيد حساباتها تجاه مصر بعد أن فقدت حليفها السوري" جاءت ردود بعض قيادات حماس متوترة وصعبة، وتكيل المزيد من الاتهامات للسلطة، والرئاسة، بأنها متآمرة على حصار قطاع غزة وحركة حماس، كما جاء في تصريح مكتوب، نشر في صحيفة فلسطين للنائب عن حماس الدكتور مروان ابو راس.
والآن وإذا كان التحليل المنطقي، يستبعد أن تقوم مصر بعمل عسكري ضد حركة حماس، حتى لو كان قرار النظام القائم في مصر، بشطب حركة الاخوان، في مصر وفي الجوار، فإن تصريح الوزير فهمي، لا ينبغي أن يؤخذ في سياق الكلام العابر، أو التهديد اللفظي، وبأن ذلك يعني أن كل ما قدمته حماس من رسائل لا يكفي لمعالجة الوضع واستدراك مدى خطورته. من الواضح أن ما قامت به حماس حتى الآن يندرج في سياق التراجع المنظم، والبطيء قياساً بسخونة الأوضاع، في مصر وعلى جبهة العلاقات المصرية مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع حركة حماس. وبرأينا ومن موقع، وبدوافع الإخلاص الوطني، والحرص الشديد على كل قطرة عرق، ودم فلسطيني وعلى استقرار مصر، وتقدمها، وفق خيارات وإرادة شعبها، فإن تصحيح العلاقة، يقتضي العمل على خطين متكاملين الأول يقول بضرورة أن تبادر حركة حماس، لتقديم رؤية شاملة لسياساتها ومواقفها، تجاه المشروع الوطني الفلسطيني، والهوية الوطنية، والتمثيل الموحد، والموقف من الجاري في الجوار العربي، وبما يؤكد وطنيتها الفلسطينية، بكل أبعادها العربية والدولية. أما الخط الثاني وبالتكامل، إعادة النظر في خطابها الإعلامي، وأشكال ووسائل تعاملها مع الناس، وتقديم تصور جديد للمصالحة بما تنطوي عليه من ملفات، وبضمنها بطبيعة الحال ملف معبر رفح، والحكومة، والانتخابات والتأكيد على الوحدة الجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة. إن مثل هذه الرؤية، من شأنها أن تشكل المقدمة، لفتح حوار، ولا شيء سوى الحوار مع الداخل، ومع الأشقاء المصريين لتوضيح الالتباسات القائمة أو لتصحيح المسار.


